تونس – لم يكن استغراب حركة النهضة الإسلامية من الاتهامات الموجهة لها في أعقاب الكشف عن تخطيط “جهازها السري” لاغتيال الرئيس الباجي قائد السبسي، والرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند في العام 2013، مُنفصلا عن حالة القلق والحرج التي وجدت نفسها فيها، ولا هو خارج عن سياق التطورات العاصفة التي بدأت تُحيط بها. واعتبر رضا بالحاج المُنسق العام لحركة نداء تونس، أن ذلك “الاستغراب” المُغلف بنوع من التحذير المُبطن، يعكس اتساع دائرة الورطة السياسية التي دخلتها هذه الحركة الإسلامية التي عجزت عن التخفيف من حدة الاتهامات الموجهة لها والمدعومة بالوثائق والأدلة الواضحة. وقال لـ”العرب”، إن بيان حركة النهضة الذي أعربت فيه عن استغرابها، يمثل رسالة هامة في السياسة، وهي أكثر بلاغة في الدلالة على حالة الارتباك والتخبط التي تفاقمت على وقع أخطاء رئيسها راشد الغنوشي التي تزايدت باتجاه الانحراف بالمسار السياسي إلى مسار أمني عبر تصريحات استفزازية. ومن جهته، اعتبر المحامي عماد بن حليمة، في تصريح لـ”العرب”، أن بيان حركة النهضة يعكس “ارتباكا وخوفا واضحين، ذلك أن البيانات التي تصدر في ساعة متأخرة من الليل تكشف حالة القلق والأرق التي يمرّ بها قادة هذه الحركة” التي وصفها بـ”الإخوانية”. وحذرت حركة النهضة في بيان حمل توقيع رئيسها راشد الغنوشي، وزعته الثلاثاء، مما اعتبرته “إقحاما لمؤسسة الرئاسة التونسية في التجاذبات بأساليب مُلتوية بنية ضرب استقلالية القضاء، وإقحامه في التجاذبات السياسية من قبل المُتاجرين بدم الشهيدين شكري بالعيد ومحمد البراهمي”. رضا بالحاج: بيان النهضة يعكس حالة الارتباك التي تفاقمت على وقع أخطاء رئيسهارضا بالحاج: بيان النهضة يعكس حالة الارتباك التي تفاقمت على وقع أخطاء رئيسها وجاء هذا التحذير، ردا عن “نقل الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية تهجُمات باطلة وتهما زائفة ضد الحركة، وذلك إثر استقبال الرئيس الباجي قائد السبسي وفدا عن هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بالعيد ومحمد البراهمي بدعوى إطلاعه على آخر المُستجدات”. واستقبل الرئيس قائد السبسي، الاثنين، وفدا عن هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بالعيد، ومحمد البراهمي، برئاسة المحامي رضا الرداوي الذي كشف عن “مشروع مُخطط إرهابي كان سيستهدف في العام 2013 اغتيال الرئيس قائد السبسي، والرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند”. وقال في تصريحات أدلى بها في أعقاب هذا الاجتماع، إن الوفد “أطلع الرئيس قائد السبسي على معطيات جديدة تُفيد بأن أحد أعوان الأمن الذين قاموا بحجز تجهيزات ‘الجهاز السري لحركة النهضة’ أكد في شهادة رسمية أمام القضاء حجز مُخطط للجهاز السري المذكور رُسم سنة 2013 لاغتيال الباجي قائد السبسي عندما كان رئيسا لحركة النداء، واغتيال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولند خلال زيارته إلى تونس”. وأشار إلى أن الكشف عن مشروع مُخطط الاغتيال جاء في آخر محضر سماع لإفادة أحد الشهود في ملف “الجهاز السري لحركة النهضة” تم الاستماع إليه في 21 نوفمبر الجاري. وأكد في تصريحاته، أن عبدالعزيز الدغسني، صهر رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي (زوج سميرة الغنوشي ابنة أخ الغنوشي) هو المسؤول عن “الجهاز السري” لحركة النهضة، حيث “تم إخفاء هوية صهر الغنوشي، وعدم استنطاقه، وحمايته عبر التضحية بمصطفى خذر”. وأعربت حركة النهضة الإسلامية في بيانها عن “استغرابها من نشر الصفحة الرسمية للرئاسة، اتهامات صادرة عن أطراف سياسية بنية الإساءة لطرف سياسي آخر عبر توجيه اتهامات كاذبة ومُختلقة والتهجم على قيادات سياسية وطنية من قصر قرطاج في سابقة خطيرة تتعارض مع حيادية المرفق الرسمي ودور الرئاسة الدستوري الذي يمثل رمز الوحدة الوطنية وهيبة الدولة”. ويرى مراقبون أن المفردات المُتشنجة التي تضمنها هذا البيان بما جاء فيه من استغراب، وتحذير مُبطن للرئاسة التونسية، لا ينم عن تغيير في منحى سياسة حركة النهضة تُجاه هذا الملف فقط، وإنما يعكس إقرارا بأن تداعيات وانعكاسات الكشف عن جهازها السري، قد فاقت قدرتها على احتوائها، فضلا عن تحمل ارتداداتها. ويذهب البعض منهم إلى حد القول إن هذا البيان يؤشر بوضوح إلى أن هذه الحركة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين اقتربت كثيرا من الدخول في مرحلة هي الأكثر مدعاة للقلق لها، تُنذر مخاضاتها الداكنة بمناخ تصعيدي أفقدها جزءا من سطوتها، في أولى الدلائل على تآكل أوراقها وانكشاف أدوات التضليل التي برعت سابقا في اللعب بها. وتستند هذه القراءة التي بدأت تفرض وقعها على المواقف السياسية، إلى جملة من التطورات التي تتالت في أعقاب الكشف عن “مُخطط الاغتيالات”، وقبلها شبهة “تورط حركة النهضة في الانقلاب” الذي تحدث عنه سليم الرياحي، الأمين العام لحركة نداء تونس. وأكد المحامي عماد بن حليمة لـ”العرب” أن عددا من مسؤولي منظمات وجمعيات المجتمع يعتزمون التقدم بمذكرة إلى رئاسة الحكومة يُطالبونها فيها باتخاذ الإجراءات اللازمة لحل حركة النهضة لمخالفتها قانون الأحزاب بسبب “امتلاكها جهازا سريا متورطا في الاغتيالات، وتسفير أبناء الوطن إلى بؤرة التوتر”. وتنظر الأوساط السياسية إلى هذه التطورات المُتسارعة، وكأنها خيوط لدائرة تضييق الخناق على حركة النهضة بدأت تتشابك حتى أصبحت ضاغطة إلى الحد الذي لم يعد بمقدور هذه الحركة التملص من تداعياتها، عبر المناورات والأساليب المُلتوية التي اعتادت عليها.
مشاركة :