تتسع مساحات التفاعل الثقافي بين السعودية ومصر منذ بدايات قيام المملكة في عام 1932، وحتى اليوم. وسعت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة من خلال أهدافها الثقافية الشاملة، إلى تعزيز العلاقات الثقافية بين السعودية ومصر من خلال عدد من المؤسسات الثقافية الكبرى في مصر التي تتبع وزارة الثقافة المصرية مثل: دار الكتب، ومكتبة الإسكندرية، ومكتبات الجامعات المصرية، فضلا عن إقامتها عددا وافرا من الأنشطة والفعاليات الثقافية بالقاهرة والإسكندرية. ويأتي ذلك لتحقيق أهداف سامية لإقامة تفاعل ثقافي عربي، يستطيع المهتمون من خلاله رصد مختلف عناصر الثقافة المعاصرة، وقراءة المنجز الثقافي العربي بشكل يحدث غطاء معلوماتيا ومعرفيا متميزا. وتهدف مكتبة الملك عبدالعزيز العامة عبر أحد مشاريعها الثقافية الكبرى وهو «الفهرس العربي الموحد» إلى التأسيس لتكامل عربي وتعاون مشترك، سواء عبر خدمات الفهرس العربي الموحد ونشاطاته في بناء مجتمع المعلومات العربي، أو ما أضافه للحركة الثقافية والنشر عبر إنشاء شبكة معلومات تضم المكتبات العربية، وبوابات مكتبات الدول، وبوابة الكتب المترجمة، والبحث في المخطوطات والرسائل الجامعية. وتسهم المكتبة في هذا الفضاء الثقافي في وجود أرضية أصيلة مشتركة بين البلدين، حيث إن ضخامة المنتج الثقافي الذي تنتجه كل من مصر والمملكة تشكل أكثر من نصف ثقافة العالم العربي اليوم، وهو منتج جدير بالحفاوة والتقدير. وتتجلى الروابط التاريخية في إسهام عدد كبير من الأدباء والكتاب السعوديين في النشاط الثقافي في مصر، الذي كان نشاطا عربيا شاملا بسبب هجرات عدد كبير من الأدباء العرب إلى مصر وإقامتهم فيها، فضلا عن قيام الأدباء السعوديين بالكتابة في المجلات الثقافية والصحف المصرية. وبدأ التفاعل المباشر في حركة الابتعاث العلمي إلى القاهرة، وهناك مشاركة نوعية متبادلة في الفعل الثقافي في كلا البلدين بين المثقفين والكتاب من مصر والمملكة سواء على مستوى المؤتمرات والفعاليات الثقافية، أم على مستوى النشر البحثي والأدبي المتبادل ونشرها في المجلات الثقافية والصحف. ويوجد لدى المكتبة أكثر من 1725 دورية يوجد من ضمنها العديد من الدوريات العربية النادرة التي أشرف على صدورها والكتابة فيها نخبة من أعظم الأدباء والعلماء في عصورهم من العراق ومصر ولبنان وبلاد المهجر. وتقتني المكتبة عددا من أبرز المجلات المصرية التي صدرت أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الميلادي منها: المشير (1894) والمصور (1924) والرسالة للأديب الكبير أحمد حسن الزيات (1933) وأبولو (1934) وأبقراط الطبية (1904) والاثنين والدنيا (1947) والإخاء (1934)، مما يدل على الثراء الثقافي الذي شكلته هذه المجلات والدوريات وحرص المكتبة على توفير هذه المطبوعات بين يدي الباحثين والمعنيين للدراسة والبحث مما يفضي إلى إثراء التاريخ الثقافي والعلمي بجهود خصبة من شأنها أن توسع من التفاعل الثقافي بين البلدين، في فضاء يتفاعل فيه صناع الثقافة من الكتاب والأدباء والمفكرين بشكل كبير. وحرصت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة على تعزيز العلاقات الثقافية بين المملكة وجمهورية مصر العربية، إذ أقامت عددا من الفعاليات والمؤتمرات بخاصة ما يتعلق منها بنشاط الفهرسة والتوثيق وإعداد المحتوى الرقمي للمكتبات، فيما تحرص على المشاركة الدائمة في معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي يقام في شهر كانون الثاني (يناير من كل عام، فهي تعرض في القسم الخاص بها بعض منجزات المكتبة المهمة ليتعرف عليها القراء في مصر ورواد المعرض، مثل: منجزات مركز الفهرس العربي، وموسوعة المملكة العربية السعودية، وبعض الصور النادرة، فضلا عن عرض إصداراتها الجديدة من الكتب والمطبوعات. وتحتفظ المكتبة في أرشيفها بصور لأول رحلة ملكية سعودية إلى مصر، التي تمت في يناير 1946، وقام بها الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود، ورسّخت تلك الزيارة التاريخية العلاقة بين البلدين. ونظرا لأن مصر تعد أحد المصادر الكبيرة للتاريخ والثقافة العربية، عملت السفارة السعودية بالقاهرة على توثيق جوانب مهمة من هذه الثقافة، إذ تقتني مجموعة كبيرة من الوثائق التي تبين التعامل الثقافي والتعليمي والاقتصادي والتجاري والطبي والإعلامي بين البلدين، كما تحوز السفارة مجموعة من الصور الفوتوغرافية للآثار الفرعونية والتراث المصري ومشاهد قديمة للريف المصري والمدن، وكذلك الدوريات والصحف النادرة. واهتمت المكتبة بالكشف عن بعض العناصر الثقافية والوقائع التاريخية التي حدثت بمصر عبر إصدار الكتب أو تحقيق المخطوطات أو الترجمة، أو اقتناء الكتب النادرة، حيث اقتنت المكتبة أول كتاب في علم الطبيعة تمت ترجمته بمصر وهو كتاب «الأزهار البديعة في علم الطبيعة» الصادر عن دار الطباعة المصرية في العام 1291هـ (1871) وقام بتأليفه جاستينيل بك معلم الكيمياء بالمدرسة الطبية بالقصر العيني، ونهض على ترجمته أحمد أفندي ندا. وتواصل المكتبة أنشطتها الفعالة بتحقيق شراكة مع مكتبة الإسكندرية، إذ أقامت العديد من الفعاليات والأنشطة واللقاءات العلمية في مكتبة الاسكندرية ومكتبة القاهرة الكبرى ولقاءات متبادلة مع هيئة الكتاب، كما أن مركز الفهرس العربي الموحد تضمن العديد من المكتبات لمصرية العامة، ومكتبات الجامعات، بالإضافة إلى عقد عدد من الدورات التدريبية للعاملين في المكتبات المصرية لتأهيل العاملين ومدراء المكتبات للعمل بجودة عالية على المعايير والتقنينات الدولية التي اعتمدها الفهرس العربي الموحد، حرصا على تشكيل محتوى ثقافي عربي شامل يسهم في التنوير وإثراء الحياة العربية بالمزيد من عناصر الثقافة والمعرفة.
مشاركة :