ما إن ظهرت نتائج الموسم الثالث لمسابقة «تحدي القراءة العربي»، حتّى شرعت المدارس في الوطن العربي تستعدّ للنسخة الرابعة منها بكلّ نشاط وحزم وعزم على قطف ثمار هذه المسابقة المزجية على جميع المستويات. وبقدر ما نُحَيّي القائمين عليها سواء في دولة المنشأ، دولة الإمارات العربية الشقيقة، أو في باقي دولنا العربية، فإنّه لا يفوتنا، وقد خَبَرْنا جيّدا هذه المسابقة سواء من خلال التحكيم أو التكوين والتدريب، أن نُدليَ ببعض الملاحظات عسى أن تكون هناك آذان صاغية، فالمسابقة تكبر عاماً بعد عام وتكبر معها الرهانات والطموحات وكذا التحديات حتى حُقّ لنا أن نتحدث عن تحدّيات «تحدي القراءة العربي»، أو اختصارًا «تحدّي التحدّي». لقد كسبت هذه المسابقة العديد من التحديات بعد أن راهنت على جهود المؤسسة التربوية في تقريب الكتاب من الطلبة في جميع المراحل، حيث تجري مختلف الاستعدادات مع طلبة المدارس حتى أنّ بعضها، وأعني المدارس، قيّض للمسابقة مسؤولين مهّمتهم فقط «تحدّي القراءة العربي». وهذا لعمري مما يزيدنا افتخارا بهذا المشروع الرائد الذي ردّ الاعتبار للقراءة باللغة العربية على مستوى الوطن العربي من خلال الكتاب الورقي، وهو أمر طويلا ما دعا إليه المربّون والمختصّون في مجال تعليم اللّغة العربيّة وتعلّمها، وسعى إليه بعض المثقّفين والغيورين على شأن الكتاب العربي. وها هو تحدّي القراءة يحقّق من المنشود بعضه، والسؤال كيف استطاع مشروع تحدي القراءة تحقيق هذه الأرقام الخيالية (ملايين) في عدد المقروءات؟. لاشكّ أنّ الحافز الماليّ له دور كبير في تشجيع كل الأطراف من أجل الفوز بإحدى الجوائز العديدة التي ترصدها المسابقة سنويّا. لكن إذا كان الهدف الكبير لتحدي القراءة هو خلق جيل قارئ بجَسْرِ الفجوة بين الطالب العربي والكتاب، وحثّه على الاستفادة من المصادر الموثوقة للمعرفة بدل الارتماء في أحضان المدوّنات الرقميّة غير المراقبة ولا الموثوقة، إذا كان هذا هو الهدف، فإنّ التحدّي الكبير يتمثّل في البحث عن السبل الكفيلة لجعل القراءة سلوكاً يوميّاً لجميع الطلاب، لا فقط للفئة التي تراهن عليها المدرسة من أجل الفوز بإحدى الجوائز. فهل أعدّ القائمون على المسابقة خطة لذلك على المستوى العربي وعلى المستوى الوطني وحتى على المستويين المحلي والمدرسي؟.. أمّا تحدّي التحدّي الثاني في اعتقادنا، فهو هذه المفارقة بين الكميّ والنوعيّ، إذْ المسابقة تقتضي إتمام المشارِك لقراءة خمسين كتاباً. وهذه الخمسون مؤشر كميّ دقيق يؤكد على تحقيق المراد، ينضاف إلى ذلك مؤشر نوعيّ وهو مدى التنوع في المقروءات، ومدى الاستيعاب والتعمق والقدرة على النقد والتذوق وإظهار سعة الاطلاع وغيرها.. كل ذلك بحسب المستويات والمراحل الدراسية. غير أنّ الغريب في ذا وذاك هو دمج جميع فئات الطلاب من مختلف المراحل الدراسية في المسابقة، حيث يجلس أمام لجنة التحكيم طالب المرحلة الثانوية وطالب المرحلة المتوسّطة وكذا طالب المرحلة الابتدائية. والواقع أنّ الجميع قرأ الخمسين أو يزيد، والواقع أيضا أنّ لجان التحكيم تحتكم إلى ذات المعايير، لكنّ الواقع والحقيقة التي لا مفرّ منها أنّ السؤال الموجّه لقياس قدرات الفهم أو التوسّع لطالب المرحلة الابتدائية لن يكون بنفس العمق لطالب المرحلة الثانوية فإذا كان ذلك كذلك، فكيف يكون الأمر مع سؤال التعمق والنقد أو التذوّق؟. لذا نعتقد أنّ التحدّي الجديد هو تجاوز المسألة الكمية والاهتمام بالمسألة النوعية مع مراعاة الاختلافات العمرية والمدارك المعرفية والنواحي الوجدانية من مرحلة دراسية إلى أخرى حتى لا تؤثر على النتائج النهائية، فهل من المعقول أن يفوز لأكثر من مرة طفل من المرحلة الابتدائية بالجائزة الكبرى للمسابقة؟ ألا يوجد في طلاب المرحلة الإعدادية أو الثانوية من هو أشد طلاقة، وأكثر إلماما؟.. أم هو يا ترى الانبهار بالطفل الصغير وهو يتكلم بتلك الفصاحة وذلك الاندفاع؟!! نحن لا نشكّك في استحقاق الطفلة المغربية مريم أمجون التي خطفت الأضواء بحصولها على المركز الأول في الدورة الثالثة من «تحدي القراءة العربي» للعام 2018 بعد تفوقها على أكثر من 10.500 مليون طالب وطالبة من 44 دولة في الوطن العربي والعالم، ولا في استحقاق محمد جلود من الجزائر للعام 2016 ولا غيرهما من الفائزين فقد أبهروا العالم بطلاقتهم وحسن حضورهم وقوة آدائهم، لكن توزيع الجائزة بحسب المراحل الدراسية نظنه أكثر عدلاً وأيسر تحكيماً لدى أعضاء اللجان. هذه بعض جوانب تحدّي التحدّي، وللحديث بقية.
مشاركة :