لطالما كان امتلاك حقيبة يد من العلامة التجارية لوي فيتون، أو قيادة سيارة لامبورغيني أو بوغاتي تقدر بالملايين من الدولارات، أو ارتداء ساعة رولكس لامعة علامة على الوضع الاجتماعي، ودلالة على أن الشخص الذي يرتدي هذه العلامة أو يقود تلك السيارة هو من طبقة شديدة الثراء، لكن، اليوم لم تعد هذه الماركات دليلا يساعد على تقييم الطبقة الاجتماعية للشخص، بل بالعكس قد تكون علامة على أنه من الطبقة المتوسطة لا من الطبقة فاحشة الثراء التي أصبحت أكثر “زهدا”. واشنطن - لم تعد المجوهرات والألماس وسيارتا لامبورغيني وبوغاتي وساعة رولكس، تعني كثيرا لأثرياء العالم، لا لأن هناك علامات تجارية أقوى بل لأن التباهي بالثروة ومظاهر الرفاه لم يعد يعنيهم كثيرا، كما أن فلسفتهم في الحياة أصبحت أكثر ميلا نحو استثمار الأموال في التعليم والصحة والأبوة والأمومة والتقاعد، وليس في شراء السلع المادية. تؤمن هذه الثقافة الصاعدة في أوساط الأثرياء بأنه على أفرادها الإنفاق على التعليم وشراء المنتجات العضوية وإرضاع أطفالهم رضاعة طبيعية. وترصد الكاتبة الأميركية هيلاري هوفير، في تقرير نشره موقع بيزنس إنسايدر، تصاعد هذه الظاهرة في أوساط الطبقة شديدة الثراء التي أصحت متحفظة، مشيرة إلى أن أفراد هذه النخبة باتوا ينفقون الآن أكثر من أي وقت مضى على الأمن والخصوصية، ويشترون المنازل الواقعة على قمم التلال ويهتمون أكثر بصحتهم، والاستثمار في بناء المستقبل. وفي الوقت الحالي حيث يعني الاستهلاك الشامل أن أفراد الطبقة الثرية والطبقة المتوسطة يمكن أن يمتلكوا نفس العلامة التجارية الفاخرة، فإن الأغنياء بدأوا يتخلون عن امتلاك السلع المادية للاستثمار في الوسائل غير المادية كدليل على وضعهم الاجتماعي الراقي. كريد هالكيت: الاستثمار في التعليم والصحة يساعد الأثرياء على دفع العجلة الاجتماعية والوصول إلى ما لا تستطيع الطبقة المتوسطة القيام بهكريد هالكيت: الاستثمار في التعليم والصحة يساعد الأثرياء على دفع العجلة الاجتماعية والوصول إلى ما لا تستطيع الطبقة المتوسطة القيام به وهذا ما تسميه عالمة الاجتماع إليزابيث كوريد-هالكيت “الاستهلاك غير الواضح” في كتابها «مجموع الأشياء الصغيرة: نظرية الطبقة الطموحة»؛ هذا المفهوم هو تماما عكس “الاستهلاك الواضح”، وهو المصطلح الذي رآه ثورستاين فيبلين في كتابه “نظرية الطبقة المرفّهة”، في إشارة إلى مفهوم استخدام السلع المادية للدلالة على الوضع الاجتماعي، وهي السمة المميزة لنفقات النخبة السابقة. وفي الأساس، لم يعد التباهي بالثروة هو الوسيلة التي تدل على وجود أثرياء في أي مجتمع. ففي الولايات المتحدة على وجه الخصوص، كانت نسبة 1 بالمئة من الطبقة الغنية بدأت تنفق أقل على السلع المادية منذ عام 2007، حسبما كتبت كوريد-هالكيت نقلا عن بيانات نفقات المستهلك الأميركي. وتشير هيلاري هوفير إلى أن هذا التوجه لم يعد متناميا بين أصحاب الملايين والمليارات فحسب، بل أيضا بين أوساط “الطبقة الطموحة”. وتقول كوريد-هالكيت “إن هذه النخبة الجديدة تعزز مكانتها من خلال اكتساب المعرفة وبناء الرأسمال الثقافي، ناهيك عن عادات الإنفاق التي تتغير بالطبع. إنها تتجنب شراء السلع المادية، فالأغنياء الآن يستثمرون بشكل أكبر في التعليم وأموال التقاعد والصحة، وكلها مصاريف غير معلنة بشكل صريح، لكنها تكلف أكثر من أي حقيبة يد قد يشتريها المستهلك متوسط الدخل”. يستخدم أفراد هذه الطبقة قوتهم الشرائية لتوظيف المربيات ومدبرات المنازل، وممارسة اليوغا والبيلاتس. وتشير كوريد-هلكيت إلى أن أسلوب الحياة الجديد هذا يعزز من ثرائهم ويزيد من الفجوة المتسعة بينهم وبين أفراد الطبقات الأخرى. ومن خلال المقابلات التي تم عملها والأبحاث التي أنجزت، يوضح الكتاب كيف يؤدي رأس المال الثقافي إلى تغيير في نمط الحياة ويفحص ما ستعنيه هذه التغييرات للجميع. الاستثمار في التعليم غيتس لم يسمح لأطفاله بامتلاك هاتف محمول حتى بلوغهم 14 عاما من العمرغيتس لم يسمح لأطفاله بامتلاك هاتف محمول حتى بلوغهم 14 عاما من العمر على الأغلب، هذا الاستهلاك “غير الواضح” لا يلاحظه أفراد الطبقة المتوسطة، ولكن اهتمام الطبقة الثرية به هو ما يجعل الأمر متحفظا وسريا للغاية. ووصفت كريد-هالكيت هذه الحالة بأنها الطريقة التي يعبر بها الأثرياء عن وضعهم الاجتماعي والثقافي. وقالت أيضا إن هذه الحالة تثبت مدى ثرائهم أكثر مما تستطيع أي سلعة مادية أخرى أن تثبته. في السابق كان التباهي بالمعرفة والثقافة دليلا على وجود رأس مال ثقافي كبير ويعطي الشخص نفوذا لتسلق السلم الاجتماعي وإقامة العلاقات. لكن، اليوم، ترى كريد-هالكيت أن “الاستهلاك غير الواضح هو الذي بات يدفع بالعجلة الاجتماعية إلى الأمام”. ووصف الصحافي جي سي بان كيف يحاول الآباء ترسيخ الوضع الاجتماعي لأبنائهم بقوله “إنهم يشترون لأطفالهم باقات الرعاية الصحية، ويأخذونهم في رحلات تثقيفية إلى جزر جزر غالاباغوس، والأهم من ذلك، أنهم يعملون على إثراء رصيدهم التعليمي، حيث أثبتت التقارير أن نسبة 1 بالمئة الأغنى من بين الأميركيين قد أنفقوا أعلى بنسبة 860 بالمئة عن المعدل الوطني للتعليم”. النخبة الثرية أصبحت تنفق القليل نسبيا على منتجات التجميل، بينما تنفق الكثير على التمارين الرياضية، لأنها تعتقد أن الأجسام (مثل الغذاء) يجب أن تظل في حالة صحية جيدةالنخبة الثرية أصبحت تنفق القليل نسبيا على منتجات التجميل، بينما تنفق الكثير على التمارين الرياضية، لأنها تعتقد أن الأجسام (مثل الغذاء) يجب أن تظل في حالة صحية جيدة وبمجرد النظر إلى العائلات الثرية التي تنفق الملايين للعيش على مسافة قريبة من أفضل المدارس الابتدائية والثانوية الحكومية في البلاد، أو أولئك الذين يدفعون ما يصل إلى 60 ألف دولار لأخذ جولة بطائرتهم الخاصة، يتضح بيسر أنهم يصنعون مثل هذا الاستثمار في التعليم على أمل إعداد أولادهم من أجل مستقبل ناجح. وكثيرا ما يستثمر الوالدان في معرفتهما وثقافتهما الشخصية من خلال العمل طوال الوقت، وهو طريقة حديثة أخرى للإشارة إلى الوضع الاجتماعي، وفق شانا ليبويتز، من مجلة بيزنيس إنسايدر، وكما قالت كريد-هالكيت “بالنسبة للطبقة الطموحة اليوم، فإن خيارات الاستهلاك غير الواضحة تؤمن الوضع الاجتماعي وتحافظ عليه”. وكان بيل غيتس، من بين أحد أغنى أغنياء العالم الذين فاجأوا الناس حين تحدث عن أسلوب عيشه وكيف يتعامل مع أبنائه وأين ينفق أمواله. تصدر بيل غيتس، مؤسس مايكروسوفت، لأربع سنوات متتالية قائمة مجلة فوربس لأغنى المليارديرات في العالم بثروة تقدر بـ87 مليار دولار. وفي حديث عن حياته الخاصة، قال غيتس إنه لم يسمح لأطفاله بامتلاك هاتف محمول حتى بلوغهم 14 عاما من العمر، وليس هذا فقط، بل إنه يحدد مقدار الوقت الذي يمكن استخدام الهواتف فيه قبل الذهاب إلى السرير، لمساعدتهم على الخلود للنوم، كما أنه يحظر الهواتف الذكية أثناء تناول الطعام. وقال مؤسس مايكروسوفت إنه يريد إعطاء أطفاله تنشئة طبيعية قدر المستطاع. وذكرت صحيفة ميرور أن أغنى رجل في العالم، والبالغ من العمر 61 عاما، كان يرتدي ساعة كاسيو بقيمة 10 دولارات أثناء مقابلة صحافية معه، بالإضافة إلى ملابسه المتواضعة. واختارت جينيفر غيتس، ابنة مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس، وإيف جوبز، ابنة الراحل ستيف جوبز، المؤسس المشارك لشركة آبل، أن تستفيدا من ثرواتهما من أجل الدراسة (ذهبت كلاهما إلى جامعة ستانفورد في كاليفورنيا) والتنافس في رياضة الفروسية، فيما أخذت هولي برانسون، ابنة رجل الأعمال البريطاني ريتشارد برانسون، نفس مسار والدها وتحب أن تنفق أموالها على التجارب والمغامرات بدلا من الأشياء المادية. الصحة تدل على الوضع الاجتماعي ذكرت مجلة فوغ في عام 2015 أن الصحة أصبحت رمزا للوضع الاجتماعي المرفه، وهو أمر منطقي. وفي تحليل صدر في العام الماضي، كتب سيمون كوبر، في فاينانشيال تايمز، قائلا إن “النخبة الثقافية تنفق القليل نسبيا على منتجات التجميل، بينما تنفق الكثير على التمرينات الرياضية، لأنها تعتقد أن الأجسام (مثل الغذاء) يجب أن تظل في حالة صحية جيدة. فالجسم الرفيع الصحي يعبر عن وضع هذه الطبقة الاجتماعي”. ويدفع بعض سكان نيويورك من الأثرياء ما يصل إلى 900 دولار في الشهر للحصول على عضوية في بيرفورميكس هاوس في مانهاتن، وهي صالة ألعاب رياضية متميزة لها إجراءات اشتراك صارمة، ومدخل خاص، واستوديو لتقديم محتوى أشهر المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي.
مشاركة :