أعاد تأجيل مباراة الإياب للدور النهائي لمسابقة كوبا ليبرتادوريس بين الغريمين ريفر بلايت وبوكا جونيورز، تسليط الضوء على الشغب الذي يرافق كرة القدم الأرجنتينية، وقبول المجتمع به على اعتبار أنه جزء من ثقافة مشجعي اللعبة الشعبية في البلاد. وأقر الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري بوجود "إخفاق أمني" السبت، عندما تعرضت حافلة فريق بوكا جونيورز لهجوم من مشجعي ريفر بلايت الذين قذفوها بالعصي والحجارة وحتى رذاذ الفلفل. وتحطمت نوافذ الحافلة وأصيب اللاعبون بجروح وعانوا صعوبة في التنفس جراء رذاذ الفلفل، إضافة الى استخدام الشرطة للغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين. وتأجلت المباراة بداية الى وقت لاحق في مساء اليوم نفسه، ولاحقاً إلى اليوم التالي، قبل أن تؤجل حتى إشعار آخر. أصر الناديان على تحميل مسؤولية أعمال الشغب لـ "10 أو 15 شخصاً من غير المسؤولين"، لكن بالنسبة الى عالم الاجتماع دييغو مورزي، فإن المشجعين المشاغبين (المعروفين بـ "هوليغانز" بالإنكليزية، وفي الأرجنتين بـ "بارا برافاس")، متجذرون في أنشطة كرة القدم في البلاد. ويقول الباحث في جامعة سان مارتن "في الأرجنتين ثقافة لكرة القدم تشرّع العنف، وليس فقط من قبل المشاغبين، بل من كل المشاركين فيها". وتحدث العديد من مسؤولي كرة القدم في الأرجنتين عن "عار" أصاب كرة القدم المحلية على خلفية أحداث نهاية الأسبوع وتصرفات المشجعين على هامش أول نهائي للمسابقة القارية يجمع فريقين من البلاد، إضافة الى انتقاد فشل الشرطة في توفير الحماية الكاملة لحافلة بوكا، وهي في طريقها إلى ملعب ريفر "مونيومنتال" قبيل موعد المباراة السبت. وتفخر الأرجنتين بمشجعي كرة القدم المتحمسين الذين تغص بهم مدرجات الملاعب، في حين يعتبر "السوبر كلاسيكو" بين بوكا وريفر بلايت، من أبرز "دربيات" اللعبة عالمياً.. إلا أن الأمر وصل الى مرحلة يتم فيها الاحتفاء حتى بالسلوك الذي يعتبر غير مقبول في المجتمع، مثل هتافات الكراهية بحق الأجانب، والشتائم، وصولاً إلى تهديد الخصوم بالقتل. ويرى خبراء أن العنف يغذيه اعتقاد بأن كرة القدم ليست لعبة نظيفة يتحقق فيها الفوز بطرق مشروعة. ويوضح مورزي لوكالة فرانس برس "إذا شعر المشجعون بأن المباريات تحسم نتائجها من خلال صفقات بين رؤساء النوادي أكثر منها في أرض الملعب، فهذا الشعور بالظلم يوفر أرضاً خصبة لعنف المشاغبين". خارج الملعب، يدير مثيرو الشغب إمبراطوريات المافيا حول كرة القدم "بالتواطؤ مع الشرطة، والأندية والسلطات السياسية"، بحسب مونيكا نيزاردو، مؤسسة جمعية "سالفيموس ال فوتبول" الخيرية ("لننقذ كرة القدم"). وبحسب أرقام الجمعية، قتل 305 أشخاص في الأرجنتين جراء أعمال شغب مرتبطة بكرة القدم خلال الأعوام الخمسين الماضية. بسبب ذلك، منعت سلطات كرة القدم المحلية مشجعي الفرق من مواكبتها في المباريات خارج أرضها اعتبارا من 2013، دون أن يؤدي ذلك الى تراجع ملحوظ في العنف. ففي 2018 وحدها، قتل أربعة أشخاص، ليرتفع عدد ضحايا أعمال العنف الكروية في الـ20 عاما الأخيرة، إلى 137. ولدت ثقافة الشغب في الملاعب الأرجنتينية، انطلاقاً من اعتبار أن "القتال" ضد مشجعي المنافسين هو تعبير عن الشغف تجاه الفريق. ويعود مصطلح "بارا (مجموعات) برافاس (العنف)" إلى فترة الأربعينات من القرن الماضي، ولجأت إليه الصحافة لوصف المشجعين المشاغبين. لكن هؤلاء الذين كانوا عبارة عن أفراد يهيمون على أوجههم في الشوارع، تحولوا مع مرور الوقت إلى مجموعات من الجريمة المنظمة، يقومون بتبييض ملايين الدولارات. ويوضح مورزي "في الثمانينيات بدأوا الارتباط بالجريمة، وفي التسعينات باتوا (...) يستخدمون معرفتهم بالعنف المرتبط بكرة القدم لمصلحتهم". ومن ثم، وبالتواطؤ مع الأندية أولاً ثم الشرطة، سيطروا على إعادة بيع التذاكر في السوق السوداء ولاحقاً مواقف السيارات حول الملاعب، إضافة إلى توفير شاحنات الطعام وغيرها من الخدمات التي توفر الأرباح. كما استمروا في توسيع آفاقهم إلى "أنشطة خارج عالم كرة القدم، مثل المشاركة في نشاطات سياسية ونقابية وجنائية"، بحسب مورزي. ويرى مورزي أن "نهج السلطات هو نفسه دائماً: الاعتقاد بأن المشكلة تعود إلى مجموعة من المتوحشين، ولكن هذا هو منظور تبسيطي يؤدي إلى حلول خاطئة". استهدفت السلطات عدة مرات قيادة الـ "بارا برافاس"، وسجنت أسماء بارزة مثل الراحل خوسيه باريتا المكنى "العراب"، والذي كان يتزعم مجموعة "ذا دازن" ("الدزينة") من حي بوكا في بوينوس آيرس، أو ألان شلينكر زعيم مجموعة مشجعي ريفر بلايت، والذي يقضي حالياً حكماً بالسجن المؤبد مدى الحياة. إلا أن ذلك، لم يمنع شبكات الشغب من الاستمرار مع قادة جدد. وبحسب نيزاردو "المشكلة أن أحداً لا يريد وضع حد للأعمال الإجرامية في كرة القدم، على الأقل رؤساء الأندية الكبرى". من جهته، يقر مورزي بعدم وجود حل سحري "لكن التحقيق في التواطؤ بين المشاغبين والشرطة سيكون نقطة انطلاق جيدة (...) إنهم يعملون معاً.. فالشرطة تساهم أكثر في تفاقم المشكلة بدلاً من تقديم الحلول". وتدفع الأندية للشرطة لتوفير الأمن في المباريات وهذا مصدر مهم للإيرادات يدفع رواتب عناصرها. ويوضح مورزي "جميع رجال الشرطة يعرفون المشاغبين"، مشدداً على أن المسؤولية لا تقع على عاتقها فقط، بل تتحملها أيضاً الصحافة ورجال السياسة. ويضيف "إذا قالت الصحافة إن هذا النهائي هو يا قاتل يا مقتول، والرئيس (ماكري) يقول إن على الخاسرين مغادرة البلاد تفادياً للإحراج، سيشعر المشجعون بأن عليهم الحفاظ على سمعتهم". يتابع "عدم حدوث شيء كان ليشكل مفاجأة.. الأرجنتين بعيدة كل البعد عن أن تكون دولة يحترم فيها الخصم، ليس فقط على المستوى الرياضي، ولكن أيضا على الصعيد السياسي".
مشاركة :