تزخر سلطنة عمان بالعديد من العادات والإبداعات الفنية والثقافية التي تستوقف كل من يشاهدها لما تحفل به من سمات وتجليات مستوحاة من صميم التراث، ويأتي الاهتمام بالخيل والهجن من الملامح الجميلة التي يعتز بها العمانيون لما ترمز له من أصالة وعز وافتخار. وهم مولعون خاصة بالخيل منذ زمن بعيد، وقد ساهم ذلك في تفننهم في أساليب تربية الخيول وترويضها وتدريبها على شتى أنواع السباقات ورياضات الفروسية، ونجحوا اليوم في إدراجها ضمن لائحة اليونسكو للتراث اللامادي الذي يستدعي الحماية من الاندثار. مسقط – أعلنت سلطنة عمان، الخميس، عن تسجيل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو، عرضة الخيل والإبل التي تشتهر بها البلاد، في قائمتها للتراث الثقافي. وأفادت وكالة الأنباء الرسمية أن اليونسكو سجلت رسميا الاستعراض التراثي الشهير في قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية، كملف منفرد للسلطنة. وقال الخبير الدولي سعيد بن سلطان البوسعيدي وممثل السلطنة في اللجنة المسؤولة عن تقييم ترشيحات الإدراج في قائمة التراث الثقافي، أن الملف تم تقديمه إلى اللجنة الدولية كملف منفرد يسجل باسم السلطنة، ليضاف إلى 7 ملفات من الفنون والمفردات العمانية المدرجة ضمن تلك القائمة الدولية التي تشمل 5 ملفات مشتركة؛ التغرود، العيالة، الرزفة الحماسية، والفضاءات الثقافية للمجالس والقهوة العربية، وملفين منفردين؛ العازي والبرعة وأشار، إلى أن الملف يحوي مسميات العرضة وآداب ممارستها وآليات صونها والجهود الحكومية والأهلية للحفاظ عليها، والتعريف بفن التحوريب (القصيدة التي تفتتح بها عرضة الخيل وتنتهي بها) إضافة إلى التعريف بفن الهمبل، وهو شعر يلقى على ظهور الهجن في وصف مناقبها كصافرة لبدء العرضة.ركض عرضة الخيل والهجن إرث ثقافي تتوارثه الأجيال المتعاقبة في المجتمع العماني تشارك فيه النساء والرجال، وهو جزء من ثقافة المجتمع في الحضر والبادية ارتبط بالعديد من المناسبات التي تقام في المجتمع العماني. وتشهد عرضة الخيل والهجن مشاركة شعبية كبيرة من قبل مختلف الأفراد، ويتم تنظيمها للتعبير عن الاحتفاء والفرحة بتلك المناسبات والاحتفال بمقدم الضيوف وتساهم في تواصل أبناء المجتمع من خلال تجمعهم في مكان واحد، وفيها من الألفة والاحترام والنظام. وتمثل العرضة استعراضا لبراعة العماني والعمانية في ترويض الخيل والإبل والاهتمام بها وتدريبها، وتؤكد مدى الاهتمام والرعاية التي تلاقيها الإبل والخيل من قبل أصحابها وحرصهم على تأهيلها والعناية بها. وتقام العرضة التي تصاحبها مجموعة من الفنون التقليدية، وتمارس سواء بالإبل أو الخيل أو كليهما في العديد من المحافظات، وهناك العديد من المؤسسات الحكومية والأهلية التي تحرص على إقامتها، وقد أنشئت العديد من الميادين الحديثة التي تقام فيها العرضة، وتمّت العناية بالخيل والجمال للمشاركة بها، كما تم إنشاء مدارس ومراكز تدريب حكومية لتعليم العرضة والفروسية وغيرها من النشاطات. وعرضة الخيل والهجن فن من الاستعراض يقوم الفرسان أو راكبو الجمال من خلاله بعروض تعكس مهارة الإنسان العماني في التعامل مع الهجن والخيل لترويضها، والتناغم بين الفرسان أثناء أدائها. وتبدأ العرضة بدخول الخيل أو الجمال أو كلاهما معا في شكل صفوف ترحيبية، وتكون بكامل زينتها وجمالها. ويردد الفرسان أو راكبو الجمال فنونا شعبية وأبياتا شعرية تسمى بالهمبل، وهم على ظهورها، بعدها تبدأ فقرة المحورب، وهي المشي بالخيول والإبل في الميدان ببطء بشكل طولي حيث يتقدم كبار السن ثم يليهم الشباب.من شروط العرضة، دخول الخيول في المقدمة تليها الهجن إذا كان الاستعراض مشتركا، تلي هذه المرحلة ركضة العرضة حيث تكون الخيول في خط مستقيم متساو، ويقوم الفرسان بلقطات متنوعة كالوقوف على ظهور الخيل والتشابك بالأيدي لإظهار براعتهم وقدراتهم. أما الجمال، فتكون باركة على الأرض وتنطلق مباشرة عند ركوب المشارك على ظهرها، وتسمى هذه العملية بـ”الزجر”، وتنتهي العرضة بالتنويم، وهو نوع من المهارة لدى المشاركين تظهر العلاقة والانسجام مع الخيل والإبل، والقدرة على ترويضه. ولممارسي هذا الفن أدوارهم ومهامهم الخاصة، فإضافة إلى الفرسان وراكبي الإبل الذين يقومون بتقديم العروض، نجد مربي الهجن والخيل، ومهمتهم إعداد الإبل والخيول للعرضة، وذلك بتدريبها والعناية بها، كما تناط إليهم مسؤولية تدريب الشباب. ويقوم أصحاب ميادين الاستعراض أو المنظمون بتجهيزها وتنظيم قدوم الجماهير والمشاركين، كما نجد مقدمي الفنون الشعبية، ومنها الهمبل ومحورب الخيل، وأيضا صناع الأدوات التقليدية المرتبطة بالعرضة فالأفراس أو الإبل تنزل الميدان بكامل زينتها التي يقوم بصناعتها حرفيون عمانيون. وأثبتت العمانيات قدرتهن على القيام بدور الفروسية الحقيقية، فضلا عن تمتعهن بقدر كبير من المهارة في تقديم أفضل العروض على صهوات الخيول، كالقيام بحركات صعبة مثل الوقوف على ظهر الحصان وهو يجري بسرعة كبيرة. يقول ناصر بن سالم الصوافي مدير دائرة التراث الثقافي غير المادي بوزارة الثقافة لوكالة الأنباء العمانية، “إن هناك العديد من النتائج التي ستترتب على إدراج فن عرضة الخيل والهجن في قائمة التراث العالمي غير المادي للإنسانية من حيث مساهمته في العناية بالتراث غير المادي، إذ تضم العرضة العديد من مفردات هذا التراث، فإلى جانب ركوب الخيل والهجن يتم تقديم فنون الهمبل والمحورب وغيرهما من الفنون التقليدية العمانية، مما يسهم في التعريف بها، إضافة إلى تسليط الضوء على أهمية هذا الإرث بالنسبة للمجتمع ويجعل أبناءه أكثر انتماء وتمسكا بتراثهم. ويضيف أن “العرضة مناسبة تحظى بالكثير من المشاركة والحضور الجماهيري من داخل السلطنة وخارجها، فمن خلالها يتم تعرّف الجمهور على هذه المفردة كتراث ثقافي غير مادي”. تناسق على جناح السرعةتناسق على جناح السرعة وإدراج العرضة المرتبطة بالخيل والهجن على قائمة اليونسكو يساهم في رفع مستوى الوعي بهذا الإرث على المستوى الإقليمي والدولي لوجود العديد من عناصر التراث غير المادي المرتبط بالخيل والهجن في العالم، كما سيوفر أرضية جيدة للحوار وتبادل الأفكار بين المشاركين باعتبارها مناسبة اجتماعية ووطنية ترتبط بها العديد من الفنون والصناعات التقليدية والعادات والتقاليد وتحظى بمشاركة واسعة من قبل العديد من فئات المجتمع. ويوضح أن “إدراج العرضة يساهم أيضا في رفع الأهمية بهذا المجال وسيشجع على التواصل بين مختلف الممارسين للعرضة، ولغيرها من فنون التراث غير المادي المرتبطة بها، وسيساهم في إيجاد مدارس متخصصة لتدريس التراث غير المادي، باعتبار أن العرضة مناسبة لإظهار مهارة الفارس وراكب الهجن في العروض التي يتم تقديمها، والتي يسبقها تدريب في العديد من المدارس التي يتم فيها التأهيل والتدريب والتي تحرص على تبادل الأفكار في ما بينها”. ويبين الصوافي، أن القبول الذي تلاقيه العرضة لدى أبناء المجتمع سواء من خلال المشاركة في الأداء أو الحضور أو المتابعة ينسجم ومتطلبات التنمية المستدامة، فهناك العديد من الجوانب التي تظهرها العرضة وتساهم في تنميتها كممارسة الفنون الشعبية والحفاظ على الهوية الثقافية العمانية، كما أنها تساهم في جعل الموروث الثقافي قابلا للتنمية من خلال توظيفه ليكون مناسبة تشهد رواجا سياحيا وحضورا جماهيريا مع الحفاظ على طابعه الأصلي وهويته المجتمعية، كما أن حرص الحكومة على إقامة مهرجانات العرضة وتفاعل الشباب معها يدل على القبول الذي تلاقيه هذه المفردة الثقافية وعلى أهميتها في إشاعة روح من التفاهم والمحبة بين أبناء المجتمع. ويشير، إلى أن العرضة من الفنون المرتبطة بالخيل والهجن، فإدراج العرضة باسم السلطنة سوف يلقي الضوء على العديد من مجالات الإبداع الإنساني، فمهارات الخيل والهجن والصناعات الحرفية والفنون التقليدية كلها عناصر تعكس الإبداع الإنساني، وتساهم في توظيف المقدرات الفكرية للإنسان. وأكد أن عرضة الخيل والهجن ستحظى بالمزيد من الأهمية والاهتمام، وقد قامت الحكومة خلال الفترة السابقة بالعديد من الإجراءات التي ساهمت في الحفاظ عليها والترويج لها ونقلها إلى الأجيال المتعاقبة، وهناك العديد من النشاطات والبرامج التي تهدف إلى استمرارية وحماية هذا الفن.
مشاركة :