تعرضت المملكة في سنوات سابقة إلى أعمال قتل وتفجير من أرباب الفئة الضالة، وقد تمكنت السلطات المختصة، بحمد الله من اجتثاث هؤلاء الضالين من جذورهم وأخمدت نار فتنتهم. هذه الفئة لم تبدأ من فراغ ولم يكن ما قام به أفرادها وليد اللحظة وإنما كان هناك برامج وخطط وتم تغذيتهم بالفكر الضال إلى أن تشبعت به أفكارهم ووصل بهم الأمر أن أصبحوا أداة طيّعة في أيدي زعمائهم الذين قادوهم في النهاية إلى التهلكة. الخطوة الأولى كانت عزلهم عن المجتمع الذي يعيشون فيه وتغيير ما يؤمنون به من فكر عبر ما يتلقونه من دروس وخطب ومواعظ في أماكن تجمعات بعيدة عن العين، ويشمل ذلك بطبيعة الحال بث روح الكراهية والعداوة تجاه كل ما هو سائر في البلاد وتجاه كل من يقوم بإدارة شؤونها. اليوم، بحمد الله تمت السيطرة على هؤلاء المنتمين للفكر الضال، وعرضت قضاياهم على المحاكم المختصة وصدرت بحق عدد كبير منهم أحكام بموجب شريعة هذه البلاد المستمدة من القرآن الكريم والسنة الشريفة. ولكن ماذا بعد ؟ لقد أدركت وزارة الداخلية، ومنذ البداية، وبفكر نيّر من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز (رحمه الله)، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز، أن السجن في حد ذاته لا يمكن أن يكون الوسيلة الوحيدة للإصلاح وعودة الضال إلى سبيل الرشاد، ومن هنا تم التفكير والتنفيذ لبرامج مناصحة لهؤلاء السجناء خلال قضاء فترة محكوميتهم وبعدها، وقاد محمد بن نايف مبادرة مراكز الإصلاح والرعاية لهؤلاء السجناء إيماناً وقناعةً من سموه أنهم أبناء هذه البلاد، وأن بذرة الصلاح والانتماء للوطن موجودة في دواخلهم ولكنها بحاجة لمن يتعدها بالسقيا والاهتمام لكي تورق وتزهر من جديد. كانت بداية العمل المؤسسي في إقامة مركز الرعاية والاصلاح في الرياض وبإمكانات محدودة، وما لبث هذا المركز أن اكتمل من حيث الإنشاء والتجهيز والبرامج التوعوية على أيدي رواد فكر في كل التخصصات. وفي الاسبوع الماضي كانت المحطة الثانية حين دشن سموه مركز الرعاية والاصلاح في محافظة جدة في منطقة مكة المكرمة، وقد اُتيحت لي الفرصة لزيارة هذا المركز ووجدت بين جنباته ما يسر الخاطر ويبشر بإذن الله بنتائج تعود بالخير والنفع على الوطن والمواطن. هذه المراكز ليست أماكن عزل وإبعاد وإنما أماكن تتيح للمستفيد أن يعيش حياته بشكل طبيعي في ظل توفير بيئة اجتماعية راقية إلى درجة أن بإمكانه أن يعيش مع أفراد أسرته داخل المجمع في وحدات خاصة وُفرت لها جميع الاحتياجات. من تتم استضافته في هذه المراكز يطلق عليه لقب (مستفيد) لتأكيد مبدأ الرعاية الحقيقية بعيداً عن أجواء السجون والمعتقلات، وفي النهاية من يخرج من هذه المراكز يحظى بكل رعاية واهتمام ومتابعة إلى أن يعود للاندماج في الحياة الاجتماعية كأحد المواطنين الصالحين. في الاجتماع الأول لسمو الأمير محمد بن نايف بنا (أعضاء المجلس الأعلى لمراكز الرعاية والتوجيه) كانت الرؤية واضحة، ووضع سموه النقاط على الحروف وحدد مسؤولية كل قطاع في تنفيذ واستمرار رسالة الرعاية والاصلاح وجعل الكل مسؤولا والكل مشاركا. إنها مسؤولية وطن ومواطن، ومن هنا كان لابد للجميع أن يدرك دوره . قُدمت الوعود من قبل الجميع خلال الاجتماع الأول ونأمل أن ترى هذه الوعود طريقهاإلى التنفيذ في أقرب فرصة. أعود إلى عنوان المقال لأؤكد أن مهمة الرعاية والإصلاح لا يمكن أن تكون بدايتها من صدور الأحكام على الضالين وسجنهم أو من تاريخ خروجهم من السجن. إنها مسؤولية مشتركة تبدأ بالأُسرة ثم المدرسة ثم المجتمع. الأسرة عليها دور كبير في التوجيه المبكر وغرس القيم والمفاهيم، وإبعاد الأبناء عن كل ما فيه ريب وشك ؛ فالمولود يولد على الفطرة، ولكل امرئ من دهره ما تعودا. الإصلاح في أساسه يجب أن يسلك طريقين متوازيين منذ البداية ؛ فعلينا أن نصلح أبناءنا وبناتنا ونبني لهم حائط صد قوي يحجب عنهم كل التيارات الضالة، وهذه مسؤولية مشتركة، وعلينا أيضاً أن ننتشلهم إن هم وقعوا، لا سمح الله، في براثن الشر بأن نقدم لهم النصح والمشورة ونعينهم على أن يكونوا مواطنين صالحين ويعودوا إلى رشدهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
مشاركة :