تأتي زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى مصر في إطار ما تشهده العلاقات الأخوية بين الدولتين والشعبين الشقيقين، ويدرك ولي العهد أن مصر بما تمثله من ظهير شعبي وموروث تاريخي وثقل حضاري هي الداعم للمملكة والسند المؤازر في مواجهة كافة التحديات. لاشك في أن العلاقات المصرية – السعودية تشهد أزهى فتراتها في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، فضلًا عن المشاعر الجياشة التي تربط بين الشعبين الشقيقين فإن التحديات التي تواجههما في هذه المرحلة الحرجة من التاريخ العربي تفرض عليهما درجة أعلى من التنسيق والتعاون، ويدرك ذلك الملك سلمان وولي عهده اللذين يتميزا بسعة الإطلاع والأفق والثقافة الموسوعية والحنكة السياسية. على الرغم من أنه من المتعارف عليه قوة ومتانة العلاقات المصرية – السعودية فمن الأهمية التذكير بمواقف المملكة تجاه شقيقتها مصر، فمن الأقوال المأثورة للملك عبد العزيز آل سعود “لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب”، وكانت وصيته قبل وفاته هي المحافظة على الصداقة مع مصر، وفي عهد الملك سعود رحمه الله كان حريصًا على تنفيذ وصية والده بمصر، فعندما سمع أن هناك خلافات دبت بين رئيس الجمهورية محمد نجيب ونائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية جمال عبد العناصر هبّ مسرعًا إلى مصر محاولًا تقريب وجهات النظر وباذلًا كل ما يستطيع لإنهاء الخلافات بينهما، وبعد إعلان مصر قرار تأميم قناة السويس بادر الملك سعود بإرسال برقية تأييد عاجلة إلى الرئيس جمال عبد الناصر، ولم يكن موقف الملك سعود المؤيد لقرار التأميم موقف شخصي فقط، بل إن ولي العهد الأمير فيصل أعرب كذلك عن تأييده مصر أثناء حديثه مع مندوب الإذاعة المصرية وقال: “إن هذا حق مصر ولا أحسب الدول المختلفة تقدم على التوسل بالقوة لإنفاذ رأيها وأرى أن الأمر انتهى بما فيه مصلحة الشقيقة مصر”. وبعد أن قامت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بالعدوان الثلاثي على مصر، أمر الملك سعود بالتعبئة العامة، والإستعداد للذود عن مصر، والقيام بأداء الواجب الذي تمليه العروبة، فقد كان يعتبر المملكة طرفًا مباشرًا في التصدي للعدوان الثلاثي، وقد وضع يده في يد الرئيس جمال عبد الناصر، ووضع كافة إمكانات المملكة الاقتصادية والجغرافية والعسكرية في خدمة مصر، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أمر وزارة الدفاع بفتح مكاتب للتطوع في جميع أنحاء المملكة للذين يريدون الإنضمام إلى الجيوش العربية، فتدفق الناس أمام مكاتب التطوع للحصول على شرف الإنخراط في الجيش وكان على رأس المتطوعين عدد من أصحاب السمو الأمراء، وهم: عبد الله الفيصل، فهد بن عبد العزيز، عبد الله بن عبد العزيز، سلطان بن عبد العزيز، مشعل بن عبد العزيز، مشاري بن عبد العزيز، نواف بن عبد العزيز، نايف بن عبد العزيز، سلمان بن عبد العزيز وغيرهم من الأمراء الذين ارتدوا ملابس الجنود وتقلدوا بالسلاح واشتركوا في التدريبات العسكرية، وانخرطوا في الجيش المصري، وهو ماشجع الطلبة السعوديين المبتعثين للدراسة في مصر وشاركوا في الدفاع عن مصر، كما أصدرت المملكة العربية السعودية أمرًا بمنع شحن وتموين السفن الإنجليزية والفرنسية والسفن الأخرى التي تتجه بحمولتها إليهما، وتم قطع الخط الممتد إلى البحرين الذي تستفيد منه إنجلترا وفرنسا، غير مكترثة بما يصيب خزينتها من أضرار مادية بسبب هذا المنع، ووضعت المملكة إمكانتها من البترول تحت خدمة مصر، فقد شحنت 95 ألف طن من البترول إلى مصر عن طريق ناقلات البترول وعليها العلم السعودي لتعلن للعالم كله بأن البترول العربي السعودي هو للعرب وللدفاع عنهم أولًا وأخيرًا، كما قد قدمت المملكة لمصر في 27 أغسطس 1956 مبلغ 100 مليون دولار بعد سحب العرض الأمريكي لبناء السد العالي وهو مبلغ كبير بمقاييس ذاك الزمان. وفي الستينات ساءت العلاقة بين البلدين بسبب أحداث اليمن والتي انبرى خلالها الإعلام المصري بشن هجوم شنيع على القيادة السعودية عبر إذاعة صوت العرب، وقيل إن كان يستمع إلى صوت العرب وهي تسب قادة المملكة وقامت إحدى بناته بشتم عبد الناصر فنهاها عن ذلك قائلًا: إن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يكن لعانًا ولا فحاشًا وأمرها بأن تدعو له بالهداية لأنه يقود شعب عظيم، وبعد نكسة 1967 توقع الجميع أن يشمت الملك فيصل بعبدالناصر ومصر، إلا أن الملك فيصل -رحمه الله- توجه بنداء إلى الزعماء العرب بضرورة الوقوف إلى جانب الدول الشقيقة المعتدى عليها (دول الطوق) وتأمين دعم سياسي وتخصيص مبالغ كبيرة لتمكينها من الصمود. واستمرت المساندة السعودية لمصر حتى حرب أكتوبر 1973؛ حيث ساهمت المملكة في الكثير من النفقات التي تحملتها مصر قبل الحرب، وقادت المملكة معركة البترول لخدمة حرب أكتوبر، وفي عهد الملك خالد وبالرغم من عدم موافقة المملكة على زيارة السادات إلى إسرائيل وكذلك إتفاقية كامب ديفد إلا أن العلاقات استمرت متميزة بين البلدين والشعبين، وكان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز يقول دائمًا أن مصر (ملء القلب والعين)، وفي عهد الملك سلمان استمر التفاهم والتناغم بين القيادين السعودية والمصرية في كافة المواقف السياسية والاقتصادية.
مشاركة :