قالوا إنها تشكّلت بفعل البرق الذي يضرب عرض البحر، وقالوا إنها نتيجة التقاء ماء السماء بماء البحر، هذه الأقوال والأساطير التي تناقلتها الأجيال حول اللؤلؤ لآلاف السنين تسرد شيئًا بسيطًا عن هذه الجوهرة الثمينة، إلا أن الحكاية الكاملة يمكن التعرف إلى تفاصيلها عند زيارة مركز زوّار موقع «طريق اللؤلؤ - شاهد على اقتصاد جزيرة» في مدينة المحرق، وهو الموقع الثاني لمملكة البحرين على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو.ويستضيف مركز الزوّار حتى 10 يناير 2019، معرض «5000 عام من للآلئ البحرين - مختارات من مقتنيات متحف البحرين الوطني، مطر للمجوهرات ومجموعة كارتييه»، إذ تعرض فيه هيئة البحرين للثقافة والآثار مجموعة فريدة من مجوهرات اللؤلؤ من مقتنيات متحف البحرين الوطني، مطر للمجوهرات ومجموعة كارتييه. هذه المجموعة تعكس أهمية اللؤلؤ البحريني وجودته التي لم توجد في أي مكان آخر في العالم. وكان المركز قد افتُتح ضمن احتفالات هيئة الثقافة بختام برنامج الاحتفاء بالمحرّق «عاصمة للثقافة الإسلامية 2018»، بحضور صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، بالإنابة عن حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى. ويستعرض معرض لآلئ البحرين بداية تاريخ مهنة صيد اللؤلؤ عبر مقتنيات من متحف البحرين الوطني، إذ تشير هذه المقتنيات إلى أن المملكة تميّزت على مرّ التاريخ بغنى مغاصات اللؤلؤ فيها وبأن مغاصاتها تعد الأفضل من حيث جودة اللؤلؤ وكثافة المحار. ومن بين النصوص القديمة التي تؤكد ذلك، ما روته أسطورة جلجامش (حوالي 3 آلاف عام قبل الميلاد) من أن الملك السومري جلجامش غاص في مياه البحرين (دلمون) لاستعادة «زهرة الخلود» التي يرجّح أنها اللؤلؤ. كذلك فإن بعض النصوص القديمة في بلاد ما بين النهرين وصفت اللؤلؤ البحريني بأنه «عيون السمك» في عصر حضارة تايلوس، كما تم تحديد البحرين مركزا رئيسا آنذاك لصيد اللؤلؤ. واحتفظت البحرين بمكانتها هذه لتصبح في القرون اللاحقة مركز صيد اللؤلؤ في منطقة الخليج العربي. وكانت التنقيبات في المملكة قد أسفرت عن اكتشاف لقىً أثرية متعلقة بصيد اللؤلؤ من فترات دلمون وتايلوس والعصر الإسلامي. كذلك يشتمل المعرض على 6 من أثمن قلائد مجوهرات مطر، تعكس كل واحدة منها جانبًا فريدًا من اللؤلؤ الموجود في الخليج العربي. كما تبيّن هذه القلائد الحرفية العالية والمهارة والإبداع لدى صانعيها، إذ تطلب تجميعها أكثر من عقد من الزمن. ويقدّم المعرض أيضًا قطعًا من مجموعة كارتييه يتراوح زمن صنعها ما بين مطلع القرن العشرين وأوائل ثلاثينات القرن العشرين. وتظهر هذه القطع حرفية فريدة وبراعة في التصميم والتنفيذ، إذ يرجع مصدر الكثير من لآلئ هذه المجوهرات إلى مملكة البحرين. ولا يعد معرض «5000 عام من للآلئ البحرين» ختام حكاية اللؤلؤ في البحرين، فما هو إلا مقدمة للتعرف إلى هذه المهنة التي شكّلت أساس اقتصاد البلاد في فترة مهمة من التاريخ، كما أثرت بشكل كبير على ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده الأصيلة، إذ كانت البحرين تمتلك أسطولاً من سفن صيد اللؤلؤ يصل إلى أكثر من ألفين وأربعمائة بانوشًا (سفن صيد اللؤلؤ)، وهو ما شكّل حوالي 80% من إجمالي سفن صيد اللؤلؤ في منطقة الخليج. فمركز زوار طريق اللؤلؤ يحتضن في تصميمه المبهر الأجزاء التاريخية والبقايا الأثرية لاثنتين من العمارات التاريخية عمارة يوسف بن عبدالرحمن فخرو التي بُنيت في ثلاثينات القرن العشرين، بالإضافة إلى عدد من الموجودات الأثرية التي عُثر عليها في الموقع. ويسعى المركز عبر تصميمه إلى استقبال شريحة واسعة من الزوار، مقدّمًا إليهم معرضًا حول المشروع والعديد من المرافق التفاعلية المزودة بوسائط متعددة لإثراء تجربة المركز ملتقى مجتمعي. وكان مركز زوار الموقع قد صُمّم من قبل المهندس السويسري العالمي فالريو أولجياتي ومكتبه للهندسة المعمارية. المهندس أولجياتي المعروف عالميًا، يقوم بتدريس الهندسة في أكبر جامعات العالم، كما ذاع صيته في أوروبا والقارة الأمريكية منذ مطلع القرن. ويُعد مركز الزوار الرئيس محطة واحدة على «طريق اللؤلؤ، شاهد على اقتصاد جزيرة»، فمسار الموقع يبدأ من البحر حيث تستقر ثلاثة هيرات (وهي أماكن استقرار المحار الذي يُستخرج منه اللؤلؤ) ويمتد إلى ساحل قلعة بوماهر أقصى جنوب المحرق، ثم يسرد بقية الحكاية عبر 16 مبنى أثرية داخل المدينة تقع على مسار لأكثر من 3 كيلومترات.
مشاركة :