عاش الشعر العربي منذ العصور الماضية بين مد وجزر، وقد كشفت تلك العصور الكثير من الأسباب التي تجعل الشعر يعيش ركودًا وفي بعض الفترات ينفض عنه الغبار ويتحرك وبعد فترة يعود إلى الركود. في عصرنا الحاضر هناك العديد من الشعراء غير المعروفين على الساحة المحلية ولم ينشروا أي إنتاج لهم في الصحافة المحلية أو يقابلوا جمهور الشعر وجهًا لوجه رغم أن جمهور الشعر لم يعد لهم وجود أو تأثير في مسار الكثير من التجارب الذاتية كما كان يحدث ذلك في السبعينيات. ما السبب المباشر والرئيس الذي يجعل الركود مسيطرًا على الشعر لكونه منذ الأزل مادة جماهيرية وليست ذاتية محضة؟ ولماذا انقطع حبل التواصل بين الشعر وعشاقه؟ في الماضي لم تكن هناك ندوات ثقافية أو تنظيم أمسيات شعرية في العصر الجاهلي، لكن لماذا تعرفنا على ذلك الشعر وبيننا وبينه مئات السنين؟ ومن بعد العصر الجاهلي جاءت بقية العصور المتلاحقة، لكن قصة تحريك المياه الجامدة سيطرت بكل قوة على العصر الحديث رغم كثرة الشعراء الذين ما إن تحرك حجرًا إلاَّ ويخرج من تحته شاعر يقرأُ عليك شعره ولا يمكنك أن تفهم ما يقول، وحتى لو جمع هذا الشعر في كتاب فإنك تضطر إلى اقتنائه من أجل الفضول الثقافي، لكنك بمجرد أن تقرأ العنوان تحترم اسم الثقافة وتركنه بين الكتب القديمة التي قرأتها لأنه لا يستحق القراءة. هذا هو السبب الرئيس الذي يجعل المياه تركد في مجال أهم إنتاج إبداعي في الثقافة ألا وهو الشعر، فهذه المادة لا تُكتب للذات بل للناس، وإذا كان جمهورها لا يستوعبها فما الفائدة من كتابتها. إن الشعر ليس وسادة غزلية، والقصيدة ليست بركة سباحة للعراة، بل هو قدرة روحانية تنصهر داخل الذات المنتجة فتعانق الآخرين، سواء بالقافية الموحدة أو بالصورة الحرة والخيال الواقعي والموسيقى التي لا تخدش السمع أو النظر أو الأحاسيس المختبئة بين عروق الكيان البشري. إن الشعر الحديث ليس راكدًا، لكن الذي يسهم في ركوده بعض من مفاصله، ولدينا العديد من الأمثلة على الشعر الذي يواكب الحدث اليومي أو التاريخي ويجدد في نسقه ولا يقف على فكرة الماضي، فهذه المادة الفنية تنسجم مع كل تطورات الحياة كانسجام الصناعات مع ما يحتاج إليه الإنسان، والشعر كما هو معروف مادة روحية لكن الذي يحركها الواقع، فإذا كان الشعر لا يخدم الواقع ويطوره فمن الطبيعي أن يسهم في الجمود، والمسؤولية تقع على من ينتجه لأنه نتاج إحساس بالكون الإنساني ويلبي تطورات الثقافة في أعلى صورها ودرجاتها. وفوق كل ذي علم عليم. Sah.33883@hotmail.com
مشاركة :