الجزائر – انتهت أزمة حزب جبهة التحرير الوطني، بتنصيب القيادة الجماعية المؤقتة، نهار أمس، في مقر الحزب بضاحية حيدرة بأعالي العاصمة، لتضطلع بمهمة تسيير شؤون الحزب إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية والذهاب إلى مؤتمر استثنائي للحزب، يتم خلاله انتخاب أمين عام جديد. وتتشكل القيادة الجديدة من سعيد لخضاري، سعيدة بوناب، محمود قمامة، ليلى طيب، مصطفى كمال رحيال، محمد كرشوش، بالإضافة إلى المنسق معاذ بوشارب، وهي العناصر المحسوبة على الجيل الثاني من رموز الحزب الحاكم في البلاد. واللافت في التشكيلة المعلن عنها غياب من يوصفون بـ”الحرس القديم”، وهي القيادات المخضرمة والتاريخية التي سيّرت شؤون الحزب، تحت عباءة الشرعية الثورية، باعتبار الحزب يستمد مرجعيته من جبهة التحرير التاريخية التي قادت ثورة التحرير (1954 - 1962). ويمثل التنصيب الجديد في جبهة التحرير الوطني، تحولا بارزا في مسار الحزب، قد يفضي إلى مراجعة سياسية وأيديولوجية، وفق أجندة يجري طبخها على نار هادئة، يكون القطع مع الشرعية الثورية أبرز معالمها، وهو ما يتجلى في الغياب اللافت لأبرز القيادات والرموز القديمة المحسوبة على جيل ثورة التحرير في القيادة الجديدة. ويأتي على رأس هؤلاء صالح قوجيل، عبدالكريم عبادة، عبدالرحمن بلعياط، الذين مثلوا لوحدهم طيلة السنوات الماضية أجنحة متمردة على القيادات المتعاقبة على رأس الحزب، منذ أزمة العام 2004، وشكلوا بؤر توتر داخلية نغّصت استقرار كل من علي بن فليس، عبدالعزيز بلخادم، عمار سعداني، وأخيرا جمال ولد عباس. مخطط إعادة ترتيب الأوراق داخل الحزب الحاكم، بدأ منذ إبعاد رئيس البرلمان سعيد بوحجة، وتعويضه بمعاذ بوشارب وإن لم يصدر أي موقف إلى حد الآن تجاه التطورات الأخيرة في بيت الحزب الحاكم، فإن تصريح عبدالرحمن بلعياط الأخير، يوحي بأن الأمر يتجاوز حدود إرادة النافذين داخل الحزب، ويتعلق بإرادة قوة عليا، تستمد تزكيتها من منصب الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، كرئيس للحزب. وذكر بلعياط “إذا أمرنا بوتفليقة أن نتعامل مع معاذ بوشارب، فلا مانع لدينا”، في رده على سؤال حول موقف الحرس القديم، من قرار تعيين الرجل كمنسق وطني للقيادة الجماعية الجديدة، مما يوحي إلى أن الوضع انفلت من المؤسسات الرسمية ومن القانون الأساسي والنظام الداخلي للحزب، إلى دوائر الظل التي تدير شؤون البلاد وتحضرها لمرحلة جديدة لم تتجلى كامل معالمها. وبتنصيب القيادة الجماعية الجديدة، تكون استقالة جمال ولد عباس، قد تأكدت وأن منصب الأمانة العامة بات شاغرا، رغم تمسك الرجل بمنصبه، وزعمه بأن المسألة تتعلق بـ”إجازة مرضية مطولة”، ورفض المحيطين به رحيله وتعيين رئيس البرلمان الحالي معاذ بوشارب، خلفا له بصفة مؤقتة. وكانت مصادر متطابقة، قد أكدت في وقت سابق، بأن “القرار هو إقالة وليس استقالة، وأن ولد عباس، تلقى اتصالا هاتفيا يبلغه قرار الإبعاد من المنصب، مما تسبب له في وعكة صحية نقل على إثرها إلى مستشفى عين النعجة العسكري بالعاصمة”، وهو ما تأكد نهار أمس، بإعلان شغور منصب الأمانة العامة. واستنكر عضو المكتب السياسي أحمد بومهدي، قرار تعيين معاذ بوشارب، منسقا عاما للحزب، كونه لا يحوز على عضوية هيئتي المكتب السياسي واللجنة المركزية، فضلا عن أن القرار يتنافى مع النصوص والتشريعات الداخلية للحزب، التي تقضي بتعيين العضو الأكبر سنا لخلافة الأمين العام المستقيل، ودعوة اللجنة المركزية للانعقاد في دورة استثنائية لانتخاب أمين عام جديد. انتهاء حقبة جمال ولد عباس، على رأس الحزب، وهو الذي كان يطمح لقيادته إلى عقود قادمة تحت عباءة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ويرى متابعون للشأن السياسي في الجزائر، بأن مخطط إعادة ترتيب الأوراق داخل الحزب الحاكم للبلاد، بدأ منذ أسابيع. وتجلى المخطط في أول خطوة مع إبعاد رئيس البرلمان سعيد بوحجة، المحسوب على جيل ثورة التحرير، واستخلافه بواحد من الجيل الجديد، ويستمر مع القيادة الجماعية الجديدة المحسوبة على الجيل الثاني في جبهة التحرير الوطني، وغياب ما يعرف بـ”الحرس القديم”. واتهم القيادي طاهر قايس، الذي يعتزم الترشح لشغل منصب الأمين العام للحزب، ما أسماه بـ”جهات تعمل على اختطاف بل الاستيلاء على الحزب بكل الوسائل، وترفع شعارات التشبيب لاستئصال جيل الأسرة الثورية من حزب جبهة التحرير الوطني”، في إشارة لتنحية سعيد بوحجة من رئاسة البرلمان، وتعيين معاذ بوشارب منسقا للحزب، خارج مؤسسات وقوانين الحزب. وأضاف “هناك تواطؤ مع جهات أجنبية تضغط من أجل تنحية كل من ينتمي لجيل الثورة، من الحزب ومن مؤسسات الدولة”، في إشارة لخطاب التطبيع التاريخي الذي ألقاه أحمد أويحيى، في باريس بمناسبة مئوية نهاية الحرب العالمية الأولى، لما وصف الشهداء بـ”القتلى”، وثورة التحرير بـ”الحرب”. وتشير التلميحات إلى جناح نافذ في السلطة بقيادة أحمد أويحيى، يعمل على انتزاع قصر المرادية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بدعم من باريس، مقابل تقديم تنازلات تنهي هيمنة الشرعية الثورية وجيل ثورة التحرير على المؤسسات ومراكز القرار في الجزائر، خلال المرحلة المقبلة. وهو ما سيتكرس في تنحيات منتظرة قريبا للأشخاص والرموز المحسوبة على تلك المرحلة، وتنتهي بانسحاب بوتفليقة، من صراع الرئيس القادم للبلاد.
مشاركة :