ما الذي يصنع الفنّان العظيم

  • 12/3/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

غالبا ما يتكرّر السؤال عن ماهية الفنّ أو الأدب، وما الذي يصنع الفنّان العظيم، وما الذي يحول دون صناعته كما يأمل ويرجو. قدّم الأميركي تشارلز بوكوفسكي في قصيدته “تريد أن تصبح كاتبا؟” تعريفه الشعريّ للكتابة، بما يشبه البيان الأدبي للراغبين في اقتحام عالم الكتابة، ويسأل عن الدوافع والخلفيات التي تقودهم ليصبحوا كتّابا، ومن ضمن ما يقول “إذا لم تخرج منفجرة منك، برغم كل شيء فلا تفعلها./ إذا لم تخرج منك دون سؤال، من قلبك ومن عقلك ومن فمك ومن أحشائك فلا تفعلها./ .. إذا كنت تفعلها للمال أو الشهرة، فلا تفعلها./ لا تفعلها إلا إن كانت تخرج من روحك كالصاروخ،/ إلا إن كان سكونك سيقودك للجنون أو للانتحار أو القتل”. يحصر بوكوفسكي الأمر في الرغبة الحارقة الجارفة التي لا ترحم صاحبها، ولا تمنحه أيّ مجال للمناورة أو التملّص من سطوتها، بحيث إن لم يكتب سيفقد ذاته، ويتوه في دوّامات غريبة، وهنا يسقط أيّ دافع خارجي سواء كان متعلقا بالشهرة أو المال أو غيرهما، ويبقيه مرتبطا بالشغف ومحبة الفعل لذاته بعيدا عن أيّ شيء آخر. وفي بداية مسلسله “أسلوب كومينسكي” يتمعّن الممثل مايكل دوغلاس في وجوه طلّابه قبل أن يبدأ ورشة تدريب الممثّلين، ثمّ يخبرهم أنه يود التحدث عن مهنة التمثيل. يتساءل ما هو التمثيل؟ حين يمثّل الممثّلون ماذا يفعلون في الواقع؟ ليجيب بأنّهم يدّعون، يتظاهرون.. ثمّ يتعمّق في جوابه، ويقول إن الممثل يلعب دور الخالق، لأنه يخلق. وتراه يجيب عن سؤاله لنفسه عن كيفية استقاء المعلومات والاستفادة منها في عملهم بأنه يجب أن نحب ما نخلقه، وأن نصبغه بالحياة، بالطابع الشخصي، بالألم، والأحلام، والعيوب القاتلة، ثم بعد ذلك يجب أن نطلقه، ويؤكّد أنّ محبة الشخصية، وليس المال أو الشهرة، هي ما يصنع الممثل العظيم. الادّعاءات والأضواء والامتيازات والجوائز لا تصنع أدبا عظيما ولا فنّا عظيما، قد تسهم بدور ما؛ صغير أو كبير، في التنبيه لهذا الكاتب أو ذاك الفنّان، لكنّها لا تصمد مع الزمن والتراكم، وتبدأ العيوب بالظهور بعد انجلاء غيوم الأضواء وحجب المزاعم والادّعاءات، والعظمة المرادة حلم ولغم في آن. لاشكّ أنّ مَن يكتب من أجل المال أو الشهرة، أو من أجل العمل والارتزاق، قد يصل إلى مبتغاه أو بعض منه، لكنّه لن يُذكر في تاريخ الأدب الذي يغربل الأسماء الصغيرة والكبيرة، ولا يرحم أحدا، ولا يغفل عن التذكير بالروافع والدوافع معا في رحلة الكاتب وأعماله.

مشاركة :