إنَّ صلةَ البحثِ العلميِّ بالكتابِ ما زالت وثيقةً، على الرغم من كل الظروف الصعبة التي يمر بها البحث العلمي، والمكتبة العربية عموماً. ومع ذلك فالبحث العلمي والكتاب بينهما صلة خاصة، ورَحِمٌ ماسة، وهما وجهان لعملة واحدة، ولا نبالغ إذا شبّهنا تلك العلاقة في ترابطها وتلاحمها بعلاقة الروح والجسد. لقد ظلّت المكتباتُ لأزمنةٍ طويلةٍ ومتعاقبة موئلاً للبحث العلمي، وحضناً دافئاً للباحثين في شتى تخصصاتهم، وما فَتِئت صامدةً إلى يومنا هذا، مع وجود تلك الأمواج الهادرة التي تقاذفتها في خضم (الثورة المعلوماتية) المتلاطم، فكان أن فترت المكتبات الورقية، وخفت نورُها، وقلَّ مرتادوها، حتى لقد أضحت بعض مكتباتنا اليوم أبنيةً خاوية، وأوعية خالية، وكأنما استحالت إلى متاحفَ وآثار. والحقُّ أنَّ البحث العلمي تأثر بهذا التحول، فوقع حائراً بين المكتبات الورقية، والإلكترونية، وهنا يظهر السؤال الأهم في هذه القضية: هل نرثي هذا الواقع المؤلم، ونندبه؟ أم علينا التكيّف من جديد مع بيئة جاذبة للبحث العلمي تؤاخي بين المكتبات الورقية، والمكتبات الرقمية؟! لكن فجوة الإشكال تزداد؛ ذلك لأن البحث العلمي في حد ذاته قضية، وأن يضاف إليه مشكلة أخرى (الصراع بين الكتاب الورقي والرقمي) فتلك قضية أخرى، ومع هذا يمكن البحث عن حلول جاذبة تؤاخي بين البحث العلمي، وبيئته (المكتبة) كأن تقوم المكتبات بتوفير بيئةٍ معلوماتية ذكية في أروقتها، وتخصيص مكتبات لوحية، وأرفف ذكية، وردهات ذات مواصفات عالية التقنية، وفق برامج حاسوبية متطورة ومواكبة، ومجهزة بأحدث وسائل الاتصال المعلوماتية. إضافةً إلى تعزيز الجانب (اللوجستي) الذي يخدم الباحثين، ويشجعهم على المكتبات، وذلك بجلب بعض الوسائل الجاذبة، والموارد الداعمة، على سبيل المثال تخصيص (مقاهي للقهوة) داخل المكتبات، أو (أكشاك العصائر والحلوى) وتعزيز الجوانب الجمالية المحيطة كالحدائق، والنوافير، والإطلالات، والغرف الزجاجية، فهذا من شأنه أن يجعل الباحث مقبلاً على المكتبة، مستمتعاً بأجوائها.
مشاركة :