إذا كان حب الوطن غريزة لدى كل إنسان، فهل هناك ما يدعو إلى عقد ندوات ومحاضرات لتذكيره بأهمية حبه لوطنه والمحافظة عليه من الضعف أو التفرق والضياع؟! قد يكون هذا السؤال مشروعا في معظم الأوقات، ولكن في أوقات معينة تبرز أهمية تذكير المواطن بما يجب عليه فعله؛ لكي يبقى وطنه قويا موحدا لا تعصف به الأزمات والمحن، وهذا لا ينافي حبه الغريزي لوطنه، بل يتماهى معه في إخراج الحب من حيز الكلام النظري إلى التطبيق العملي، وأعتقد أن الأزمات الكثيرة التي تحيط ببلادنا تجعلنا نطرح مرضوعات كثيرة ونفكر بحلول عملية تجعل بلادنا في مأمن مما أصاب غيرها، فالعاقل من وعظ بغيره والشقي من وعظ بنفسه. ويبدو أن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية استشعرت أهمية هذا الأمر، فعقدت قبل بضعة أيام مؤتمرا أطلقت عليه: (الوحدة الوطنية ثوابت وقيم)، وقد افتتحه معالي وزير التعليم العالي، نيابة عن خادم الحرمين الشريفين، وقد استضافت فيه مجموعة من الباحثين عرض كل منهم رؤيته حول الوحدة الوطنية وكييفية تحقيقها، وكان من بين هؤلاء سماحة مفتي المملكة الذي أكد في كلمته على خطورة طعن بعض المواطنين بالبعض الآخر، وذكر أن معالجة الاختلافات إنما ينبغي أن تكون بالحكمة والبصيرة لكي لا تؤثر على وحدة البلاد، أما الشيخ عبدالرحمن السديس فركز على خطورة وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في إيقاد نار الفتنة ونشر التفرقة!! ومع اتفاقي جزئيا مع فضيلته إلا أن هذه الوسائل تقوم بأدوار إيجابية كثيرة، أما الأدوار السلبية فهي التي تحتاج إلى دراسة عملية لمعرفة الأسباب التي تجعل من أولئك الذين يقومون بها يغيرون فعلهم السلبي إلى آخر إيجابي يصب في مصلحة وطنهم ومواطنيهم. تحدث البعض عن الحوار وأهمية ترسيخه في كل القضايا التي يختلف فيها المواطنون، وتحدث آخر عن دور دور العلم ودور العبادة في قضايا الوحدة الوطنية، وطرحت موضوعات أخرى كثيرة، ثم انفض الجمع بعد ذلك ليبقى لنا أن نطرح سؤلا موضوعيا: وماذا بعد؟ هل سنلمس تحولا جوهريا أو حتى جزئيا في سلوك المواطنين حول القضايا التي تتعلق بوحدة وطنهم؟! شخصيا، أشك في ذلك كثيرا؛ لأن الكلام وحده لا يكفي!! دعوني ــ مثلا ــ أطرح هذا الافتراض: هل يمكن أن يجتمع فريق من السنة مع فريق من الشيعة ليتحاوروا في القضايا المختلف عليها بينهم ليصلوا إلى موقف يقوي وحدتهم الوطنية؟، وهل يمكن أن يتحاور السلفيون مع الليبرايين والعلمانيين، أو الإخوان مع الموسومين بـ(الجاميين)؟.. هذه أسئلة لا بد من طرحها والتفكير فيها بعمق. ثم لا بد من التفكير في التحاور في قضايا أخرى تشغل حيزا مهما لطوائف من أبناء هذا الوطن؛ فمثلا: هل يمكننا أن نتحاور في مسألة قيادة المرأة للسيارة، والأماكن التي يفضل أن تعمل فيها، وقضايا العنف التي تتعرض له أحيانا؟ وهناك قضايا أخرى تحتاج إلى حوار جاد يوصل إلى حلول عملية مثل: قضايا البطالة وعدم القبول في الجامعات والفساد المالي والإداري وتعيين غير الأكفاء وقضايا الرواتب، وما شابه ذلك من القضايا التي تشغل حيزا كبيرا من اهتمام المواطنين. أقول: إذا استطاعت الجامعة أو غيرها ممن له اهتمامات بقضايا الحوار وممن يكون لديه القدرة على تحويل الأقوال إلى أفعال، فإننا نكون قد وضعنا أقدامنا في بداية الطريق الصحيح الذي يوصلنا إلى وحدة وطنية حقيقية شاملة يشعر فيها كل المواطنين وعلى اختلاف توجهاتهم الفكرية أن الوطن يتسع لهم جميعا، وفي إطار الدين الواحد الذي يؤمنون به. إنني أتفق مع مدير الجامعة في دعوته الجميع ليكونوا قدوة للآخرين في المحافظة على وحدة الوطن، وأعتقد أن الجامعة ولعدة اعتبارات هي أولى من غيرها لتكون قدوة في كل ما يقود إلى الوحدة وبكل أبعادها. سنوات وسنوات، ونحن نتحدث عن الوحدة وموضوعات أخرى مشابهة، وقد أنفقنا من أجل هذه الأحاديث مبالغ طائلة دون أن نلمس تغييرا، وقد آن الأوان لنجعل الأفعال قبل الأقوال قبل أن يسبقنا الزمن دون أن نحقق شيئا. حفظ الله بلادنا من كل سوء، ووفقنا جميعا لكل خير. malharfi@hotmail.com
مشاركة :