كرسيّ الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي

  • 11/30/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

مؤتمرات وندوات تحتضنها البحرين، ولا تزال، منذ 2001؛ مؤتمر البحرين للحوار بين الأديان، المؤتمر العالمي للحوار بين الحضارات، مؤتمر حول تاريخ التسامح الديني في البحرين، وجولات تعريفية بالتسامح الديني والتعايش السلمي في مدن عالمية عديدة تقودها مبادرة “هذي البحرين”، ثمّ “إعلان مملكة البحرين” من لوس أنجلوس الأمريكية نوفمبر2017، فتدشين «مركز الملك حمد العالمي للحوار بين الأديان والتعايش السلمي»، وأخيرا وليس آخرا تدشين “كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي” في جامعة “سابينزا” بروما الإيطالية. وتتواصل المسيرة… تمهيدا للحديث عن أهمية “كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي” حَرِيٌّ بنا أن نعرّف مفهوم كرسيّ البحث في الجامعات وتاريخه؛ إذْ يُقْصَدُ بكرسيّ البحث كلّ مبادرة علميّة متميّزة مُؤَطرة زمنيا وقابلة للتجديد تتأسس على خلق شراكة بين أقطاب ثلاثة: المانح وإدارة الجامعة والباحث العلميّ، وتعدّ الكراسي العلمية في الجامعات من وسائل استكمال منظومات البحث العلميّ والارتقاء بها وتحسين قدرتها على الابتكار. ويُتيحُ الكرسيّ العلمي في الجامعة لصاحبه اختيار نوعية البحوث والدراسات التي تخدم مجال اهتمامه، كما تتيح له صلاحية المتابعة والمراقبة. ويعود تاريخ الكراسي العلمية إلى عصر النهضة الأوروبية خلال القرن 17 ميلاديّ، وتحديدا في إنجلترا حيث كان يعني جائزة مالية لقاء إنجاز علمي مهمّ. وبلغ التنافس في القرن العشرين وحتى اليوم أشدّه في ميدان البحث العلمي والتطوير في مختلف الاختصاصات؛ لذلك اجتهدت العديد من الدول مثل فرنسا واليابان وكندا… في العمل على تعزيز مكانة برامج كراسي البحث العلمي لكي تحافظ هذه الدول على صدارتها في مجال البحث العلمي ويكون لها قصب السبق في الاستفادة من مخرجات هذه البرامج وتطوير مكانتها في مجتمع اقتصاد المعرفة. كما تجتهد اليوم العديد من الدول في آسيا مثل كوريا والهند والصين وماليزيا والمملكة العربية السعودية في الاهتمام بإنشاء كراسي البحث ورعايتها لضمان حصتها في المشاركة في إنتاج المعرفة. أمّا “كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي” فبالإضافة إلى هذه السياقات العلميّة التطويرية، فهو يتنزّل في سياق الفلسفة العميقة للمشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله، ويختصّ هذا الكرسيّ بدراسة تاريخ الأديان وعلوم الأنثروبولوجيا والوساطة الثقافيّة مع التركيز على الحوار بين الأديان، ويضمّ هذا الكرسي ثلاث مستويات هي درجة البكالوريوس في التاريخ والعلوم الاجتماعية والأديان ودرجة الماجستير في دراسات الأديان ودرجة الدكتوراه في الأديان والتأملات الثقافية. ويستمدّ الكرسيّ أهميّته من عدّة نواح أهمّها صاحب المبادرة، فالجامعة المحتضنة للمبادرة فالسياق الحضاري والتاريخي الذي يحفّ بتدشين هذا الكرسي الجامعيّ. أمّا صاحب المبادرة، جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله، فهو يواصل ترصيع السجل الحافل لمملكة البحرين في مجال نشر ثقافة التسامح والتعايش السلمي؛ من منطلق إيمانه بأنّ المحبّة ستعمّ العالم بأسره، مرسّخا بذلك سياسة حكيمة قوامها محاربة الجهل بنشر العلم والمعرفة؛ فالجهل في نظره عدوّ السلام. وهذه النظرة الثاقبة لجلالته ليست وليدة اليوم أو الليلة، وإنما هي سليلة عقيدة ضاربة بجذورها في تاريخ أجداده؛ حيث اختار جلالته منذ تولّيه مقاليد الحكم السير على خطى أسلافه الكرام وذلك بالحفاظ على الهامش الواسع لموروث الحرية الدينية والتعايش السلمي بين أتباع الأديان والمذاهب من أهل البحرين والمقيمين بين ظهرانيهم. أمّا الجامعة، “جامعة سابينزا” فهي أيضا ضاربة بعروقها في تاريخ المعرفة الإنسانية؛ فهي أقدم جامعة في روما مهد الحضارات الأوروبية؛ فلقد تأسست سنة 1303م، وبلغ عدد طلابها عام 2006 ذروته حيث ناهز 147.000 ألف طالب وطالبة، وهي من بين أوّل 30 جامعة أوروبية ومن بين أفضل ثلاث جامعات إيطالية. ويُذكر أنّ العديد من خريجي الجامعة وأساتذتها حاصلون على جوائز علمية وأدبية مرموقة على غرار جائزة نوبل مثل “دانيا بوفه” الحاصل على جائزة نوبل في الطب و”إنريكو فيرمي” الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء ومن أساتذتها والمتخرجين منها رئيس جمهورية إيطاليا الثاني عشر “سيرجيو ماتاريلا” والمسؤولة عن الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي “فيديريكا موغيريني”. ويوجد حاليا بالجامعة أكثر من 150 برنامج دكتوراه، و111 قسما و30 مركزا متخصصا في البحث العلميّ. وأمّا السياق الحضاري والتاريخي لمبادرة “كرسي الملك حمد للحوار بين الأديان والتعايش السلمي” فهو ما يزيدها وهجا وأهميّة؛ إذ لا يخفى على أحد ما آلت إليه الإنسانية اليوم من صراعات مدمّرة تجتاح معظم بلدان العالم بدافع الكراهية والتطاحن الديني والعرقي والطائفي… وإنّه ليموت منّا الآلاف بسبب التفجيرات الإرهابية هنا وهناك، وبسبب الفعل ورد الفعل من هذا لطرف أو ذاك… ورغم الدعوات المتكررة إلى كبح الجماح وإيقاف نزيف العمليات التفجيرية الإرهابية التي تطال الصديق قبل العدوّ، فإنّ الخوف لا يزال قائما لأنّ الحلول الأمنية العاجلة، ورغم أهميتها، كثيرا ما تزيد في تأزيم الوضع؛ لذا صار لزاما الشروع سريعا في إيجاد الحلول الجذرية ولعلّ أهمّها نشر العلم لمحاربة الجهل عدو السلام، وتعزيز ثقافة التسامح والتعايش والاستئناس بالتجارب الناجحة على غرار تجربة مملكة البحرين. إن مملكة البحرين في هذا العهد الزاهر لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، تمثل بارقة أمل ومصدر إشعاع ومنبع إلهام لباقي الدول نظرا لثراء تجربتها مع التعددية الثقافية بين مختلف الأديان والجنسيات والثقافات.

مشاركة :