خيَّم الصمت على عدد من قرى الليث التي وجدت نفسها بلا سابق إنذار أمام سيل عارم، لا يعرف الكبير من الصغير، والمنزل من الصندقة، والمواشي من الإنسان، والشارع من المركبات، والمزرعة من المتنزه. وتجرّع الكثير من الأهالي مرارة الصمت وهم يرون بأم أعينهم دمار الكثير من المنازل والمزارع والطرق، فأصبح من هو خارج المنزل غير قادر على العودة في ظل انعزال الطرق، ومن هو في الداخل غير قادر على الخروج بعدما طوقت المياه منزله من كل جانب، وأصبح الصوت الوحيد الذي يتردد صداه في الليث «لله المشتكى». «عكاظ» وصلت إلى أرض الليث، وسألت كل من فيها حول سبب الكارثة التي حلت بالمدينة، والانهيار الذي سبقها في القرى والمزارع والمتنزهات، فأصبح مشهد الدمار هو الرد على كل التساؤلات، ولسان حال الأهالي يردد «الصورة تغني عن القول».من السبب؟سؤال بحجم غزارة المياه التي تدفقت عصر الجمعة الماضية، فاستباحت كل ما هو أمامها، ولم يجرؤ أحد على إيقافها، كما لم يستطع أحد الإجابة عن سبب ما حدث.لكن الكل يعرف أن السيل مرّ من هناك، من موقع معروف مسبقاً أنه مجرى سيل، ومن أمام شركة تولت أمر تنفيذ سد لحماية الليث وقراها من أخطار السيل، وبالقرب من لافتة نقشت عليها عبارات خادشة للضمير، تشير إلى أن المشروع «كبير» بحجم الملايين الضخمة التي خصصت له، والتي تصل قيمتها إلى 132 مليون ريال، والتي تدلل على أن المشروع تم استلامه قبل نحو السنة تقريباً (جمادى الأولى 1439هـ) فيما لافتة أخرى تشير إلى أن عمر المشروع ليس عاماً، بل 8 سنوات، وأصبح مشروعاً متعثراً، إذ كان في حوزة شركة أخرى لم تنفذه، فنقلته وزارة المياه إلى الشركة الجديدة.لكن السيل الذي مر بجوار موقع تنفيذ السد، كان من المفترض أن يتم صده بجسر ترابي، يمنع انجرافه وقوة جريانه إلى حيث الليث، فما الذي حدث؟«عكاظ» وقفت أمام المشروع وجهاً لوجه، فلم يكن من السهل الدخول عبر البوابة الرئيسية، بل كان الأمر معقداً، في وقت كان الوصول إلى الموقع سهلاً من الجهة التي انهار فيها الحاجز الترابي، مما يفتح علامات الاستغراب حول السبب في تعقيد الدخول، بعد أن أتى السيل وكشف المستور. كان واضحاً أن الحاجز الترابي الذي شيدته الشركة لحماية أعمال تنفيذ السد تمت تغطيته بالأسمنت، ومع ذلك لم يصمد في أول اختبار له، مما يفتح أيضاً أكثر من علامة استفهام حول المواصفات الفنية والدراسات المسبقة التي اعتمد عليها المختصون في بناء هذا الحاجز، أم أنه مجرد حاجز تم تشييده دون أدنى معايير السلامة وإنهاء حواجز الخوف من السيل القادم، ليصبح الحاجز أشبه بالعقم الترابي الذي يضعه أبسط مزارع أمام مزرعته، فإذا أتى سيل محدود القوة والكمية كفاها، وإن جاءه السيل القوي عدمها.لكن الملفت للنظر في الموقع أيضاً أن النفق الذي كان من المفترض أن يشكل جدار حماية وفق ما تحدثت عنه سابقاً وزارة البيئة والمياه والزراعة، عجز هو الآخر عن تحويل المياه، في وقت كانت مكاتب الشركة المنفذة للمشروع ومعداتها وبعض التجهيزات على بوابة النفق. ورغم أن ما أشيع بعد مرور السيل من هناك، أن الأمور عادت لمجاريها، إلا أن المشهد كان واضحاً في حجم الخسائر التي تسبب فيها السيل، إذ اتضح أن متنزه «العين الحارة» الذي شيدته بلدية الليث بتكلفة أكثر من 40 مليون ريال، كموقع للنزهة وراغبي الاستشفاء بما يحتويه من مياه كبريتية، بات خراباً، بعدما جرف معه السيل مخلفاته وأبقاها في الموقع الذي تحول إلى دمار في محتوياته سواء من حيث الجلسات العائلية أو الأعمدة الكهربائية أو حتى جلسات الاستشفاء. هناك في الليث لا أحد يتحدث لا على كيف مر السيل، أو كيف تخطى الحاجز الترابي أو كيف وصل لمسافة تصل إلى 50 كيلومتراً إلى حيث مركز مدينة السيل، دون أن ينتبه له أحد، أو ربما انتبهوا لكنهم فشلوا في تبليغ الخطر لأناس لا حول لهم ولا قوة، يقبعون في منازل بالكاد تؤويهم.في الليث أناس ضعفاء همهم رزق اليوم باليوم، وفي الشوارع بات الصمت سيد الموقف، وإن كان أملهم محاسبة من تسبب في تضررهم، ولأن «عكاظ» صوت المواطن، تعلم أن في الأفق من يرد الحق لأصحابه، ويجيب عن السؤال الأهم: لماذا حدثت كارثة الليث، ومن المسؤول؟المحافظ بالنيابة لـ«عكاظ»: 430 حالة متضررة أكد محافظ الليث بالنيابة ردة الزهراني لـ«عكاظ» تسجيل ٤٣٠ حالة متضررة من السيول التي شهدتها المحافظة أخيرا.وأوضح أن لجان الإسكان والإعاشة التي تم الانتهاء من تشكيلها تجري حاليا عملية رصد الحالات، إذ يتم استقبالها في المراكز المتضررة، وتسهيل الأمر عليهم بدلا من تكبد المسافات الطويلة وصولا إلى المحافظة.وبين أنه تم توفير الكثير من الخدمات للسكان المتضررين من السيول، سواء من حيث السكن والإعاشة عبر وزارة المالية، أو الدعم من قبل بعض الجمعيات الخيرية. مياه الغربية لـ«عكاظ»: سد الليث ليس مسؤوليتنا أخلت مديرية المياه في منطقة مكة المكرمة مسؤوليتها عن مشروع سد وادي الليث، الذي شهد تأخيرا في التنفيذ سنوات عدة.وقال مدير خدمات المياه في محافظات منطقة مكة المكرمة المهندس عصام الثبيتي لـ«عكاظ» إن الإدارة تقتصر خدماتها على تشغيل السدود بعد تنفيذها وتسليمها فقط، مستشهدا بسد وادي فاطمة بمنطقة مكة المكرمة الذي تشرف عليه المديرية.وأضاف: «الوزارة مسؤولة عن مشاريع السدود في المناطق التي لم يتم الانتهاء منها».
مشاركة :