قادتنا ورسالة السِّلْم - د. إبراهيم بن سليمان المطرودي

  • 1/30/2015
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

حين فتشت في اللغة لم أر فيها كلمة أدل في وصف والدنا أبي متعب، وأصدق في الحديث عنه، من كلمة السِّلْم. هو السِّلْم دعوةً وقدوة. كثيرون من مواطني هذا الرجل العظيم بكوه، وذرفوا دموع عيونهم عليه؛ وإني لأخاله لو كان حياً بيننا؛ لقال لنا: كونوا على سيرة السلم سائرين، وعلى الاقتداء بي فيها حريصين؛ فليس شيء أنفع لي في آخرتي، وأعود عليّ فيها، وأليق بكم، وأحرى بأمثالكم؛ من أن تكونوا من أهلها، والدعاة إليها، والمقتدين بي فيها؛ إذ هي مطلب كل إنسان حين يُريد أن يُعامله غَيْرُه، ويسير على نهجٍ معه؛ فكونوا للناس كما تحبون أن يكونوا لكم؛ كونوا دعاة سلم للمواطنين الذين يعيشون معكم، ويقتسمون وإياكم هذا التراب، العزيز إلى أنفسكم، كونوا لهم في كل شيء؛ كما تحبون أن يكونوا لكم؛ لا تُفكّروا طرفة عين أن تمتازوا عليهم، وتستأثروا بالأشياء دونهم؛ بلْه أن تأخذوا حقوقهم، وتستعينوا بمن تعرفون عليها، وتسعون جهدكم في اقتناصها!. وكونوا لمواطنيكم في هذه الأرض، وعلى وجه هذه البسيطة، وفي أنحاء العالم المختلفة؛ من شرق هذه الكرة المائرة إلى غربها؛ كما تحبون أن يكونوا لكم؛ كونوا لهم القدوة في السلم وثقافته كما كنت لكم، وكما ترغبون أن يكونوا لكم، لا تنتظروا منهم شيئاً لا تُفكروا في إيصاله لهم، ومنحهم إياه؛ كونوا القدوات وأصحاب المبادرات في السلم لهذا العالم وثقافته، ولا تكونوا الأتباع فيه، كونوا الفَعَلة، ولا تكونوا من ذوي ردود الأفعال؛ فالسابق له فضل السبق أبداً: فلو قبلَ مبكاها بكيتُ صبابةً ** بسُعدى شفيتُ النفسَ قبل التندمِ ولكنْ بكتْ قبلي فهيّجَ لي البُكا ** بكاها فقلت الفضلُ للمتقدم " الفضل للمتقدم" وبه تُرسم للناس الدروب، وتُشرع لهم السبل؛ إنكم حين تتأملون الحياة تجدونها قائمة على عنصرين قائد ومقود، وراسم وسائر، ومبدع ومتّبع، فكونوا للسلم وثقافته قادة وراسمين ومبدعين!. وإذا كانت تلك رسالة الحي بيننا بأفعاله ومآثره، والأفعال بقاء الإنسان بعد رحيله؛ فما شيء أفرح لصاحبها، وأدعى لسروره من أن نقول له: سلفك يا خادم الحرمين خادم للحرمين، وداعية للسلم والسلام العالميين، فهو القائل إثر زيارة الرئيس الأمريكي له في التعزية بكم، غفر الله لكم، وأطال في الخير أعمار الأحياء منكم: "سعدت بلقاء الرئيس أوباما، وبحثنا معاً الشراكة الإستراتيجية، وتعزيز التعاون بين البلدين، وخدمة السلام العالمي". وتلك هي دعوة القرآن الكريم: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة! ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) البقرة 8. وهي دعوة المسيح، عليه الصلاة والسلام، ففي إنجيل متى () يقول:" طُوبَى لصانعي السلام؛ لأنهم أبناء الله يُدعون"، وهو القائل في لوقا ():" أحبوا أعداءكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، باركوا لاعنيكم، وصلّوا للذين يسيئون إليكم". وإذا كنا نأسى لرحيل أبي متعب، ونحزن لفراقه؛ فما تركه لنا يُذكرنا به، ويُديم حضوره بيننا، ويُعزّينا فيه، والحال مع المنايا، كما علم الناس، ما قاله أبو زبيد الطائي: كلُّ شيءٍ تحتالُ فيه الرجالُ غيرَ أنْ ليس للمنايا احتيالُ

مشاركة :