ضمن جولته لعدد من الدول العربية الشقيقة، زار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، جمهورية مصر العربية يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، التقى خلالها بفخامة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي كان في استقباله بمطار القاهرة وعدد من كبار المسؤولين المصريين. وتضمنت الزيارة عقد جولة مباحثات بين سمو ولي العهد وفخامة الرئيس المصري تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين وسبل تعزيزها في مختلف المجالات، فضلاً عن التباحث حول بعض الملفات السياسية ذات الاهتمام المشترك، وذلك في إطار الشراكة الإستراتيجية بين القاهرة والرياض، وجرى التأكيد بين مصر والسعودية على مواجهة التدخلات الإيرانية. وتناولت الجلسة بين ولي العهد والرئيس المصري الأوضاع في المنطقة بشكل كامل وتمت مناقشة عدد من الملفات الاقتصادية العالقة، حيث تم التوصل إلى بدء تسيير الاتفاقيات العالقة بين البلدين، كما جرت مباحثات أيضاً تناولت ضرورة توسع الدول العربية في إفريقيا من مشروعات وتنمية لمواجهة أية توغلات من دول تهدد الأمن القومي العربي. وجدد ولي العهد والرئيس المصري التمسك بالشروط التي وضعتها الدول الأربع (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) لقطر وأن هناك تمسكاً بها ولا تنازل عنها. وقبل مغادرته الأراضي المصرية، قال سمو ولي العهد في رسالة إلى الرئيس السيسي: «لقد أكدت المباحثات التي أجريناها مع فخامتكم العلاقات الأخوية المتميزة التي تربط بين بلدينا، والرغبة المشتركة في تعميق التعاون بينهما في المجالات كافة، وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، في ظل قيادة سيدي خادم الحرمين الشريفين وفخامتكم». وأكد الرئيس السيسي على عمق ومتانة التحالف الإستراتيجي الراسخ بين مصر والسعودية، وأن أمن واستقرار المملكة جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري. وبعث الرئيس المصري برسالة إلى خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز - يحفظه الله- تجدد التزام مصر بأمن الخليج، مشيداً بالتحركات التي اتخذتها المملكة في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. ومن جانبه، قال الكاتب والمستشار الإعلامي محمد بن عبدالله السلامة، إن العلاقة بين الرياض والقاهرة قيادة وشعباً تاريخية وإستراتيجية وأخوية ولها جذور منذ فترة الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود - يرحمه الله-، مشيراً إلى أن زيارة سمو ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - سدد الله خطاه - إلى القاهرة ضمن جولته لدول التحالف العربي والدول الشقيقة، تاريخية تجدد وتدعم وتنقل العلاقة إلى مزيدٍ من التقدم والازدهار، وجاءت في توقيت حساس تمر به المنطقة وتتعاظم المؤامرة على دولها المستقرة؛ المملكة ومصر ودول التحالف. ولفت السلامة إلى أن زيارة سمو ولي العهد لمصر، تعد السادسة منذ عام 2015م وهو مؤشر واضح على خصوصية وتميز العلاقات بين البلدين الشقيقين التي تشهد تناميًا في جميع المجالات، وتدشن مرحلة جديدة من القوة والمشاريع المشتركة والرؤية الموحدة. وأوضح السلامة في تصريحات ل«اليمامة» أنه في عهد الملك سلمان والرئيس السيسي وقفت المملكة سداً منيعاً بكل قوتها أمام المؤامرة الخبيثة لتمزيق الوحدة الوطنية المصرية والدفع بمصر إلى حرب أهلية لخلق الفوضى ونشر الإرهاب ليشمل المحيط العربي برمته. وقال د. محمد حامد، الباحث المتخصص في الشأن العربي، إن العلاقات بين البلدين علاقات إستراتيجية أزلية ثابتة لا يستطيع أحد أن يهزها، وزيارة سمو الأمير محمد بن سلمان إلى مصر جاءت بعد أزمة حاول خلالها خصوم المملكة النيل من سمعتها وكانت القاهرة لها دور رئيسي في صد الهجمة الإعلامية على المملكة، وكان لها مواقف قوية في مساندة المملكة واحترام القضاء السعودي. وأضاف حامد أن زيارة الأمير محمد بن سلمان تأتي في أوج العلاقات المصرية السعودية، في ظل التنسيق المشترك للتصدي للمؤامرات وكل ما يحاك ضد المنطقة، وهناك رمزية كبيرة لهذه الزيارة أن القاهرة ساندت المملكة في الأزمة الأخيرة وأيضاً الرياض ساندت القاهرة في أزمة 30 يونيو ودافعت عنها وكانت صوتها الدبلوماسي. وأكد حامد أن هناك الكثير من الاستثمارات السعودية في مصر، وهناك دعم اقتصادي متبادل، والأمير محمد بن سلمان تحدث بشكل إيجابي في مؤتمر الصحراء منذ أسابيع أن الاقتصاد المصري يتعافى وأنه يتوقع أن يكون الاقتصاد المصري أقوى خلال المرحلة المقبلة. ويرى حامد أن المرحلة المقبلة تتطلب مزيداً من تعزيز الاستقرار وتقليل هشاشة الأمن والسلام في الإقليم، وهذا أمر مطروح في الحوار بين البلدين، إضافة إلى العلاقات مع الولايات المتحدة، وكذلك ملف اليمن وإنهاء الحرب لصالح الكفة العربية والقضاء على جماعة الحوثي الموالية لإيران، إضافة إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وكيفية تسوية القضية بشكل عادل يحفظ للفلسطينيين حقوقهم، وكذلك الأزمة السورية والليبية، وتطابق الرؤية السعودية والمصرية في ملفات عديدة من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة وإنهاء آثار الدور السلبي الذي ولد من جماعة الإخوان وأدوات إيران في المنطقة الآفة المؤثرة على استقرار وسلامة أمن المنطقة، والقاهرة والرياض عليهما دور كبير في هزيمة أدوات الإخوان وإيران. وقال د. إسلام شاهين، أستاذ الاقتصاد والمالية العامة ورئيس القسم الاقتصادي بمركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والأمن القومي بالقاهرة، إن مصر شرفت بزيارة رسمية للأمير محمد بن سلمان، قبل توجهه إلى الأرجنتين لحضور قمة مجموعة العشرين، وقد عقد الرئيس عبدالفتاح السيسي، جلسة مغلقة مع الأمير محمد بن سلمان وتضمنت القضايا السياسية والاقتصادية للمنطقة باعتبار أن مصر والسعودية قوتان إقليميتان مؤثرتان إقليمياً ودولياً، ومن تلك القضايا تجديد قرار التمسك بشروط مصالحة قطر دون تنازل عما تم سابقاً، ومواجهة التدخلات الإيرانية، مع وجود اتفاق مشترك على تسيير الاتفاقيات الاقتصادية وتفعيلها في مختلف المجالات، وتعزيز التعاون المشترك والتنسيق الحثيث مع السعودية على أعلى المستويات لمواجهة التطورات المتلاحقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط حاليًا في إطار الشراكة الإستراتيجية بين القاهرة والرياض، منذ عهد الملك فاروق الأول، وصولًا إلى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي وصفت بأنها علاقات تاريخية صلبة وقوية ومتجذرة. وأضاف شاهين في تصريحات ل«اليمامة» أن تحركات سمو ولي العهد ضمن رؤية 2030، يسعى خلالها لدور طموح وأكبر للمملكة إقليمياً ودولياً في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، يتفق مع مقتضيات الأمن القومي من خلال إصلاحات شاملة في المملكة وتقديم نموذج عالمي رائد في مختلف جوانب الحياة واستغلال واقتناص الفرص المستقبلية لمواصلة الإنجازات، واستمراراً للتعاون والتواصل مع الدول الشقيقة في شتى المجالات سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ودفاعياً وتعزيز علاقات المملكة إقليمياً ودولياً. وإقامة مشروعات شراكة إستراتيجية تقوم على سلسلة من المشاريع الاقتصادية والعسكرية من أجل تعزيز التعاون بشكل أكبر بين أكبر اقتصادين في العالم العربي وكذلك مواجهة التحديات والتهديدات التي تواجه المملكة ومنطقة الشرق الأوسط وتداعياتها على أمن شعوبها واستقرارها. وأكد شاهين أن مصر والإمارات هما الشريكان الأكبر للمملكة العربية السعودية والتي تتسم بدعائم ومقومات متعددة من التفاهم والتعاون والعمل المشترك والمصالح المتبادلة؛ كمشروع إستراتيجية العزم مع الإمارات، ومشروع نيوم ومشروعات الربط الكهربائي، والمشروعات الكبرى مع مصر اقتصادياً وتعليمياً وتجارياً وسياسياً وعسكرياً، خاصة أن العلاقات المصرية السعودية نموذج استثنائي يحتذى للعلاقات الأخوية وبقوة الشراكة الإستراتيجية في عديد من المجالات والتي وصل حجم الاستثمارات السعودية في مصر نحو 27 مليار دولار أي نحو 101 مليار ريال، فيما بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والسعودية في 2017 نحو 2.1 مليار دولار، بحسب بيانات وزارة التجارة والصناعة المصرية، كما تصدرت السعودية قائمة الاستثمارات العربية في مصر ب2900 مشروع موزعة على كل القطاعات الإنتاجية والخدمية. وتوقيع اتفاقية لإنشاء صندوق مصري سعودي للاستثمار وذلك في إطار التعاون وتبادل الرؤى المشتركة بين البلدين. وأشار شاهين إلى أنه من أهم المشروعات المشتركة بين المملكة العربية السعودية ومصر في خط تعمير شبه جزيرة سيناء، ومحور تنمية قناة السويس، وامتدت لتشمل مشروع الربط الكهربائي الذي يهدف إلى الإسهام في تلبية احتياجات الطاقة الكهربائية في مصر والسعودية وتحسين أداء واستقرار الشبكة في البلدين بجهد يصل إلى 500 كيلو فولت من محطة تحويل بدر في مصر إلى محطة تحويل شرق المدينة المنورة مروراً بمحطة تحويل تبوك في السعودية بطول نحو 1300 كيلو متر، وبقدرة نقل تبلغ نحو 3000 ميجاوات. وشدد شاهين على أن السعودية تملك القوة التمويلية والرؤية الطموحة، ومصر لديها الاستقرار السياسي والعمالة المدربة والماهرة في شتى المجالات وستبرز الفرص الاقتصادية للحكومة وللقطاع الخاص العربي التي ستضمنها التوافقات السعودية- العربية لضمان أمن واستقرار المنطقة. ويرى د. طارق فهمي، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن زيارة سمو الأمير محمد بن سلمان للقاهرة تبنى عليها سياسات في الفترة المقبلة على المستوى الثنائي، مؤكداً أن مصر والسعودية والإمارات هي التي تبنى عليها أسس النظام الإقليمي العربي، وأعتقد أنه إذا قدِّر لهذا النظام العربي أن يُبنى على أسس وركائز في مواجهة التدخلات الخارجية فيبنى على أساس هذه الدول، ومن حسن الحظ أن العلاقات جيدة بين الدول الثلاث في هذا التوقيت. وأكد فهمي أن الأمير محمد بن سلمان والمملكة كدولة كبيرة لها علاقات ممتدة لكن ربما تكون جولته في دول عربية متعددة لها بعد عربي قبل زيارته للأرجنتين لحضور قمة العشرين ورسالة مهمة للدول التي سيلتقي ولي العهد برؤسائها وهو يحظى بدعم عربي من كبرى دول الإقليم. وقال فهمي إن المملكة مركز العالم العربي والإسلامي، وبناء عليه هناك حرص مباشر على دعم ولي العهد، وأعتقد أن زيارته لقمة العشرين بهدف لقاء عدد من زعماء العالم، وستبقى السعودية هي الدولة الأهم في الإقليم لاعتبارات سياسية ودينية وإستراتيجية في التوقيت نفسه. وأوضح فهمي أن أهم الرسائل المصرية للإقليم والمجتمع الدولي أن هناك علاقات جيدة بين البلدين وأن المملكة تحظى بدعم مصري وجزء من دعم مصر ارتبط في بدايات الأزمة التي حاول البعض أن يزايد فيها سواء على مزايدة أمنية أو سياسية تجاه المملكة، فكانت هناك اتصالات مباشرة بين الرئيس السيسي والملك سلمان وولي عهده الأمين، ثم الدعم المباشر اللامحدود للأشقاء في المملكة فهناك حرص على استقرار المملكة، ومصر ترى أن استقرار السعودية والخليج جزء من الاستقرار والأمن القومي المصري.
مشاركة :