تسجل ذاكرة فلسطين، أول خطوة أممية «رسمية» على طريق التآمر لتدشين نكبة اغتصاب تاريخ وجغرافية وطن، (قرار تقسيم فلسطين رقم 181 الصادر في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947، وكان طريق التآمر شهد وقائع وأحداث ومحاولات تمهد لأخطر قرار صدر في سابقة أممية تمنح عصابات مستوطنين من المهاجرين اليهود غالبية أراضي فلسطين (55 %)!!يمكن القول إن نكبة فلسطين، قد بدأت رسميا وبشكل عملي مع إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947، القراررقم 181 والخاص بتقسيم فلسطين.. وصوتت لصالح قرار التقسيم، 33 دولة في الأمم المتحدة، فيما اعترضت 13، وامتنعت عن التصويت 11، وكان مجمل عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حينها 57 دولة فقط.. القرار نص على تقسيم فلسطين إلى 3 مناطق:تقام في إحداها دولة عربية فلسطينية على 45% من فلسطين ـ مساحتها نحو 11 ألف كيلو متر مربع ـ وتضم الجليل الغربي وعكا والضفة الغربية ومنطقة ساحلية تمتد من شمال مدينة أسدود حتى رفح جنوبا، إضافة إلى قسم من صحراوي على طول الحدود مع مصر.الدولة الأخرى خصصت لليهود على 55 % من فلسطين ـ ومساحتها 15 ألف كيلو متر مربع ـ وشملت بحسب خطة التقسيم، السهل الساحلي من حيفا إلى جنوب تل أبيب، والجليل الشرقي بما في ذلك بحيرة طبريا والنقب وإيلات. وقضت خطة التقسيم الدولية بوضع القدس وبيت لحم وما جاورها من أراض تحت الوصاية الدولية. قرار تقسيم فلسطين بين أصحاب الأرض الشرعيين تاريخيا وجغرافيا، وبين المستوطنين من المهاجرين اليهود، ظهرت إرهاصاته الأولى عام 1937، عقب الثورة الفلسطينية الكبرى في العام 1936، من خلال صدور تقرير لجنة «اللورد بيل» البريطانية، والذي تضمن أول مقترح لتقسم فلسطين..وفي العام 1938 صدر تقرير لجنة «وود هيد»، البريطانية حاملا مشروعا مماثلا.. وفي الأسبوع الأخير من شهريناير / كانون الثاني 1944 كان قرار الكونغرس الأمريكي كاشفا عن تأثير الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية، وصدر القرار (بعد مناقشة مشروع القرارين رقمي 418 و419 في مجلسي الشيوخ ومجلس النواب) وينص على : «الطلب إلى حكومة الولايات المتحدة بأن تبذل كل مساعيها الحميدة، وأن تقوم بكافة الخطوات الضرورية لفتح أبواب هجرة اليهود إلى فلسطين، وأن يكون لهم الحق في إستعمار هذه البلاد، وإنشاء دولة يهودية حرة ديمقراطية فيها » !! التصويت على القرار181 بتقسيم فلسطينوافقت على القرار 33 دولة هي الآتية: (استراليا وبلجيكا وبوليفيا وبيلوروسيا وكندا وكوستاريكا وتشيكوسلوفاكيا والدانمارك وجمهورية الدومينيكان وايكوادور وفرنسا وغواتيمالا وهاييتي وايسلندا ولبيبريا ولوكسمبرغ وهولندا ونيوزليندا ونيكاراغوا والنرويج وبنما وباراغواي وبيرو والفلبين وبولندا والسويد وأوكرانيا وجنوب أفريقيا والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية وأوروغواي وفنزويلا).وصوت ضد القرار 13 دولة هي: (أفغانستان وكوبا ومصر واليونان والهند وإيران والعراق ولبنان وباكستان والمملكة العربية السعودية وسورية وتركيا واليمن).وامتنعت عن التصويت 10 دول هي: (الأرجنتين وتشيلي والصين وكولومبيا والسلفادور والحبشة وهندوراس والمكسيك والمملكة المتحدة ويوغسلافيا). وحين أعلنت النتيجة هب مندوبو العرب لدى المنظمة الدولية يعلنون بطلان القرار لمخالفته ميثاق الأمم المتحدة، وانسحبوا من الاجتماع ليعلنوا في بيان جماعي رفضهم القرار واستنكارهم إياه وتنديدهم بالضغط والتهديد اللذين بذلاه كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، للموافقة على القرار..وقال ممثل باكستان في القاعة يخاطب المتآمرين على تقسيم فلسطين :«..لا تنسوا أنكم بحاجة إلى حلفاء وأصدقاء الشرق الأوسط وأنكم تقامرون برأس مالكم في تلك البلاد، ما هي غايتكم من إنشاء الدولة اليهودية؟ إذا كان الدافع إنسانياً، فلماذا تقفلون حدودكم أمام اليهود الذين لا ملجأ لهم؟ لماذا تريدون أن تسكنوهم في فلسطين وتساعدوهم على إقامة دولة لهم ليشردوا مليون عربي….» وندد بشدة بقرار الأمم المتحدة التي تهب ما لا تملك لأقلية دخيلة، مخالفة بذلك ميثاقها ومبادئ العدل والحق. القرار قوبل برفض عربي رسمي وشعبي، واعتبر باطلا ومجحفا، وسارت تظاهرات منددة به في شوارع القاهرة، وتسارعت الاستعدادات لتشكيل جيش الإنقاذ، وخيم خيار الحرب والرفض المطلق على سماء المنطقة. كانت خطوط التقسيم ـ حسب تعليمات أبرزمؤسسي الكيان الصهيوني «دافيد بن غوريون» إلى قواد الهاجاناه (جيش الاحتلال ) ـ هي البداية وليست النهاية !! وفي تلك الأيام ــ من زمن القرصنة ــ كانت الشواهد والوقائع تشير إلى عناصر مساعدة لعبت دورها بالتآمر على حقوق الشعب الفلسطيني، وكان دور سلطات الإنتداب البريطاني على فلسطين في صدارة العناصر والعوامل المساعدة، ولعبت دورها بتنسيق مواعيد إخلاء معسكراتها مع قوات الهاجاناه (قبل الموعد المحدد لإنتهاء الإنتداب يوم 14 مايو/ آيار 1948 ) والتي كانت تبادر بإحتلال القواعد البريطانية، وقد مكنها ذلك ـ على سبيل المثال ـ من إحتلال حيفا في ظرف أربع وعشرين ساعة!! وكان للقوات البريطانية جدول أولويات له توقيتات لافتة للنظر، ذلك أن الجزء المقرر لليهود بمقتضى قرار التقسيم بدأ تسليمه لقوات الهاجاناه مبكرا، ومبكرا جدا في بعض الأحيان، حتى أن القوات البريطانية قامت بتسليم مناطق الجليل ابتداء من شهر مارس/ آذارن وأوائل شهر أبريل/ نيسان، وأما فيما يتعلق بالجزء المخصص للعرب بمقتضى قرار التقسيم، فإن القوات البريطانية كانت تتمسك بالأمر والنهي فيه حتى الدقيقة الأخيرة من سريان موعد إنتهاء الإنتداب، وكانت القوات البريطانية تشرف على الساحة من عل ولا تسمح للقوات العربية أن تقترب من معسكراتها، ولا تسمح لهذه القوات العربية درء أخطار قادمة، وصدرت أوامر إلى قيادات المعسكرات البريطانية ببيع «مهمات» لا لزوم لها عند الإنسحاب بعد إنتهاء الإنتداب، وكانت هذه المهمات تباع كلها للجانب اليهودي، وتشمل أسلحة، وذخائر، وجرارات، وعربات نقل، ومهمات متعددة الأغراض !! وعندما صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود، كانت رائحة البارود بدأت تفوح على ربى فلسطين وتلالها، وقبل أن تبدأ العمليات العسكرية بين الجيوش العربية والقوات اليهودية ليلة 15 مايو/ آيار1948 والتي توقفت بتوقيع الهدنة في رودس في شهر فبراير/ شباط1949.. وفي تلك الأيام كانت شعوب الأمة العربية تتلقى صدمة الحدث الأكبر، وهو قيام دولة إسرائيل وسط العالم العربي وفي قلبه. وحين كانت حشود المهاجرين اليهود تأخذ طريقها إلى فلسطين..ويقترب عدد اليهود في فلسطين من أربعمائة ألف، قبل قرار التقسيم الصادر في 29 نوفمبر1947، كان للفنان الشهير «شارل شابلن» تعليقا بليغا على قرار تقسيم فلسطين : ( الكثير من الناس يقولون شابلن يهوديا ، أنا لم أنكر أصلي أبدا ، كما أني لم أتباه به .. أنا إنسان لا يختلف عن الآخرين ..هل يقلل أصلي من شأني، أم يضفي علىّ أهمية أكبر، لا أعتقد أنه ينبغي إرسال اليهود إلى فلسطين، معنى هذا أن يتم إرسال الكاثوليك إلى روما، يتعين على الأمم المتحدة ألا تعاون أي دولة للأقليات أو المجموعات العنصرية، ولو تقرر هذا فإن الأمر يعني أن الحرب كانت دون جدوى «يقصد الحرب العالمية الثانية من 1939 إلى 1945»، من حق اليهود الذين ولدوا في دولة ما مثل بولندا أو ألمانيا أن يعيشوا في هذه الدولة مثل بقية المواطنين، إن مولدهم وحياتهم يكفلان لهم هذا الحق).. واستطرد شابلن : ( يتحتم عدم تحويل فلسطين إلى معسكر إعتقال لليهود، إن هذا «التصدير» لليهود يؤدي في الواقع إلى وجود مشكلة يهودية..أنا أعرف أن الكثير من اليهود وقعوا ضحية الدعاية، لقد تلوثوا دون وعي بالكراهية لليهود، ويعيشون في حالة رعب وخجل من أنفسهم، ولا شك أن هذه أكبر مأساة في عصرنا..إن اليهود يسعون بأنفسهم إلى الهروب، وإلى حفر قبورهم بل إلى إحتقار ذواتهم ..إن تسلل السم الهتلري في جسد العالم جعل المضطهدين يضطهدون أنفسهم، لقد تحولوا إلى جلادين لأنفسهم).
مشاركة :