الأزمة الليبية تستعيد زخمها الإقليمي باستضافة السودان اجتماع دول الجوار

  • 11/29/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

منحت التحديات الدولية التي تواجه الأزمة الليبية، السودان الفرصة ليستعيد زخم اجتماعات دول الجوار، بعد فترة من خفوت صوتها، فالاجتماع الذي يعقد اليوم (الخميس) في الخرطوم وتحضره جميع دول الجوار وحكومة الوفاق الوطني الليبية، والممثل الخاص للأمم المتحدة، والجامعة العربية، والاتحاد الأفريقي، يؤكد أن الفترة المقبلة ستشهد حراكا إقليميا جديدا. أفضت المبادرة الفرنسية، ثم التحركات الإيطالية، وزيادة وتيرة الانخراط الأميركي، لتسوية الأزمة الليبية، إلى ارتفاع حدة الاستقطاب بين القوى الكبرى، وتضاعف الأمر مع تلميحات مختلفة بعدم استبعاد دخول روسيا على الخط. اتخذ السباق السياسي الدولي شكلا معلنا من قبل باريس وروما، ومستترا من واشنطن وموسكو، وتسبب في خفوت صوت بعض الدول الإقليمية، في مقدمتها دول جوار ليبيا، التي ظل بعضها يعمل من خلال الانفتاح على قوى دولية مؤثرة، والتشديد على عدم الانحياز لدولة بعينها، لأن لكل منها نفوذ واسع وقدرة محدودة بسقف معين على التأثير. خشيت بعض دول المنطقة من مغبة الميل نحو إيطاليا أو فرنسا (مصر مثلا)، واختارت العمل مع كلتيهما، ولم تكن بعيدة أيضا عن التنسيق مع الولايات المتحدة، فقد أصبح الجميع على قناعة بأن إرادة المجتمع الدولي، تمثل المفتاح الرئيسي الذي من خلاله يمكن تحريك الأزمة الليبية، ومن المهم التعاطي مع القوى صاحبة اليد الطولى فيها. أثبت تدخل فرنسا وإيطاليا، أن فرص التسوية معقدة، ولا تزال تحتاج إلى المزيد من التحركات، كي تنضج ظروف حلحلتها سياسيا، وتمخضت نتائج الخطوات الدولية المباشرة، عبر طرح المبادرات واستضافة الاجتماعات وعقد اللقاءات، عن خسائر معنوية للدول التي شجعت عليها، بما قد يضع العراقيل أمام رؤاها مستقبلا، ويظهر من يقفون وراءها في صورة غير القادرين على تحقيق اختراق كبير. بدت باريس التي رأت أنها أحق بالقبض على زمام الأمر غير ملمّة بتفاصيل الأزمة الليبية، عندما حددت توقيتات للانتخابات في مؤتمرها الذي عقدته في 29 مايو الماضي، ولم تستطع تنفيذها على الأرض، بل خسرت بعض الأطراف المحلية، والتي وجدت فرنسا وكأنها تتبنى طرحا سوف يحقق لقوى هامشية مكاسب كبيرة، ويجعل من الكتائب المسلحة طرفا مؤثرا في أي تسوية سياسية حقيقية. وأصبحت روما في صورة من تريد منازعة باريس والحد من سطوتها والحفاظ على نفوذها التقليدي في ليبيا، من دون اعتداد بما تفضي إليه تحركاتها من تداعيات سلبية، وهو ما دفعها عقب، انتهاء مؤتمر روما يومي 12 و13 نوفمبر الجاري، إلى الاتجاه نحو قوى إقليمية معنية بالأزمة الليبية، أملا في معالجة أوجه الخلل التي كادت تسقط مؤتمر باليرمو. أعاد طرق الأبواب الإقليمية محددات الأزمة إلى ما كانت عليه منذ عام، حيث كانت غالبية التفاعلات قاصرة على النطاق الإقليمي، والقوى الكبرى قريبة منها وتتابع تطوراتها أو تحركها بشكل غير مباشر، كي لا تتحمل تبعات الفشل. عندما أخفق هذا التوجه في تحقيق نتائج ملموسة، وثبت أن معظم دول الجوار تتحرك من منظور مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية، رأت قوى كبرى ضرورة القفز على الأزمة والتحكم في مساراتها، وهو ما فشل أيضا في زحزحتها ناحية التسوية، لذلك بدأ يُعاد الاعتبار الإقليمي لها، بما يوحي أن الأزمة أمامها وقت لدخولها مجال التسوية. في هذا السياق، تلقف السودان بعض الإشارات الدولية، التي فهم منها أن الأزمة الليبية تعود تدريجيا إلى دول الجوار، وهو فضاء يتخذه البعض فرصة لمنع وصولها إلى موضع قد يكبدهم خسائر سياسية إذا نجحت بعض القوى المناوئة في جر الأزمة إلى الناحية التي تريدها، أو ذريعة لتأكيد الفعالية الإقليمية. أعلنت الخرطوم استضافة اجتماع الخميس، وعينيها على استكمال الدور الذي تطمح إليه كرأس حربة لتسوية الأزمات الإقليمية، فقد لعبت دورا مهمّا في توقيع اتفاق سلام في جنوب السودان في 4 أغسطس الماضي، بين الرئيس سيلفا كير ونائبه الأول السابق رياك مشار، ومدت بصرها إلى تسوية الأزمة السياسية في دولة أفريقيا الوسطى، وأعادت النظر في بعض مواقفها من دول المنطقة (إريتريا مثلا) بما يسمح لها بتطوير علاقاتها. انعكست الأزمة الليبية سلبا على النظام السوداني، عندما ربطت دوائر كثيرة الدعم الذي قدمه لقوى إسلامية متشددة، بعد اندلاع الثورة على نظام العقيد معمر القذافي في فبراير 2011، وبين توجهاته الأيديولوجية، وتعاونه مع كل من قطر وتركيا لتوصيل مساعدات عسكرية لجماعات معروفة بممارسة العنف والإرهاب. خسرت الجماعات المتشددة جانبا كبيرا من مكاسبها السابقة، وتراجعت قوتها في ليبيا، وانحسرت تقريبا في بعض مناطق الجنوب الليبي، الذي تستعد بعض القوى الإقليمية للتعامل الأمني معه من خلال تجمع الساحل والصحراء، ويريد السودان أن يلعب دورا في التفاعلات المقبلة، من باب الدفاع عن أمن بلاده، والحفاظ على التهدئة الراهنة في إقليم دارفور. إذا سلمنا أن إحدى العقد التي تكبّل الخرطوم تكمن في التاريخ الوطيد من التعامل مع الجماعات المتطرفة، فإنها تجد في الاقتراب من الأزمة الليبية مدخلا جديدا لتبييض صفحتها السابقة، لذلك حرصت على استضافة اجتماع دول جوار ليبيا، وفي مخيلتها أن تمارس دورا متصاعدا يتجاوز الاجتماع التقليدي. يظل أي دور من هذا النوع محكوما بتوازنات إقليمية ودولية، لكن النشاط الذي دبّ في اجتماعات جوار ليبيا عبر قناة السودان، قد تكون له علاقة ببعض التوجهات الفترة المقبلة. تريد الخرطوم أن تمتلك أدوات تأثير، تساعدها على زيادة مساحة الحركة في الفضاء الإقليمي، وتكرس رغبتها في إطفاء الحرائق بدلا من إشعالها، بما يطوي صورة ذهنية وضعتها في خانة العاصمة المشاغبة، الداعمة لحركات إسلامية متشددة، ويخفف الضغوط الأميركية الواقعة عليها، والتي طالبتها بمزيد من التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، بما يعني أن تحرك السودان قد يتجاوز حدود استضافة اجتماع لدول الجوار كان يعقد بصفة دورية، ثم ضخت الخرطوم فيه دماء سياسية. ترغب بعض القوى الدولية في تعدد اللاعبين الإقليميين على الساحة الليبية، فقد تقلص نفوذ الجزائر، وتونس ربما يتراجع ثقلها السياسي بعد نقل بعثة الأمم المتحدة من تونس إلى طرابلس، ما يتلوه نقل سفارات بعض الدول، وتظل مصر متمسكة بورقة توحيد المؤسسة العسكرية، والتي تجعلها تتمتع بنفوذ قوي في ليبيا. تبدو الأزمة الليبية مقبلة على تحولات داخلية، ما يجعل التصورات الإقليمية لن تثبت على حالها، فإذا كان السودان يقيم ترتيباته على بقايا روافده الوطيدة مع بعض القوى الإسلامية وتحالفاتها الخارجية، فإن هذه القوى تريد توسيع دائرة علاقاتها. كما أن فايز السراج رئيس حكومة الوفاق يسعى إلى تخفيف ارتباطه بهذا الحلف، ويعمل حاليا على الاتجاه لدول كانت تتحفّظ على التعامل معه، وهو يرغب في الحصول على ثقة تمنحه أملا في البقاء على رأس المجلس الرئاسي الذي سيعاد تشكيله قريبا.

مشاركة :