تراجيديا عراق ما بعد 2003

  • 12/2/2018
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

لا أنا ولا أنت ولا أي أحد يظلّله سقف يمكن أن يشعر بمعاناة نازح يسكن وعائلته خيمة.. لا يمكننا كذلك حتى وصف ألمه وهو يرى طفله يرتجف من البرد، وهذا شتاء العراق ينذر بأمطار أشدّ وسيول أقوى وعواصف لا يعلمها إلا الله. مخيمات النزوح في محافظة نينوى أصبح وضعها أكثر من مأساوي بسبب الأمطار الغزيرة التي أتلفت الخيام البالية أصلا والتي مضى على نصبها أكثر من سنتين، والنازحون من الأطفال والنساء وكبار السن بلا مأوى في ظل البرد والأمطار. ونحن نستخدم، هنا، مصطلح نازحين، مع علمنا أنه مصطلح دبلوماسي يطلق على ضحايا داعش والحشد الشعبي، الذين أخرجوا من ديارهم عن طريق القوة القاهرة. تقول أحدث المعلومات إن عدد الخيم المتضررة بكارثة السيول في محافظة نينوى وحدها كان 5 آلاف و204 خيمات، ‏العدد الأكبر منها كان في مخيم المدرج، إذ بلغ عددها 4 آلاف و276 خيمة، بما نسبته 85 بالمئة من المخيمات الخارجة عن الخدمة، مخلفة 20 ألف عائلة من دون مأوى، مع 1500 عائلة تنام في العراء، وينذر اختلاط مياه الأمطار مع المياه الثقيلة بكارثة صحية للعائلات النازحة. والواقع، أن المخيمات هي قضية الفصول الأربعة، وقد مرت سنوات والنازحون ماكثون في المكان نفسه.. إنهم لاجئون في بلدهم وهذا هو الإيلام والزمن الضنين فالاغتراب أشدّ مضاضة من الغربة، ولك أن تتخيل طفلا رضيعا بلا غذاء، والمدارس أصبحت أمنية ولا قلم ولا كتاب، إنهم أناس محرومون من أبسط الحقوق وأولها حق الحياة وحق العيش والكرامة والتعليم والأمن. المكان المنكوب للمخيمات أصبح لوحة تجريدية لا شيء فيها ينتمي إلى الحياة.. والنازحون محرومون من الحقوق كافة. وفي اللحظة التي كانت الكارثة تضرب المخيمات، انشغل مجلس النواب العراقي بالدعوة إلى استحداث مخصصات جديدة أو إضافية تحت بند السكن، ويجلس النائب عن محافظة نينوى أحمد عبدالله الجبوري تحت سقف بيته الآمن ليصف الأوضاع في مخيمات النازحين بالمحافظة بـ”المأساوي”، وذلك “بالتزامن مع هطول كميات كبيرة من الأمطار، وهو الذي كان بالأمس يستجدي أصوات النازحين ليفوز بمقعد، وكأن الفوز ينتهي عند تغريدة يكتبها في تويتر فقط”. اتهم جمال الكربولي، رئيس كتلة الحل بالبرلمان، المسؤول السابق عن ملف النازحين بأنه أهدر مليار دولار على خيم ومواد إغاثة بائسة في مخيمات شبيهة بمعتقلات اللجوء التي تضعها الدول على الحدود، واصفا مخيمات النزوح بأنها تغرق بأهلها شتاء وتصليهم لهيب جهنم صيفا، وبيوتهم ما زالت خرائب تنعق فيها الغربان، متسائلا: أين مليار النازحين؟ يأتي هذا مع إعلان اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عن “وجود 3 ملايين و200 ألف طفل لا يحصلون على التعليم بشكل مستمر في العراق”، ومع تصدر العراق قائمة الدول الأقل أمنا في العالم للعام 2018، بحسب مؤشر السلام العالمي. وفي وقت ذكرت منظمة الهجرة الدولية أن عدد النازحين في العراق وصل إلى مليون و87 ألف نازح عراقي لم يعودوا، حتى الآن، إلى مناطق سكنهم الأصلية، يؤكد مسؤول رفيع في وزارة الهجرة العراقية أن العدد أكثر من المعلن في دراسة المنظمة. وتشير دراسة المنظمة إلى أن العراق شهد في أبريل 2016 ذروة موجة النزوح، حين اضطر نحو 3 ملايين و42 ألف مواطن، إلى الفرار من مناطقهم، بعد تصاعد الحرب ضد تنظيم الدولة في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وغيرها. الاغتراب أشدّ مضاضة من الغربةالاغتراب أشدّ مضاضة من الغربة وتزداد التحديات التي تواجه النازحين في العراق الموزعين على محافظات الأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين وفي إقليم كردستان وبادية النجف، مع بداية فصل الشتاء، واستمرار التغافل الحكومي والدولي عن مأساتهم، فغالبيتهم يسكنون في معسكرات نزوح غير صالحة للحياة الإنسانية وغير متوفر فيها أبسط الاحتياجات التي تعينهم على الصبر وتحمل الظروف غير الاعتيادية التي يعانون منها. وانتشر، مؤخرا، مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لرب أسرة يقترح على الحكومة، وهو يرى غرق مخيمات النازحين بالسيول التي أتلفت حتى المواد الغذائية، التي يقتاتون عليها، أن تسمم المياه التي يشربها النازحون لترتاح وتريح، في إشارة إلى أن الحكومة لم تقدم شيئا للنازحين في محنتهم مع الأمطار والسيول وانشغالها بتحقيق المزيد من الامتيازات لأعضائها. وأثبتت السنوات الماضية أن الحكومة، عبر وزارة الهجرة والمهجرين، لم تكن في مستوى الحدث، وربما اقتصر دورها على تقديم بعض السلاّت الغذائية، وهذا لا يكفي لإنهاء معاناة أكثر من 3 ملايين نازح لأنهم في حاجة إلى حلول جذرية تنتشلهم من واقعهم المرير، وليس إلى سلاّت غذائية تبقيهم على قيد الحياة، ويتهم نازحون الحكومة بعدم امتلاك رؤية واضحة لإعادتهم أو إعمار مناطقهم المدمرة. ووسط هذه الأوضاع المزرية وصل الإهمال والاستخفاف والمتاجرة الحكومية بمعاناة النازحين إلى درجة توزيع مواد منتهية الصلاحية، وهو ما أكدته مؤسسات معنية بحقوق الإنسان، ومنها اتهام المفوض في المفوضية العليا لحقوق الإنسان (وحدة الجميلي) لفرق بوزارة الهجرة بتوزيع مواد غذائية منتهية الصلاحية ومن النوعيات الرديئة والمتعفنة على النازحين في مخيمات (الشهامة والكرامة) في محافظة صلاح الدين. والغريب، أن العراق الذي كانت يده ممدودة لتقديم المساعدات إلى كل منطقة تضربها الكوارث في العالم، وُوجهت كوارث شعبه بالصمت المطبق. ثم ماذا لو أوقف صرف مخصصات الرئاسات الثلاث لشهر واحد وتحولت إلى النازحين؟

مشاركة :