يتحلى الأشخاص الذين يعيشون حول العالم بعقلية تمكنهم من مواجهة التحديات الصعبة، ما الذي يشعرني براحة كبيرة؟ هل الجلوس مع هذه المجموعة من الأشخاص ممن عاشوا وعملوا في مختلف أنحاء العالم؟ هل السبب طريقة تفكيرنا المختلفة التي تعطيني شعورا بأنني جزء من تلك المجموعة؟ طرح جاك رائد الأعمال الأمريكي في هونج كونج علي ذلك السؤال، بينما كنا نحتسي القهوة ونناقش فكرة الحياة حول العالم. أشخاص مثل جاك ممن عملوا وعاشوا في مختلف أنحاء العالم، هم جزء من مجموعة متنامية من الأشخاص أطلق عليها "مواطنون عالميون". وبغض النظر عن الرفض الذي يقابل فكرة "المواطنة العالمية"، إلا أن أعداد الأشخاص الذين يؤمنون بها في تزايد. وغالبا ما يكونون "لسوء الحظ" فكرا لتنفيذيين ليس لديهم انتماء لأي مكان. ولكني توصلت خلال بحثي المطول مع تلك المجموعة، إلى أنهم ليسوا مجموعة أشخاص تنظر إلى الحياة بعين عدم المبالاة؛ حيث ينحدر معظمهم من خلفية مهاجرة، ونشأوا في عدة دول، ويتكلمون عدة لغات، وتعين عليهم العمل بكد ليصلوا إلى ما هم عليه. كما يأتي بعضهم من عائلات ثنائية الثقافة، وولدوا في عالم العولمة والتغيير. كل منهم لديه قصة مختلفة، لكنهم يتشاركون عقلية ساعدتهم على إدارة التعقيدات التي واجهوها. يدور كتابي الأخير "عقلية المواطنة العالمية" حول العقلية التي طورها مواطنو العالم خلال رحلتهم. ويؤكد السؤال الذي طرحه جاك، أن تلك العقلية لا تزال مفهوما بعيد المنال حتى بالنسبة لمواطني العالم أنفسهم. ولكن من الضروري فهم أهميتها بالنسبة لكل من مواطني العالم وأولئك الذين يعملون معهم، كون تلك العقلية ضرورية للبقاء والاستمرارية في العالم المعقد الذي نعيشه. المواطنون العالميون بارعون في التعلم من دروس الحياة، على الرغم من عدم إدراكهم لها بأنفسهم أحيانا. تعطينا المهارات التي يتمتعون بها دروسا قيمة تساعدنا على توسيع آفاقنا وإمكاناتنا. بالاستناد إلى عقود من الأبحاث والمقابلات التي أجريت مع مئات الأشخاص الرحالة، تتألف عقلية المواطنة العالمية من ثلاثة أجزاء: عقلية متنامية، عقلية عالمية، وعقلية إبداعية. بحسب المواطنين العالميين، فإن مواقفهم، مثل اعتبار الحياة فرصة للتعلم والنمو، تساعدهم إلى حد كبير في الظروف الجديدة التي ترغمهم على التعامل مع الاختلافات بما تنطوي عليه من تعقيدات. من جهة أخرى، امتلاك عقلية متحجرة، أي تتبع قواعد صارمة عن الصواب والخطأ أو السيئ والجيد، قد يمنح الشعور بالأمان، إلا أنه قد يحد من القدرة على النمو والتطور. تساعد العقلية المتنامية مواطني العالم على الحفاظ على مرونتهم والانفتاح على التغيير. وهو الأساس الذي يمكنهم من إيجاد حلول إبداعية لتعقيدات الحياة والعمل. امتلاك اتجاهات للتعلم يعد نقطة الانطلاق لدورة فاعلة: فبذور الإبداع التي زرعوها تحفزهم بدورها على مواصلة عملية التعلم. تنطلق العقلية العالمية من الإيمان بأن التوجهات المحلية والعالمية أمر ضروري لفهم العالم. ففهم عديد من الأشخاص للحياة والعمل، بما في ذلك مواقفهم من بناء شبكة علاقات وإيجاد حلول، نابع من جذور محلية. وفي حين يفهم الأشخاص العالميون التوجهات المحلية ويعتمدون عليها غالبا، إلا أن تفكيرهم منفتح على العالم. لنأخذ "ميرا" على سبيل المثال، نشأت ميرا بين المملكة المتحدة والهند. وعايشت ثقافة والديها في الوقت ذاته، ما جعلها عرضة للاختلافات الثقافية لكلا البلدين، لكنها أرست جذورا في كلا البلدين. بصفتها رائدة أعمال اليوم، تقول ميرا إنها لن تنأى عن أي فكرة قد تترتب عليها تأثيرات عالمية. في الوقت الذي لا يصف فيه الأشخاص العالميون أنفسهم كأشخاص مبدعين، نجدهم يبادرون إلى سرد قصص عن التكيف مع التغييرات في المكان والعمل والعلاقات، ويبدو أنهم مهيأون للنجاح في ظروف جديدة. تتسم العقلية المبدعة بالفضول والقدرة على إيقاف الأحكام، وتحمل الغموض، والاعتقاد بقدرة المرء على إيجاد حلول إبداعية. فالحياة حول العالم بمنزلة أرض خصبة لتطوير العقلية الإبداعية. فهي تجعل المواطنين العالميين أكثر عمقا وتتيح طرقا جديدة للعمل. إعداد الباحثين والقادة ممن يرون العقلية العالمية ضرورة لقيادة ناجعة في تزايد. فالأشخاص الذين يمتلكون تلك العقلية لا يرجحون تبسيط الحقائق عن عالم الأعمال. ولا يترددون في تقبل ومعالجة التعقيد والغموض الذي تنطوي عليه الأمور. فقيادة التغيير في ظل الظروف الحالية تتطلب حلولا جديدة للتحديات العالمية. بإمكاننا جميعا التعلم من خبرات المواطنين العالميين عن واقعنا المتغير.
مشاركة :