يحكى أن ملكاً صالحاً عاش بيننا - فهد عامر الأحمدي

  • 1/29/2015
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

العظماء لا يتحدثون عن أنفسهم بل يتركون للتاريخ فرصة الحديث عنهم.. والملك عبدالله - رحمه الله - لم يتحدث يوماً عن نفسه ولم يستعمل كلمة "أنا" إلا لتأكيد مسؤوليته تجاه شعبه (وجميعنا يتذكر جملته الشهيرة: أنا خادم للشعب السعودي).. ترك للتاريخ فرصة الحديث عن إنجازات نقلتنا خلال فترة قصيرة لمسافة أبعد مما كنا نتصور.. كانت طموحاته أكبر من قدرة معظمنا على استيعابها أو إدراك أهميتها.. حين تتأمل إنجازاته تكتشف أن وتيرة التنمية في عهده تضاعفت بنسب غير مسبوقة.. وحين مات؛ ترك لنا إنجازات لم نقطف ثمارها بعد كشبكة القطارات وتوسعة الحرمين الشريفين ومنظومة المدن الاقتصادية وأكثر من مئتي ألف مبتعث لم يتخرجوا بعد.. كان شجاعاً وبعيد النظر أحدث نقلات نوعية وثقافية في حياتنا وحرك رواكد كثيرة في مجتمعنا وكان أول من كسر حاجز الصمت حيال الفقر والفساد وضرورة فتح المجال للمرأة... إن كانت قيمة الإنسان في الحياة تساوي مجموع أفضاله على الناس؛ فكيف لنا أن نحصي أفضال الملك عبدالله على أمته ووطنه وأبناء شعبه.. كيف يمكنك أن تصف رجلاً امتلك قلوب الناس، ومع ذلك طلب منهم بكل تواضع ألا يدعوه "ملك القلوب".. لم أر في حياتي إنساناً يجتمع الناس على محبته مثل الملك عبدالله بن عبد العزيز.. تلمس ذلك داخل بيتك وفي أحاديث الناس من حولك - بل وحتى من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي لم تتفق يوما على رجل واحد!! لن تجد مثل هذه المشاعر الحميمة في غير السعودية كون الملك عبدالله - رحمه الله - كان يتعامل معنا كأبناء وكنا نتعامل معه كأب ونُحدث عنه أطفالنا كملك صالح يعيش بيننا.. لا يمكن لأي مجتمع آخر أن يفهم سر علاقتنا بملوكنا الصالحين لأن الأنسان لا يختار والده من خلال صناديق الاقتراع بل تتعاظم محبته في القلوب حتى تصل لمستوى لا يفهمه الغريب.. حين كنت في اليابان طرح السيد تسوتومو إيشايا (محرر الشؤون الخارجية في صحيفة أساهي شيمبيون) على الوفد الإعلامي السعودي (المرافق حينها لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان) السؤال التالي في حيرة واضحة: - هل يخبرني أحد عن سر حالة الهدوء والسلام التي تعيشها السعودية مقارنة بمعظم الدول العربية التي تمر بحالة من الاضطراب والتصادم الداخلي؟ تطوعت بالإجابة وقلت: "يكمن السر في العلاقة الفريدة بين الشعب والحاكم في السعودية.. فنحن نملك ما يمكن تسميته بالنظام الأبوي حيث ينظر الشعب إلى الملك كأب كريم ونتحدث عنه بهذه الصيغة حتى في مجالسنا الخاصة - وفي المقابل ينظر الملك لشعبه كأبناء يستحقون منه الرعاية والاهتمام.. وحين يملك الإنسان أباً راعياً لا يسعه سوى احترامه وتقديره والحرص على استمرارية علاقته معه - خصوصاً حين لا يرى منه إلا كل خير.. والحقيقة التي لا ينكرها أحد أن هذه العلاقة الأبوية (التي شملت كافة ملوك الدولة السعودية) هي ماحفظ لهذه البلاد أمنها واستقرارها وسلاسة انتقال الحكم فيها.. معظم الدول العربية مرت باضطرابات وفتن ورياح أيدلوجية، في حين ظلت "السعودية" واحة أمن واستقرار بدءاً من عهد الملك عبدالعزيز وانتهاء بتداعيات ما يسمى بالربيع العربي.. عزاؤنا الوحيد أنه كلما مات فينا ملك عظيم، نهض بعده ملك كريم يملك في قلوبنا ذات المحبة والتقدير.. رحمك الله يا أبا متعب.. وسنظل نخبر أطفالنا أن ملكاً صالحاً عاش بيننا..

مشاركة :