2 ديسمبر.. سيرة وطن

  • 11/29/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

احتفال دولة الإمارات العربية المتحدة بيومها الوطني الــ47 هذا العام استثنائي ومختلف؛ فمن جهة يقام الاحتفال الرسمي بهذه المناسبة العزيزة تحت شعار: «هذا زايد.. هذه الإمارات» ولهذا إشارات ومعان ودلالات كثيرة تحكي شيئاً من تفاصيل الجهود التي بذلت لجمع شتات عرب الخليج ولمّ شمل إماراتهم في دولة اتحادية ناهضة وقوية، تبدأ معها كتابة تاريخ قادم من عمر هذه البقعة الحيوية من بقاع الوطن العربي الكبير، ومن جهة أخرى تأتي احتفالية هذا العام بالتزامن مع الذكرى المئوية لرجل المواقف، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ولهذا أيضاً مدلولات مستمدة من رؤيته الحكيمة الثاقبة التي أرست دعائم النهضة في مختلف المجالات، وحققت النّجاح والتقدم لدولة الإمارات منذ 47 عاماً مضت. كان الطموح الذي ملأ قلب القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، هو أن تجتمع إمارات الخليج السبع، في كيان دولة واحدة، وتستظل تحت علم واحد، وتندمج فيما بينها في شخصية وهوية واحدة، لتكون رقماً صعباً يضاف دفعة واحدة إلى معادلة النّهضة العربية الواعدة في ذلك الوقت، ولقد تحقق هذا بفضل الوعي الوحدوي للقائد المؤسس، الذي نجح في بناء (المشروع الاتحادي) الذي كان حلماً تحول إلى واقع مشرق. وقد لا يدرك المرء الآن حجم تلك الجهود التي بذلها المؤسسون الأوائل في سبيل إقامة هذا المشروع الذي ترسخت روحه ومعانيه في نفوس أبناء الإمارات، كما أصبح مفخرة ودليلاً على تمكّن الرّجال العظام من خلال وطنيتهم الصافية من تحقيق آمال الشعب في بناء دولة القانون والمؤسسات القوية والتي قوامها تحقيق معادلة الأصالة والمعاصرة، وفي كادر هذا المشهد الممتلئ فرحاً وبهجة باليوم الوطني، نتذكر مقولة فقيد الوطن الكبير الشيخ زايد: «إنّ الاتحاد هو طريق القوّة وطريق العزّة والمنعة والخير المشترك، وإنّ الفرقة لا ينتج عنها إلا الضعف، وإنّ الكيانات الهزيلة لا مكان لها في عالم اليوم، فتلك هي عبرة التّاريخ على مرّ العصور». اتحاد للجميع يشكّل اليوم الوطني لدولة الإمارات، المنبثق من مسيرة الاتحاد الظافرة، التي قادها الشيخ زايد، ويقودها اليوم بثقة واقتدار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدّولة، حفظه الله، مرحلة مفصلية في تاريخ شعب الإمارات، وهذه التجربة من أهم التجارب الوحدوية العربية، بسبب بقائها حيّة، صامدة متطورة ومتنامية ومتناغمة مع روح العصر، وبسبب الأساس القوي الذي بنيت عليه، من تلك الجهود العظيمة التي بذلت في سبيل إنجاحها والجهود التي تبذل في سبيل استمرارها قوية عصيّة على التحديات، للخروج إلى العالم المعاصر بكيان قوي متماسك، قادر على التفاعل والتأثير. إن فرحة اليوم الوطني للدولة، فرحة للوطن العربي أجمع، لأنها تعيد الثقة في قوة الفعل والإرادة الصلبة، وتجعل الأمل مشرقاً في نفوس أبناء هذا الوطن العزيز، وإن تاريخ تكوين هذا الاتحاد لجدير بأن يدرّس ليكون نبراساً للأجيال الجديدة، بعد أن غدت دولة الإمارات العربية المتحدة رمزاً للتعايش والتكاتف واحترام آدمية الإنسان وحريته، وأنموذجاً يحتذى في إرساء قواعد رصينة لحوار الأديان والثقافات وحرية الفكر، ولم يكن ليتحقق هذا وذاك لولا سلوك ومنهج القيادة الحكيمة المستمد من «مدرسة زايد» التي فرضت احترام العالم للإمارات قيادة وحكومة وشعباً. والمتأمل في نهضتها اليوم على الصعد كافة يشعر بمدى الإنجازات العظيمة والنّوعية التي تحققت في وقت قياسي، وهو ما نعتقد أنّه من أهم المكتسبات التي يجني ثمارها كل من يعيش على أرض الدولة، وإن نجاح مسيرة الاتحاد بهذه الصورة التي لم نجد لها مثيلاً، باعتبارها التجربة الوحدوية العربية الوحيدة النّاجحة، كان الشّعلة الأولى في طريق تحقيق انتصار للذاكرة الجمعية والإنسان والمجتمع، ثم تحقيق العدالة والمساواة، لكون الاتحاد كان عند «حكيم العرب» مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمفهومه للقيمة الإنسانية. فقد كان يرى أن شرط نجاح أي مشروع قومي مرتهن بالقيمة الإنسانية المنبثقة عنه، ولذلك قال في حديثه إلى بعثة التلفزيون البريطاني في 29 ديسمبر 1971: «إن الاتحاد يجب أن يشمل الصغير والكبير، والقوي والضعيف، وهدف الاتحاد هو أن يعتمد الصغير على الكبير، ولا خير في كبير لا يساعد الصغير، ما هي الفائدة من الكبير الذي لا يأخذ بيد الضعيف؟». والعبرة هنا بالنتائج الفعلية التي يلمسها الصغير قبل الكبير، ومن أهم ما حققته مسيرة الاتحاد في هذا السياق، تعميق مفاهيم الوحدة بين النّاس على المستويين العملي والواقعي، خاصة أن أبناء الإمارات لم يعد لديهم ذلك الشعور بأية انتماءات قبلية أو إقليمية تؤثر بشكل سلبي على الكيان الوحدوي الشامخ الذي أقامه الشيخ زايد مع إخوانه من حكام وشيوخ الإمارات. ولذلك عندما سئل الشيخ زايد صانع الاتحاد من مندوب مؤسسة «روز اليوسف» الصحفية المصرية، في 26 نوفمبر 1972، عن الخطوات التي تتخذ لذوبان الإقليمية بين الإمارات كانت إجابته: «نحن نعتقد أن الإقليمية الوحيدة التي يحسّ بها المواطن في بلادنا هي انتماؤه للأمة العربية، وللوطن العربي، وليست هناك مشكلة من هذا القبيل بين أبناء الإمارات الذين استقبلوا جميعاً قيام الاتحاد بالحماس الشديد إيماناً منهم بكل ما يمكن أن يعبّر عنه من معاني الاتحاد والوحدة بين أبناء الوطن الواحد، والذين عاشوا ظروفاً واحدة، ويتطلعون إلى ظروف مشتركة أفضل». مرتكزات وحدوية ما زالت الأقلام تستعيد تلك اللحظات العظيمة التي تمّ فيها إعلان الدّولة العربية رقم 18، دولة مستقلة ذات سيادة كاملة، كجزء عزيز من الوطن العربي الكبير، ونقصد بذلك دولة الإمارات العربية المتحدة التي نجحت تجربتها الوحدوية لقيامها على رؤية عقلانية حضارية متوازنة وشفّافة ونظرة علمية استراتيجية موضوعية تلعب فيها إرادة الإنسان دوراً أساسياً وريادياً، ولهذا انتبهت القيادة السياسية في دولة الاتحاد إلى مقوّمات المجتمع باعتبارها دعامة وحدته الاجتماعية، وأنّ الوحدة الاجتماعية بمقوماتها الإنسانية هي قوام الوحدة السياسية بعيداً عن إثارة العاطفة والشعارات. وقد دلّت القراءات والدراسات والعديد من الاصطلاحات والأفكار المتعلقة بالوحدة والوحدوية والقومية العربية، على صعوبة تحقيقها بمعزل عن الوحدة الاجتماعية التي كانت موجودة سلفاً في مجتمع الإمارات، فجاء الاتحاد امتداداً طبيعياً لها. والأمر الذي أجمع عليه كثيرون أن تجربة الاتحاد تجربة فريدة، وأن ثباتها على مقوماتها وفكرها وثقافتها وتواصلها عبر جيل جديد من القيادات وضمن مرتكزات ومنظومة من الأفكار النّهضوية لأمر يستوجب الإعجاب والاهتمام والدراسة والتحليل، ونستشهد في هذا المقام بما كتبه الباحث الإماراتي عبدالله عبدالرحمن في دراسة له بعنوان «الإمارات الإنسان المكان.. الزمان» فقال: «إنّ قيام الاتحاد لم يكن قراراً فوقياً كما هو الحال في تجارب بعض الاتحادات السياسية المعاصرة، وإنما جاء تجسيداً وتدعيماً لوحدة اجتماعية حقيقية، وامتداداً طبيعياً لمحاولات وحدة تلاحم المجتمع وكفاحه المشترك في الماضي بالرغم من محاولات التجزئة التي قامت بها القوى الأجنبية، وخياراً حضارياً نابعاً من المقومات الحضارية والإنسانية للمجتمع التي تعكسها وحدة الهوية بعامة ووحدة اللغة والأصول والدّين والوجدان الجمعي والطموحات والتّطلعات المستقبلية بخاصة، من هنا يمكن القول إنّ الشيخ زايد انطلق واثقاً من المقومات المحيطة به لتحقيق التجربة الوحدوية تتويجاً لأواصر القرابة واقتناع الجميع بأهمية الوحدة والتكتل، وأدرك بذكاء شديد أهمية حوار الجسم الداخلي قبل الإقدام على الحوار مع الآخر». التعليم أولاً.. وثانياً قاد الشيخ زايد شعبه في أروع مسيرة حضارية، اتسمت بتحقيق المزيد من الإنجازات النّوعية في مجالات عدّة، تصدرها (التعليم) الذي حظي بمكانة كبرى في فكره ومنهجه، فوفّر له كل السبل لدعم تطويره داخل الدولة وخارجها، ووجّه بتسخير كل الإمكانات لدعم هذا الهدف النبيل على مستوى بناء المدارس والجامعات، وبخاصة تأسيس جامعة الإمارات العربية المتحدة بمدينة العين عام 1976، وتشجيع الأجيال على الدراسة والتحصيل العلمي، ولم يقتصر الأمر على الدّعم والمساندة للطلبة والمؤسسات التعليمية داخل الدولة، ولكنه عبر الحدود والقارات لتقديم الدعم لرفع كفاءة التعليم، خصوصاً في الدّول الأقل نمواً. وبفضل توجيهات الشيخ زايد، طيب الله ثراه، عاشت الإمارات مرحلة تعليمية جديدة تقوم على ترسيخ مفهوم لسياسة تعليمية ناضجة ومعاصرة، ثم تأسيس الوزارات الاتحادية، ومنها وزارة التربية والتعليم والشباب (ثم سميت وزارة التربية والتعليم) التي حملت على عاتقها مسؤولية الإشراف على التعليم في مراحله المختلفة، وانتشرت المدارس الحكومية المجهزة بأحدث الأجهزة والوسائل التعليمية المتعددة، هذا إلى جانب ما نراه اليوم من تأسيس للمراكز البحثية والتراثية والاستراتيجية والجمعيات والأندية ذات الصلة بالمحافظة على الهوية الوطنية والبحث في تاريخ المنطقة. خير خلف لخير سلف رحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في 2 نوفمبر عام 2004، وتولّى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حفظه الله، رئاسة دولة الإمارات العربية المتحدة في 3 نوفمبر عام 2004، ثم حمل سموه أمانة مسيرة الاتحاد بكل ثقة واقتدار، بعد أن اكتسب تجربة ثرية وخبرة واسعة من خلال ملازمته ومعايشته عن قرب لوالده مؤسس دولة الإمارات خلال مختلف مراحل العمل الوطني، وتشرّب من كل ما يتمتع به القائد من تفرّد في القيادة والزعامة وحنكة في مباشرة مسؤوليات الحكم، ومن ذلك سيره الواثق على نهج الوالد المؤسس في تدعيم مسيرة الاتحاد الظافرة وتطويرها وترسيخها، ضمن ثوابتها ومنجزاتها ومكتسباتها التي تحققت بعد رحلة عمل شاق ومرير، وفي ذلك يقول في كلمة له بمناسبة اليوم الوطني الرابع والثلاثين: «إنّ الثاني من ديسمبر هو يوم مشرق بدأت به مسيرة الخير التي عمّت بلادنا، يوم توحدت فيه كلمتنا وإرادتنا، فكانت دولة الإمارات وما تنعم به من استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي قوي، وإنسان متعلّم، ورخاء ورفاهية وأمن ثقافي، وعلاقات دبلوماسية وتجارية وإنسانية تمتد عبر القارات شرقاً وغرباً لتؤسس لعلاقات إقليمية ودولية سليمة وقائمة على مبادئ الحكمة والاعتدال والتوازن والشفافية، ومناصرة حقوق الإنسان والعدل وعدم التدخل في شؤون الغير». لقد اكتسب صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، العديد من المناقب والصفات الحميدة، ومنها التسامح والتواضع وعدم الانبهار بالسلطة والسلطان، وحب أبناء الشعب والسعي لتحقيق أحلامهم بغد مشرق، فعمل ولا يزال على ترسيخ مفاهيم الديموقراطية وحرية التعبير والفكر في أرجاء الوطن، ومن ذلك قول سموه: «إن مسيرة الديموقراطية تتجه في دولتنا إلى تعميق وترسيخ ثقافة المشاركة في بناء الوطن، ودعم الأسس والمبادئ التي تكفل الحياة الكريمة الحرّة لشعب الإمارات ضمن أطر المبادئ الإسلامية والعادات والتقاليد التي توارثناها عن أسلافنا وأجدادنا الذين نجلّهم ونقدّر مسيرتهم». ثقافة الاتحاد لقد أرست مسيرة الاتحاد مناخاً صافياً من الديموقراطية وحرّية التعبير، الأمر الذي انعكس إيجاباً على صورة الإبداع في الإمارات، بل تظهر تجلياته على المشهد الثقافي والفنون والآداب بكل صنوفها، وكانت وما زالت صورة مسيرة الاتحاد حاضرة في كل إنجاز إبداعي خلاّق، وربما يكون (الشعر) في صدارة قائمة الإبداع بصفته أقدم أنواع التعبير الأدبي، ومن مجالس الشعر النبطي التي كانت زاهرة في عهد الشيخ زايد، طيب الله ثراه، إلى المشاريع الثقافية الكبيرة الهادفة في هذا المجال، ومن ذلك تأسيس أكاديمية الشعر عام 2007 كأول وجهة أدبية متخصصة في الدراسات الأكاديمية للشعر العربي بشقيه الفصيح والنبطي، وجاءت فكرة تأسيسها استكمالاً للاهتمام الذي توليه إمارة أبوظبي للأدب والثقافة بما في ذلك الشعر الذي يعد مرجعاً مهماً وأصيلاً في تاريخ العرب، وراح الشعراء الإماراتيون يتغنّون بوطنهم وأمتهم واتحادهم في إطار نهج شعري جاد وملتزم ورصين، ثم صعود نجم القصيدة الوطنية، على نحو قصيدة (الاتحاد) التي صاغها الشاعر الإماراتي سلطان بن علي العويس 1925- 1999، وقال فيها: الاتحاد قصيدة وحروفها/‏‏‏‏‏‏‏‏‏ أبناؤها وقوامها الأمراء/‏‏‏‏‏‏‏‏‏ وأبو الجميع قيادة وريادة/‏‏‏‏‏‏‏‏‏ هو زايد تجلى به الأدواء/‏‏‏‏‏‏‏‏‏ وطني دمي ينساب بين جوانحي/‏‏‏‏‏‏‏‏‏ فكأنه والروح فيه سواء). هذا بجانب اهتمام الدولة بإطلاق سلسلة من المهرجانات الشعرية، معبّرة بذلك عن سياستها في مجال دعم الثقافة والإبداع كمهمة لازمة لعملية التطوير الضرورية في عمليتي بناء الدولة والإنسان، ومن ذلك على سبيل المثال تأسيس مهرجان الشارقة للشعر الشعبي عام 1983، مع بدايات تأسيس دائرة الثقافة والإعلام، ثم مهرجان الشارقة للشعر العربي، الذي يساهم بدوره في الحفاظ على المرتكزات الأساسية للشعر ورعاية الموروث الشعري، كما يسهم في إثراء الساحة الشعرية بإنتاج أدبي شعري وفير وغزير متخصص، وكذلك إطلاق مهرجان دبي للشعر عام 2009، ومدى الاهتمام بدعم الشعر والشعراء وتخصيص الجوائز لهم (جائزة الشارقة للإبداع العربي) الأمر الذي فجّر طاقاتهم الابداعية في مختلف أنواع القصيدة إثراء للمشهد الشعري المتقدم الذي يضم اليوم حوار تجارب وأجيالاً مختلفة. منصة ثقافية عالمية لقد أولت القيادة الحكيمة في الإمارات الثقافة جلّ اهتمامها، لما لها من دور محوري في تحقيق نهضة شاملة وتكوين مجتمع ناهض يعي مسؤولياته ويسهم في بناء وطنه، ومنذ تولّي صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، دفّة الحكم، سار على نهج الوالد المؤسس، الذي كان شغوفاً بإحداث التغيير في كافة المجالات الثقافية، وأرسى دعائم المؤسسات الثقافية ودعمها مع تشجيع المثقف الإماراتي على القيام بدوره في تبصير وتنوير مجتمعه وشعبه، ومن ذلك تشييد المنطقة الثقافية في السعديات التي تحتضن كلاً من منارة السعديات التي افتتحت في العام 2009، وجناح الإمارات (افتتح في العام 2011) وتضم المنطقة الثقافية سلسلة من المتاحف يتصدرها متحف اللوفر أبوظبي، ليكون جسراً ثقافياً بين الشرق والغرب، كما تمّ تأسيس دائرة السياحة والثقافة - أبوظبي في 2 أكتوبر 2012، والتي تعمل على رعاية العديد من المشاريع الثقافية المهمة من بينها معرض أبوظبي الدولي للكتاب الذي غدا اليوم واحداً من أكبر المعارض الدولية في المنطقة العربية، كما ينضوي تحت مظلتها مشروع «كلمة» للترجمة الذي يصنّف ضمن المشاريع الطموحة للدائرة، ويعمل على ترجمة ونشر العديد من الأعمال الأدبية الكلاسيكية والمعاصرة من مختلف اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية، وحصل المشروع مؤخراً على جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة، تثميناً لجهوده القيّمة في تعزيز أسس الوعي الثقافي العربي والمحلّي. وفي الإمارات تعنى وزارة الثقافة وتنمية المعرفة بالقضايا الثقافية المختلفة، ونشر الكتب وتشجيع الأجيال المبدعة على الكتابة والتأليف في مختلف مجالات التعبير، وفق رسالة تعمل على الارتقاء بالوعي الثقافي والمجتمعي وتعزيز الهوية الوطنية وإحياء التراث، وبناء جسور التواصل مع مختلف الثقافات العالمية، ومن بين المشاريع الثقافية المشهود لها بالتميز والنوعية، تأسيس جائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2007، وتمنح سنوياً للمبدعين من المفكرين والناشرين والشباب عن مساهماتهم في مجالات التأليف والترجمة في العلوم الإنسانية، ومن المهم هنا أن نستشهد بما قاله سعادة الدكتور علي بن تميم، أمين عام جائزة الشيخ زايد للكتاب، حول قيمة هذا المشروع في كلمة له ضمن الندوة الثقافية في متحف «فيلا كامبيليو» بمدينة ميلان الإيطالية تحت عنوان «الحوار الثقافي العربي الإيطالي» في أكتوبر من العام الحالي: «إننا في جائزة الشيخ زايد للكتاب نفتح الأبواب لكل تعاون مثمر واقتراح بنّاء، لأننا في دولة الإمارات نصدر عن إيمان حقيقي بالتفاعل الإيجابي بين الحضارات، فالتفاعل والاحتكاك بين الحضارات يعد مكسباً ثميناً، يجب أن يوظف ويستغل في تحقيق التقدم والتطور للبشرية جمعاء». بالطبع لا يمكننا في هذه العجالة الحديث عن كل المنجزات التي تحققت للمشهد الثقافي الإماراتي بدعم من القيادة الحكيمة، ولكن لعل الإشارة إلى بعض المعاينات والصور البارزة في الكادر الثقافي قد تفي بالغرض، مثل إطلاق، معرض أبوظبي الدولي للكتاب، معرض الشارقة الدولي للكتاب، معرض العين تقرأ، مهرجان شاعر المليون، مهرجان أمير الشعراء، مشروع قلم، اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، مهرجان دبي للآداب، مهرجان الفجيرة الدولي للفنون، وجائزة العويس الثقافية، والجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر).. ومن إنجاز إلى آخر تسير الدولة، من خلال عمل المؤسسات ذات الصلة بالإبداع والثقافة، مثل إنشاء الهيئة العربية للمسرح، وأيام الشارقة المسرحية، وجمعية المسرحيين الإماراتيين، وتنظيم سلسلة من المهرجانات المسرحية التي وضعت المسرحي الإماراتي على خريطة المشهد المسرحي العالمي بقوة، ومن ذلك مهرجان دبي لمسرح الشباب، وإنشاء دار دبي للأوبرا في أغسطس 2016، فيما تعتز مسيرة المسرح الإماراتي اليوم بتولي الإمارات رئاسة الهيئة الدولية للمسرح التابعة لليونيسكو ومقرها إمارة الفجيرة. وفي مجال كتابة الرواية والقصة القصيرة، عزّز المبدعون الإماراتيون إقامة جسور قوية بين ماضي وحاضر الإمارات من خلال أعمالهم، بدءاً من «شاهنده» الرواية الرائدة في الإمارات وحتى يومنا هذا، حيث عنيت مواضيع الروايات بهوية المكان، كما في «أحداث مدينة على الشاطئ» لمحمد حسن الحربي، التي كتبها عام 1986، وعدّها النقاد من أبرز الأعمال التي قدمت حكاية المكان ممثلاً في «المريبضة»، وروايات الروائي علي أبو الريش الذي اختيرت روايته «الاعتراف» (1982) كإحدى أهم الروايات العربية في القرن العشرين من قبل اتحاد الكتاب العرب، وقصص محمد المر، وروايات الشاعرة والتشكيلية ميسون صقر القاسمي، وناصر الظاهري، وسارة الجروان، وغيرهم كثير من كتاب الرواية الجدد منهم: إيمان اليوسف، ريم الكمالي، مريم الغفلي، آمنة المنصوري. وفي مجال التشكيل تم تأسيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية عام 1980، وظهور النّخبة من الفنانين التشكيليين الإماراتيين الذين عبروا عن تقديرهم للوطن والأمة والهوية في أعمالهم التي وسمت بالعالمية، أمثال عبدالقادر الريس والدكتورة نجاة مكّي والدكتور محمد يوسف علي، وعبدالرحيم سالم، هذا إلى جانب ما تقدمه مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون في هذا المجال، بالإضافة إلى رسالتها نحو إثراء الرؤية الثاقبة للعاصمة أبوظبي من خلال برامجها الموسيقية التي تسهم في تطور الفنون والتربية والثقافة والإبداع، بجانب سلسلة من المؤسسات الفنية (مؤسسة الشارقة للفنون) والجامعات والمراكز وصالات العرض (الغاليريات)، وجميعها تعمل تحت مظلة تدعيم الثقافة والفنون الأصيلة. ومن أهم ما أسفرت عنه هذه الجهود هو شعور الوحدة والانتماء الذي تغلغل في نفوس الإماراتيين، وإيمانهم بقوة الاتحاد، وما النشاطات الاحتفالية التي ينظمها أبناء شعب الإمارات والمقيمون من الجاليات العربية والأجنبية واحتفاء وسائل الإعلام العربية والأجنبية باليوم الوطني الإماراتي، إلا دليل على عمق الانتماء للكيان الاتحادي، فكرةً وممارسة، ومناسبة لتجديد مبايعة القيادة الحكيمة على المضي في طريق التقدم الذي انتهجته الإمارات منذ تأسيسها، كما أنه تعبير إنساني حقيقي وأصيل وخاص عن مشاعر الانتماء والولاء للقيادة الحكيمة والوطن والجهود التي بذلت لتحقيق أروع تجربة وحدوية ما زالت صامدة قوية حتى اليوم. كما أن المناسبة ذات قيمة كبيرة وأهمية في حفز الهمم والارتقاء بالطاقات والقدرات في القطاعات كافة وإنعاش الابتكار والإبداع، مما يعزز مكانة الدولة المتزايدة على الساحة العالمية، والاحتفال باليوم الوطني يمثل في الذاكرة مشهداً تاريخياً مستمراً، ودليلاً على متانة البناء الذي أرسى قواعده القائد المؤسس، طيب الله ثراه، وسارت على دربه قيادتنا الحكيمة ممثلة بصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي نعتز كثيراً بدعمه وتوجيهاته لتعزيز مكانة وطننا الغالي في هذا العالم، وحرص سموه على أن يكون الاتحاد عنواناً لجميع المبادرات والغايات التي تكفل تقدمنا ونهضتنا الشاملة. وعيٌ اتّحادي أرست مسيرة الاتحاد مناخاً صافياً من الديموقراطية وحرّية التعبير، الأمر الذي انعكس إيجاباً على صورة الإبداع في الإمارات، بل تظهر تجلياته على المشهد الثقافي والفنون والآداب بكل صنوفها، وكانت وما زالت صورة مسيرة الاتحاد حاضرة في كل إنجاز إبداعي خلاّق. ولعل أهم إنجاز تحقق على المستوى الثقافي هو وعي الإنسان الإماراتي بأهمية الاتحاد، وترسخ الشعور بالانتماء له ولذاكرته ومنجزاته والإيمان بقوته وثماره التي تتجلى في المجالات كافة، وما النشاطات الاحتفالية التي ينظمها أبناء الإمارات، إلا دليل على عمق الانتماء للكيان الاتحادي، فكرةً وممارسة. أهم التجارب الوحدَويّة يشكّل اليوم الوطني للدولة، مرحلة مفصلية في تاريخ شعب الإمارات، وهذه التجربة من أهم التجارب الوحدوية العربية، بسبب بقائها حيّة، صامدة متطورة ومتنامية ومتناغمة مع روح العصر، وبسبب الأساس القوي الذي بنيت عليه، من تلك الجهود العظيمة التي بذلت في سبيل إنجاحها والجهود التي تبذل في سبيل استمرارها قوية عصيّة على التحديات، للخروج إلى العالم المعاصر بكيان قوي متماسك، قادر على التفاعل والتأثير.

مشاركة :