أجمع دبلوماسيون أوروبيون على أن إنشاء آلية مالية لمواصلة التعامل مع إيران يواجه تعقيدات شديدة وأنها لن تكون في النهاية سوى محاولة لحفظ ماء الوجه، لأنها لن تشمل صادرات النفط ولن تحصل على إيرادات مالية لمقايضتها بالسلع الأوروبية، إضافة إلى امتناع الشركات الكبرى على الاستفادة منها. باريس - تتجه فرنسا وألمانيا لتولي المسؤولية المشتركة لآلية تجارية بين الاتحاد الأوروبي وإيران لتقليص مخاطر العقوبات الأميركية إلى أقل مستوى ممكن، بعد أن تهربت جميع الدول الأخرى من تحمل أعباء استضافتها. وتحاصر الشكوك فعالية تلك الآلية بسبب استبعاد حصولها على عوائد من صادرات النفط لمبادلتها بسلع، وكذلك إجماع الشركات الكبرى على اختيار حماية مصالحها مع الولايات المتحدة على التعامل مع طهران. ويرى محللون أن الاتحاد الأوروبي مضطر لإنشاء تلك الآلية لحفظ ماء الوجه لا أكثر في محاولة لتفادي انهيار الاتفاق النووي العالمي مع إيران. ويقول دبلوماسيون إن المناورة الفرنسية الألمانية هي أسلوب من أساليب استراتيجية توزيع أعباء ردود فعل واشنطن على أكثر من دولة لتجنب استهدافها بالعقوبات الأميركية التي أعيد فرضها على إيران. وأكدوا أن التهديدات الأميركية بمعاقبة منتهكي العقوبات دون هوادة، ترجح تقليص أهداف الآلية التجارية الوليدة لتقتصر فقط على عناصر أقل حساسية مثل المنتجات المستخدمة لأغراض إنسانية والمنتجات الغذائية. ميغيل أرياس كانيتي: نعمل على تطوير آلية محددة الغرض لكن الأمر شديد التعقيد وليس سهلاميغيل أرياس كانيتي: نعمل على تطوير آلية محددة الغرض لكن الأمر شديد التعقيد وليس سهلا وقد يكون ذلك أقل مما يأمل به المعتدلون في إيران للتصدي للمتشددين المناوئين للغرب الذين يطالبون بالتخلي عن الاتفاق النووي المبرم في عام 2015، والذي يعارضونه منذ البداية. ونسبت رويترز إلى دبلوماسي فرنسي كبير قوله إن “الآلية المحددة الغرض للتجارة مهمة للإيرانيين، لكن الأهم بالنسبة لهم هو ضمان صادراتهم من النفط في الأمد الطويل”. وأضاف “لا شيء من الإجراءات التي نسعى لتطبيقها سيصنع معجزات، لكن ما نحاول القيام به هو اتخاذ سلسلة إجراءات لإقناع الإيرانيين بالإبقاء على التزاماتهم النووية. ذلك هو هدفنا”. وتقود فرنسا وألمانيا وبريطانيا، الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران، الجهود اليائسة للحفاظ على منافع طهران الاقتصادية من الاتفاق منذ انسحاب الولايات المتحدة منه في مايو الماضي. وشمل ذلك حزمة إجراءات لإظهار حسن نية أوروبا لإيران، وستكملها الآلية المحددة الغرض، وهي عبارة عن دار مقاصة تتجنب التحويلات النقدية بالدولار بين الاتحاد الأوروبي وإيران. وكان الهدف أن تكون الآلية المحددة الغرض سارية من الناحية القانونية بحلول فرض العقوبات النفطية على إيران في الخامس من نوفمبر، لكنها لن تدخل حيز التطبيق حتى العام المقبل. وقد رفضت النمسا ولوكسمبرج استضافة الآلية كما تفادت ذلك جميع الدول الأخرى خشية الوقوع تحت طائلة العقوبات الأميركية، ما أجبر فرنسا وألمانيا وبريطانيا على العودة لمراجعة الخطة من جديد. وقال دبلوماسي أوروبي إن “ما يشاع حاليا هو أن فرنسا أو ألمانيا ستستضيفان الآلية أو تشرفان عليها”. وأضاف “الفرنسيون هم الأكثر إلحاحا والألمان أكثر حذرا، لكن في الوقت ذاته لا يرغب الفرنسيون في تحمل أعباء الآخرين”. وذكر دبلوماسيان أنه إذا تولت باريس وبرلين الإدارة المشتركة للآلية، فقد يثني ذلك إدارة ترامب عن مواجهة حليفين رئيسيين للولايات المتحدة بشكل مباشر. ولا تزال بريطانيا تدرس كيفية مساهمتها، لكن تقيدها عملية الخروج المرتقب من الاتحاد الأوروبي وحقيقة أن الآلية ستتعامل باليورو وليس بالجنيه الاسترليني البريطاني. وكشف دبلوماسيان آخران أن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان أبلغ وزراء التكتل في اجتماع مغلق في بروكسل يوم 19 نوفمبر أن باريس وبرلين تعملان معا على نحو وثيق لإنجاز شيء بحلول نهاية العام. ومن المقرر أن يناقش وزراء مالية فرنسا وألمانيا وبريطانيا الآلية التجارية المحددة الغرض على هامش قمة مجموعة العشرين المنعقدة في الأرجنتين وفقا لمصدر بوزارة المالية الفرنسية. وتهدف الآلية الأوروبية إلى الالتفاف على العقوبات الأميركية من خلال مقايضة صادرات النفط والغاز الإيرانية بمشتريات السلع الأوروبية. لكن يبدو أن تلك الطموحات قد انحسرت، حيث أكد 4 دبلوماسيين أن استخدام الآلية قد يقتصر في الواقع على تجارة أصغر حجما ربما تتسامح معها إدارة ترامب، كالمنتجات المستخدمة لأغراض إنسانية والمنتجات الزراعية على سبيل المثال. وردا على سؤال بشأن ما إذا كان بمقدور الآلية التعامل مع مبيعات النفط في نهاية المطاف، اكتفى مفوض الاتحاد الأوروبي المعني بشؤون الطاقة والمناخ ميغيل أرياس كانيتي بالقول إن العمل مستمر. وأضاف أن “تطور الآلية شديد التعقيد. الأمر ليس سهلا”. طهران تؤكد أن أوروبا ستتخلى عنها لأن مصالحها مع إيران مجرد قطرة مقارنة بمصالحها مع واشنطنطهران تؤكد أن أوروبا ستتخلى عنها لأن مصالحها مع إيران مجرد قطرة مقارنة بمصالحها مع واشنطن ويقول دبلوماسيون إن العمل لا يزال جاريا لاستكمال النواحي القانونية والفنية للآلية، مثل هيكل الملكية والدولة التي تستضيفها والبنية التحتية المصرفية التي تستخدمها إن وجدت. كما قال مصدر مطلع على المباحثات إن المفوضية الأوروبية تستطلع رأي واشنطن بشأن الآلية المحددة الغرض. وحذر مسؤولون أميركيون مرارا من أن البنوك والشركات الأوروبية التي تشارك في الآلية ستتعرض للخطر. وقال دبلوماسي فرنسي إن استمرار مبيعات النفط للهند والصين، المستهلكين الكبيرين للطاقة، قد يكون كافيا في الوقت الحالي لإرضاء إيران مما يقلل من الحاجة لأن تشمل الآلية المحددة الغرض تجارة النفط مع أوروبا على الفور. لكن دبلوماسيا آخر بالاتحاد الأوروبي كان أكثر صراحة، حيث قال إن المساعي الأوروبية رمزية وإن أي قرار لإيران بالبقاء في الاتفاق النووي سيكون في النهاية قرارا سياسيا ولا يستند إلى الإجراءات الأوروبية. وأكد مسؤولون إيرانيون لنظرائهم الأوربيين في اجتماعات عُقدت في الآونة الأخيرة أنهم يتعرضون لضغوط من رجال دين والجهات الأمنية المتشددة وأشاروا إلى احتمال خروج إيران من الاتفاق في الأسابيع المقبلة وما يترتب على ذلك من تداعيات. ونسبت وكالة رويترز إلى علي أكبر صالحي رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية قوله إن “أولوياتنا هي أن نكون قادرين على استخدام نظام مصرفي من نوع ما للتعاملات المالية وأن نستطيع بيع نفطنا”. وأضاف “إذا لبت الآلية المحددة الغرض الأولويتين اللتين ذكرتهما للتو… فحينها قد تكون مقترحا عمليا بالطبع، ويمكن أن تكون مفيدة في إبقاء الاتفاق قائما”. لكن مسؤولا إيرانيا كبيرا مقربا من المتشددين ذوي النفوذ في القيادة الإيرانية قال إن طهران تهدر وقتها “بالرهان على الحصان الخاسر”. وأضاف أن “الاتحاد الأوروبي سيفكر في مصالحه. حجم التجارة مع إيران يمثل قطرة بالمقارنة مع محيط التجارة للاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة. سيتخلون عنا في نهاية المطاف. علاوة على ذلك، ما الذي كسبناه حتى الآن؟ مجرد كلام”.
مشاركة :