الخرطوم – نقلت وسائل إعلام إسرائيلية، عن مصادر، وجود مساع لبناء علاقات مع السودان، مشيرة إلى أن الوجهة العربية القادمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ستكون الخرطوم، بعد زيارته إلى سلطنة عمان الشهر الماضي. ويشهد السودان تغيرا ملحوظا في سياساته الخارجية خلال السنوات الأخيرة، وقد أبدى أكثر من مسؤول سوداني رغبة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، الأمر الذي يجعل من الدعاية الإسرائيلية بخصوص زيارة مرتقبة لنتنياهو إلى هذا البلد العربي الأفريقي لا تخلو من وجاهة، وإن كان يمكن أن تندرج في سياق جس النبض. وقالت هيئة البث الإسرائيلي نقلا عن مصادر بالقدس “أطقم إسرائيلية تعمل على بناء علاقات مع هذه الجمهورية الأفريقية”. ولفتت المصادر إلى أن نتنياهو سيقوم بزيارة قريبة -دون أن تحدد موعدها- للسودان وأن من أهدافها “تقليص مسافة الرحلات الجوية بين إسرائيل والقارة الأميركية الجنوبية. وهو الأمر الذي يستلزم استخدام المجال الجوي لكل من السودان وتشاد”. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد استقبل الأحد رئيس تشاد إدريس ديبي في زيارة هي الأولى له إلى إسرائيل، بعد قطيعة بين البلدين دامت أكثر من 46 عاما. وخلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع ديبي في تل أبيب قال نتنياهو إن بلاده تسعى لـ”الوصول إلى قلب أفريقيا”، في إشارة إلى تحسن العلاقات بين الدول الأفريقية وإسرائيل خلال السنوات الأخيرة. وانتهز رئيس الوزراء الإسرائيلي فرصة زيارة الرئيس التشادي لتجديد إعلانه عن زيارات سيقوم بها عما قريب لدول عربية أخرى دون ذكر أسماء هذه الدول، في إشارة إلى زيارته الأخيرة لسلطنة عمان. وزير الاستثمار، مبارك الفاضل المهدي، صرح عام 2017 للقناة السودانية 24 بدعمه العلني لتطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل ورحب نتنياهو بزيارة ديبي واعتبرها “إنجازا دبلوماسيا إضافيا”. وكانت تشاد قد قطعت العلاقات مع إسرائيل في عام 1972، وديبي هو أول زعيم للدولة الأفريقية ذات الأغلبية المسلمة يزور إسرائيل الأمر الذي عده محللون اختراقا نوعيا يحسب لحكومة نتنياهو التي ركزت في السنوات الأخيرة على التمدد في القارة السمراء. وأكدت صحيفة “هآرتس” على أن إسرائيل تسعى إلى ترتيب علاقتها مع العديد من الدول بينها السودان، خاصة بعد نجاحها في إعادة العلاقات العلنية مع كل من سلطنة عمان وتشاد. ولم تستبعد هآرتس أن يقوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة إلى الخرطوم، وذلك في إطار محاولاته التطبيع مع المحيط العربي والأفريقي. ولفتت الصحيفة إلى أنه على خلفية قرار الخرطوم قطع علاقتها مع طهران، حثت إسرائيل الولايات المتحدة والدول الأخرى على تحسين علاقاتها مع الدولة العربية الأفريقية ردا على ذلك. ولطالما اعتبرت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي السودان ضمن الدول المارقة بالنظر إلى السياسات التي انتهجها نظام الرئيس عمر حسن البشير على مر العقود الماضية حيث دعم الجماعات الإسلامية المتطرفة كما احتضن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في بداية التسعينات، قبل أن يضطر إلى دفعه للمغادرة تحت وطأة العقوبات الأميركية. ومثلت العلاقة الوطيدة بين السودان وإيران أحد الأسباب الوجيهة الأخرى للنفور الدولي من الخرطوم خاصة وأن طهران كانت تتخذ من هذا البلد ممرا لإرسال أسلحة إلى تنظيمات موالية لها كحركة حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة. وكلفت سياسات نظام الرئيس عمر البشير السودان الكثير، سواء لجهة تعرضه لعزلة خانقة، أو من ناحية التدهور الاقتصادي الذي بلغ مستوى خطيرا، يجد صعوبة حتى اليوم في احتوائه في ظل استمرار إدراجه ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب. واضطر نظام البشير أمام هذا الوضع إلى القيام بمراجعة لسياساته الخارجية لينتهي في عام 2015 بقراره قطع العلاقات مع إيران، وإبداء رغبة قوية في المساهمة في الحرب الدولية على الإرهاب، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، والمساعدة في حل بعض النزاعات خاصة تلك التي تدور في محيطه وعلى رأسها أزمة جنوب السودان. وتلقى المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة هذا التغيير بإيجابية، ترجمت عمليا في عام 2017 برفع واشنطن العقوبات الاقتصادية عنه، مع إبقاء سيف القائمة السوداء مسلطا عليه في ظل انعدام الثقة به. ويرى مراقبون أن التغيير كان يصب بطريقة غير مباشرة في صالح إسرائيل التي لطالما شكلت العلاقة بين طهران والخرطوم أحد التحديات الكبرى لها في المنطقة. ويشير المراقبون إلى أن مؤشرات عدة توحي بوجود قنوات اتصال غير رسمية بين السودان وإسرائيل، وإن كان من الصعب الجزم بمدى تقدم هذه الاتصالات، وهل فعلا ستترجم بإعلان التطبيع بين الجانبين؟ السودان في حاجة ماسة إلى طرف وازن قادر على إقناع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوجوب شطبه من القائمة السوداء ولوحظ في السنوات الأخيرة تحمّس لدى بعض المسؤولين السودانيين لتطبيع العلاقات مع تل أبيب، ففي 20 أغسطس 2017 صرح وزير الاستثمار، مبارك الفاضل المهدي، للقناة السودانية 24 بدعمه العلني لتطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل. وبرر المهدي ذلك بأن “الفلسطينيين أنفسهم طبعوا العلاقات مع إسرائيل، وحتى حركة حماس تتحدث مع إسرائيل”. وقبله في يناير 2016، طرح وزير الخارجية السوداني آنذاك إبراهيم غندور تطبيع العلاقات مع إسرائيل بشرط رفع الحكومة الأميركية العقوبات الاقتصادية. وأعقب الرئيس السوداني عمر البشير ذلك بقوله في مقابلة مع صحيفة عكاظ السعودية، “لو أن إسرائيل اليوم احتلت سوريا لم تكن ستدمر كما حصل الآن، ولم تكن ستقتل كما هي الأعداد المقتولة الآن”. ويرى مراقبون أن النظام السوداني معروف عنه براغماتيته الشديدة، وليس مستغربا أن يقدم على خطوة التطبيع مع إسرائيل، رغم نفي القيادي بالمؤتمر الوطني الحاكم في السودان، عبدالسخي عباس الأمر مؤكدا أن نتنياهو “لا يمكنه زيارة السودان، وأن ما نقلته الإذاعة الإسرائيلية عارٍ من الصحة”. ويلفت المراقبون إلى أن السودان في حاجة ماسة إلى طرف وازن قادر على إقناع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوجوب شطبه من القائمة السوداء. ووجود السودان ضمن القائمة السوداء هو أحد العوامل الرئيسية في نفور المستثمرين الأجانب وفي تردد البنوك الدولية في التعامل معه، ويقول خبراء اقتصاديون إن استمراره في هذه القائمة يضعف قدرته بشكل جلي على الخروج من الأزمة الاقتصادية التي يتخبط فيها رغم اتخاذه في الأشهر الأخيرة جملة من الإجراءات لاحتواء الأزمة. وكان السودان قد بدأ هذا الشهر جولة ثانية من المفاوضات مع الولايات المتحدة، التي أعلمته بشروط جديدة عليه تخطيها ضمن خطة أطلقت عليها “المسارات الخمس+1”، من أجل رفعه عن قائمة الدول الراعية للإرهاب، الأمر الذي استفز الرئيس البشير الذي رد بأن “الرهان على أميركا بلا طائل”.
مشاركة :