تعمل القوات الأميركية في سوريا على إنشاء خمسة أبراج مراقبة على المناطق الحدودية السورية – التركية، 3 منها في تل أبيض و2 في عين العرب كوباني، سيعقبها إنشاء أبراج مماثلة في رأس العين وعامودا والدرباسية؛ وذلك بعد تنسيق مع حلفائها في التحالف الدولي، فرنسا وبريطانيا، إضافة إلى قوات سوريا الديمقراطية، في اجتماع جرى في عين عيسى شمال الرقة. إضافة إلى ذلك، عززت واشنطن مواقعها في شرقي الفرات، المنطقة الأهم اقتصاديا واستراتيجيا، وأرسلت إلى حلفائها، قوات سوريا الديمقراطية، تعزيزات تضم مئة شاحنة تحمل معدات عسكرية ولوجيستية وسيارات دفع رباعي، وشاحنات محمّلة بالوقود وسيارات قادمة من إقليم كردستان العراق عبر معبر سيمالكا إلى مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي في الحسكة. جاءت هذه الإجراءات الأميركية الميدانية لتعزيز قدرة قوات سوريا الديمقراطية في المعارك ضد تنظيم داعش، بعد استعادة الأخير لكامل المواقع التي خسرها في جيبه الأخير في هجين بمحافظة دير الزور. لكن هذه الخطوات لاقت انتقادا تركيّا حادا، إذ بددت مساعي أنقرة المتواصلة لإقناع حليفتها واشنطن، بعد انفراج العلاقة الأخير بينهما، بالتخلي عن حلفائها من قوات سوريا الديمقراطية، وما يمثلونه من امتداد لتنظيم حزب العمال الكردستاني، المصنف إرهابيا لدى تركيا والولايات المتحدة أيضا، واستبدالهم بحلفاء عرب لدى مناطق نفوذها، وينتمون إلى المناطق الشرقية. منذ تقاربها مع واشنطن، بعد الإفراج عن القس الأميركي المحتجز أندرو برانسون، قامت تركيا بتحركات ميدانية، وقصفت مواقع لوحدات الحماية الكردية، من أجل الضغط على الولايات المتحدة لتغيير موقفها من الأكراد، وهددت باجتياح شرق الفرات، كما عفرين وجرابلس، لتأمين حدودها، وعززت نقاط مراقبتها الـ12 في إدلب وريفي حماة وحلب؛ وبالأصل تحالفها مع روسيا وإيران ضمن اتفاقات خفض التصعيد في أستانة، يشكل ضغوطا على الولايات المتحدة الأميركية، خاصة بعد تغيير الأخيرة لاستراتيجيتها في المنطقة، بعد تسلّم جيمس جيفري منصب المبعوث الخاص إلى سوريا، إلى البقاء في سوريا، للتضييق على إيران، واستعادة مكانة الولايات المتحدة في محاولة لقطع للطريق أمام روسيا لملء الفراغ الذي تركته واشنطن، والتفرد، على الأقل، بصياغة وترتيب الملف السوري. تتصرف الولايات المتحدة في سوريا كدولة عظمى، تريد التحكم في جملة الملفات المعقدة، وأن تخلق التوازنات والضغوط على كل الأطراف ذات المصالح المتشابكة والمتعارضة في الكثير من الأحيان، من أجل حلحلة هذه الملفات بما يحقق مصالحها. من هنا فإنها، وعبر خطوات الدعم العسكري واللوجيستي لحلفائها المحليين، تعلن تمسكها بهم، ليكونوا أدواتها في تحقيق مصالحها؛ فإلى جانب القضاء على فلول تنظيم داعش في معقله الأخير في هجين، تعمل الولايات المتحدة على تضييق الخناق على إيران في سوريا، عبر ضمان استمرار سيطرة حلفائها المحليين على الأرض في منطقة استراتيجية، من حيث أنهم يقطعون طرق الإمداد بين طهران وبغداد وصولا إلى الداخل السوري ولبنان. كما قامت واشنطن بتعزيز قاعدة التنف ورفدها بعسكريين ومدرعات، باعتبارها قريبة من مناطق نفوذ ميليشيات إيرانية في أقصى شرقي دمشق وجنوب شرقي حمص. وتريد واشنطن الحصول على مكاسبها من الغلة السورية، حين التوصل إلى تسوية، عبر ضمان مشاركة حلفائها في قوات سوريا الديمقراطية بالحكم، بلامركزية موسعة على الأقل، إن لم نقل تحقيق الفيدرالية التي يرغبون بها. حسب الرؤية الأميركية، فإن التركيبة الحالية لقوات سوريا الديمقراطية الكردية – العربية، تناسب مرحلة الحرب، لكنها غير ملائمة لمرحلة الاستقرار، خاصة مع الصراعات الداخلية فيها، العربية – الكردية؛ يضاف إلى ذلك استفزاز تركيبة قوات سوريا الديمقراطية للحليف التركي، بسبب وجود المكون الكردي الموالي لتنظيم حزب العمال الكردستاني. من هنا، تتركز الرؤية الأميركية على إحداث تغييرات ضمن قوات سوريا الديمقراطية، بإعادة هيكلتها أمنيا وعسكريا وديموغرافيا وأيديولوجيا؛ حيث تعتزم الولايات المتحدة تدريب 30 ألف مقاتل جديد لقوات سوريا الديمقراطية، وتسعى إلى تخفيف حدة “النَفَس اليساري والماركسي” للعناصر الكردية المتواجدة فيها، وإدخال عناصر عربية، والأهم من ذلك فصلها كليا عن الجانب التركي، أي عن مقاتلي حزب العمال. نقاط المراقبة الجديدة غرضها إحداث هذا الفصل، بين المكونين، الكردي السوري والكردي التركي، إضافة إلى منع مرور داعش إلى الأراضي التركية، وتأمين حدود تركيا. وأعلنت واشنطن عن تقديم 12 مليون دولار أميركي مكافأة لتسليم ثلاثة من كبار قادة حزب العمال الكردستاني، لإقناع أنقرة بجدوى مساعيها في الفصل بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني في الجانب التركي، ومقاتلي الوحدات الكردية. حققت تركيا إنجازات كثيرة في الملف السوري، لكنها عاجزة عن الحفاظ عليها واستثمارها بما يقوّي موقعها كدولة إقليمية قوية في المنطقة، لسببين: الأول أنها حققت كل ذلك عبر استثمارها في خلافات الأطراف المتنازعة، فاتفاق إدلب كان متوافقا مع الرغبتين الأميركية والأوروبية، وتمت مباركته في قمة إسطنبول الرباعية مع روسيا وفرنسا وألمانيا، بعد التقارب مع الولايات المتحدة، وأكدت الدول الضامنة في أستانة 11 على وحدة سوريا. والسبب الثاني، أن عقدة الملف الكردي هي هاجسها الأوحد الحاضر دوما في سياساتها، والذي دوما يطيح بكل جهودها التي قدمتها في الملف السوري، لتصب في مصلحة حلفائها؛ وهي قدمت الكثير: حيث احتضنت المعارضة السياسية والعسكرية، والآن تدعم وتموّل تشكيلات سورية كبيرة في غصن الزيتون ودرع الفرات، وتسعى لضم فصائل إدلب المعتدلة في “الجيش الوطني” التابع لها. وبالتالي حتى تخرج من أزمتها وتستثمر في ما قدمته في الملف السوري، عليها التخلص من عقدتها الكردية، والانفتاح على الإجراءات الأميركية بخصوص أكراد سوريا، أو ربما التفكير بسياسات أكثر انفتاحا وسلمية تجاه حزب العمال.
مشاركة :