بعد مرور أكثر من عام على إطلاق حكومة الإمارات استراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة، أجمع مديرو مصانع وطنية ورؤساء تنفيذيون، أن الدولة خطت خطوات واسعة نحو الاستعانة بتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، فيما أصبحت تلك التقنيات أحد المحاور الرئيسية التي تنتهجها المصانع الوطنية وخطوط الإنتاج المحلية بهدف زيادة القدرة التنافسية للمنتج الصناعي الإماراتي بالأسواق العالمية. وقال هؤلاء لـ«الاتحاد»، إن دولة الإمارات أصبحت من اللاعبين الرئيسين في الاستفادة من تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة في مختلف القطاعات الصناعية والتكنولوجية ليس على المستوي الإقليمي فحسب، بل على المستوى العالمي أيضاً، مؤكدين أن تقنيات الثورة الصناعية الرابعة استقطبت معظم رجال الصناعة الوطنية، خصوصاً في الصناعات الاستراتيجية وفي مقدمتها صناعات الطيران وقطاعات الاتصالات والتكنولوجيا. وثمن مديرو المصانع الوطنية الجهود الحكومية التي تبذلها حكومة الإمارات والتي تهدف إلى توطين تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة والاستفادة من التقنيات المتطورة في الصناعة الوطنية، مؤكدين أن الدولة كانت سباقة في إطلاق استراتيجية واضحة تهدف إلى تعزيز مكانة الدولة كمركز عالمي للثورة الصناعية الرابعة، والمساهمة في تحقيق اقتصاد وطني تنافسي قائم على المعرفة والابتكار والتطبيقات التكنولوجية المستقبلية التي تدمج التقنيات المادية والرقمية والحيوية. وأضافوا أن استراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة تجسد توجهات الحكومة في أن تصبح الدولة نموذجاً عالمياً رائداً في المواجهة الاستباقية لتحديات المستقبل، وتطويع التقنيات والأدوات التي توفرها الثورة الصناعية الرابعة لخدمة المجتمع، لافتين إلى أن تقنيات الثورة الصناعية الرابعة طالت كافة القطاعات المجتمعية الحيوية ومنها التعليم والرعاية الصحية والأمن الغذائي، فضلاً عن علوم الهندسة الحيوية والتكنولوجيا المتقدمة للطاقة المتجددة. خدمة البشرية وأكد بدر سليم سلطان العلماء، رئيس وحدة صناعة الطيران في شركة «مبادلة للاستثمار»، أن استراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة جاءت في توقيت يسعى فيه العالم المتقدم لتطويع التقنيات الحديثة في خدمة البشرية بمختلف القطاعات الصناعية والرقمية والتكنولوجية، لافتاً بأن الاستراتيجية واكبت تطلعات قيادة الدولة الرشيدة نحو تعزيز دور الدولة لتصبح نموذجاً عالمياً رائداً في المواجهة الاستباقية لتحديات المستقبل، وتطويع التقنيات والأدوات التي توفرها الثورة الصناعية الرابعة لخدمة المجتمع. وأضاف العلماء أن أبوظبي تعد المكان الأكثر قدرة على تبني تقنيات التصنيع الحديثة في مجال صناعة أجزاء الطائرات من ألياف الكربون وفي مقدمتها تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد، نظراً لموقعها الاستراتيجي الذي يؤهلها للجمع بين ابتكارات الشرق والغرب في مكان واحد، فضلاً عن توافر البيئة الجاذبة للمواهب، والتطور الفائق للبنية التحتية في الإمارة. وقال إن الإمارة تتحول إلى أن تصبح واحدة من أكبر مراكز التصنيع الذكي في العالم، مضيفاً أن الإمارة انتقلت من مرحلة تطوير البنية اللازمة لتصنيع أجزاء الطائرات من ألياف الكربون إلى مرحلة الاستثمار في التكنولوجيا وبحوث التطوير، بما يمهد الطريق لتحقيق اختراقات علمية وتصنيعية في هذا المجال. وأوضح العلماء أن أبوظبي انتقلت من تطوير البنية اللازمة لتصنيع أجزاء الطائرات إلى مرحلة التركيز على البحوث والتطوير والابتكار في هذا المجال، وهو أمرٌ لم يكن من الممكن حدوثه من دون تطوير بنية صناعية قوية ومنافسة على المستوى العالمي، مشيراً إلى أن الإمارة ركزت خلال الفترة الماضية على تأهيل وتدريب الكوادر الوطنية لتلعب دورها في ريادة الشركات الصناعية المتقدمة، وأن المرحلة المقبلة ستشهد التركيز على الاستثمار في التكنولوجيا لتعزيز تنافسية أبوظبي العالمية في مجال التصنيع. محرك رئيسي بدوره، قال إسماعيل عبد الله الرئيس التنفيذي لشركة «ستراتا للتصنيع» إن تسخير الإمكانات والطاقات الوطنية للاعتماد على تقنيات الثورة الصناعية الرابعة يتطلب من الجهات المحلية تطبيق أسس ومبادئ الاستفادة من توجهات هذه الثورة لتكون الإمارات المحرك الرئيسي لمتطلبات الاستفادة من التطبيقات المتقدمة على المستويين الإقليمي والعالمي. وأضاف عبد الله أن «ستراتا» بدأت بالفعل منذ سنوات مضت في تأسيس قسماً للأبحاث والتطوير، حيث يعكف القسم حالياً على عدد من المشاريع بالتعاون مع كلٍ من «معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا»، و«جامعة خليفة»، و«المعهد البترولي»، فيما تضم قائمة هذه المشاريع تطوير تقنيات خاصة لتجميع أجزاء هياكل الطائرات باستخدام الروبوتات، وتقنيات الفحص المتقدمة، وتحسين آليات تصنيع وتجميع أجزاء هياكل الطائرات المصنعة من المواد المركبة. وأوضح الرئيس التنفيذي لـ«سترتا»، أن الشركة تعمل في الوقت الراهن على إنشاء مصنع المستقبل، وذلك في منشأتها الثانية في «مجمع نبراس العين للطيران»، مؤكداً أن المجمع الجديد سيوظف مجموعة متنوعة من الحلول والمعدات التكنولوجية الذكية المعتمدة على تقنيات الثورة الصناعية الرابعة للمساهمة في تحقيق رؤية حكومة أبوظبي المتمثلة في أن تصبح الإمارة مركزاً لصناعة الطيران على المستوى العالمي. وقال «سيتبنى المصنع الجديد مجموعة من الركائز الأساسية التي تقوم على المبنى الذكي، والعمليات التشغيلية والتصنيع الذكي والكوادر الوطنية المتميزة. كما سيوظف حلولاً مبتكرة تساهم في تحقيق تغير جذري في طرق الإنتاج التقليدية في قطاع صناعة الطيران». وأشار عبد الله إلى أن استخدام التقنيات الذكية والطباعة ثلاثية الأبعاد، والاعتماد على عمليات تصنيع فريدة ومبتكرة يوفر للشركة القدرة على مراقبة العمليات بشكل فوري، وتدعم عملية صنع القرار باستخدام الحوسبة الإدراكية بما يعزز الفعالية، ويقلص الهدر، ويرفع مستويات الجودة، ويحقق أعلى قيمة مضافة للمساهمين والموظفين والشركاء من شركات صناعة الطيران العالمية». الكفاءات الوطنية من جهته، قال منير حداد المدير التنفيذي لمجموعة أبوظبي الصناعية، إن بناء قاعدة صناعية متطورة في أبوظبي لتكون تجسيداً ملموساً لأرقى تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة على المستوى العالمي سيساهم في نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية والكفاءات الوطنية ليس في أبوظبي فحسب، بل في كافة إمارات الدولة. وأكد حداد أن القطاع الصناعي القاطرة الرئيسة لبناء اقتصاد مستدام قائم على المعرفة والابتكار، حيث تتطلع دولة الإمارات إلى جذب استثمارات صناعية جديدة تقدر قيمتها بأكثر من 70 مليار دولار حتى العام 2025، وزيادة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي للدولة من 16% في العام 2016 إلى 20% على الأقل بحلول العام 2021، لافتاً إلى أن هذه الأرقام والاستثمارات الضخمة لابد أن يواكبها التطور الملموس من خلال تبني تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة. وأوضح المدير التنفيذي لمجموعة أبوظبي الصناعية، أن إطلاق حكومة دولة الإمارات استراتيجية الإمارات للثورة الصناعية الرابعة، يمثل حافزاً قوياً للقائمين على الصناعات المحلية لتطويع وتمكين مثل هذه التقنيات لخدمة الصناعة الوطنية وزيادة قدرتها التنافسية بالأسواق العالمية، مؤكداً أن سمعة الصناعة الإماراتية على المستوى العالمي باتت محركاً للأسواق الدولية بعدما نجحت في الدخول في صناعات استراتيجية، وفي مقدمتها صناعة الطيران والطاقة المتجددة وغيرها من الصناعات الاستراتيجية التي تقوم في الأساس على خدمة الإنسانية. شراكات حكومية وقال علاء الشيمي، مدير عام المشاريع التجارية في شركة «هواوي» بمنطقة الشرق الأوسط، إن الحكومات الاتحادية والمحلية في دولة الإمارات عقدت مؤخراً شراكات واتفاقيات مع كبري شركات التكنولوجيا والاتصال في العالم لإقامة المدن الذكية التي تعتمد تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي في عملياتها التشغيلية، مؤكداً أن هذه الاتفاقيات ما زالت في طور الإعداد والتي من المتوقع أن يتم الكشف عنها خلال الشهور القليلة المقبلة. وأضاف الشيمي، أن حكومة أبوظبي تعكف على تطوير محطات الكهرباء والمياه باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي المطورة من قبل «هواوي»، بهدف تقليل الفاقد والاستخدام الأمثل للطاقة الكهربائية، مؤكداً أن الإمارات ستكون في مقدمة الدول المستخدمة لمثل هذه التقنيات الحديثة خلال السنوات العشر المقبلة، على المستويين الإقليمي والعالمي. وحول أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا في مجال الذكاء الاصطناعي، أضاف مدير عام المشاريع التجارية في «هواوي» بمنطقة الشرق الأوسط، أنه تم الكشف مؤخراً عن جيل جديد من الرقاقات الخاصة بالذكاء الاصطناعي حملت اسم «أسيند»، من خلال إطلاق رقاقتين جديدتين تعتبران سبقاً فريداً من نوعه على مستوى العالم بالنسبة للرقاقات المرتبطة ببروتوكول الإنترنت والمصممة خصيصاً لتتماشى مع مختلف سيناريوهات العمليات التشغيلية التي تعتمد الذكاء الاصطناعي وترتقي لاحتياجات كافة الصناعات والقطاعات. وقال الشيمي: «أطلقنا مجموعة (دافنشي) للحلول التقنية الخاصة بالذكاء الاصطناعي والتي تعتبرها الأولى من نوعها في العالم، كونها تتمتع بصفة تعدد المهام ويمكنها التعامل مع طيف واسع من سيناريوهات مختلف الأعمال»، متوقعاً أنه بحلول عام 2025 سيبلغ حجم سوق الذكاء الاصطناعي العالمي نحو 387 مليار دولار». وفيما يتعلق بمخاوف البعض من تسبب الذكاء الاصطناعي بفقدان الكثيرين لوظائفهم على ضوء عمليات الأتمتة التي تحملها ثورة الذكاء الاصطناعي، قال الشيمي إن الحقبة المقبلة من الذكاء الاصطناعي ستحمل معها الكثير من فرص الوظائف، لا سيما تلك المرتبطة بالبيانات الضخمة وتحليل البيانات والعديد من التقنيات التي يمكن ربطها بسهولة بحلول الذكاء الاصطناعي، كالحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء، باستخدام الجيل الجديد من الرقاقات.
مشاركة :