لم يعد استخدام الإنترنت أمراً اختيارياً بل أصبح ضرورة حياتية ومهنية تفرضها طبيعة الحياة والأعمال والعلاقات في كل دول العالم، وتشير الباحثة مي العامر في دراستها التي أجرتها هذا العام (2018) حول (التبعات الثقافية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي كما تراها طالبات الجامعة) إلى أن المملكة تحتل المركز السابع ضمن أكثر دول العالم استخدامًا لهذه المنصات، إِذ يستخدم أكثر من 75 في المائة من سكان المملكة وسائل التواصل بما يقدر بـ 25 مليون شخص تقريبًا. كما أشارت الإحصاءات الأخيرة الصادرة من مركز التواصل الحكومي (2018) إلى أن المملكة هي الدولة الأولى عالميًا في معدلات ارتفاع استخدام شبكات التواصل الاجتماعي سنويًا بنسبة 32 في المائة في مقابل أن المعدل العالمي هو 13 في المائة فقط. وأظهرت مي العامر في دراستها المذكورة أعلاه أن كامل أعضاء عينتها تستخدم وسائط التواصل يومياً وأن نسبة 38 في المائة منهن يستخدمنها أكثر من ست ساعات يومياً! وأن أكثر الأسباب التي تدفعهن لاستخدام تطبيق السناب شات هو: التسلية وقضاء الوقت أولاً ثم معرفة أخبار الشباب والشابات السعوديين المشهورين على السناب وتتبع طريقة حياتهم ثم وجود هامش مناسب من حرية التعبير عن الآراء والأفكار! إذن هذه التطبيقات الذكية في العالم عموماً والسعودية تحديداً أظهرت مشاهير جدد يجوبون العالم ويقدمون رؤيتهم ويسمعون صوت جيلهم لصاحب القرار مما يعني التقليل التدريجي لدور المؤسسة الحكومية في التأثير على جيل الشباب إضافة إلى قدرة هؤلاء (السنابيين) ذكوراً وإناثاً على صنع فرص عمل كبيرة ومتنوعة مما تكون عنها إنشاء اقتصاديات ظل موازية للسوق الفعلية لا يعرف تحديداً درجة مساهمتها في الإجمالي العالم لاقتصاد الدولة لكنها تنمو بشكل سريع جداً وتظهر جيلاً قوياً ومقداماً سنكون مضطرين لسماع صوته وإشراكه في القرارات المؤثرة في الشأن العام لدولنا. وسائط التواصل الاجتماعي لم تعن التسوق واستهلاك المنتجات الترفيهية أو سهلة الترويج لبعض الجرائم أو عدم الانضباط السلوكي، بل هي أسهمت تدريجياً في سقوط الأقنعة الاجتماعية التي تفصل بين الجنسين إِذ منحت هذه الوسائل الشباب والشابات منصات مفتوحة يمكن العالم من سماع صوتهم خاصة الشابات اللاتي ظهر منهن جيل نسائي منفتح عبر السناب والانستجرام يعني بنفسه من حيث الشكل والاستهلاك ويسوق للمنتجات ولا يعنيه كثيراً ما يقوله الآخرون ويتابعهن الملايين فمثلاً الشابة أفنان الباتل يتابعها أكثر من ستة ملايين متابع وأضوي الدخيل الشابة المهتمة بالمال والأعمال ويتابعها نحو المليون وهكذا عدا عن الشباب الذكور المشهورين أمثال عبدالله الجمعة وغيرهم. ما يناقشه الكثير ويخشونه هو التبعات الأخلاقية والقيمية لهذه التطبيقات التي قد تؤثر في السلوك الاجتماعي لفئات الشباب مما قد يهدد بعض ثوابت القيم الدينية والثقافية وهو تخوف مشروع وقائم إِذ مع رغبتنا في التحديث إلا أن الحفاظ على الهوية شيء جماعي أساسي لبقاء الأمة وهو أمر نشترك في بنائه والحفاظ عليه لكن هل نستطيع فعلاً إيقاف هذا الاجتياح الكبير حتى لو رغبنا؟ تحديات وسائل التواصل الاجتماعي لا تختلف كثيراً عن تحديات ظاهرة العولمة التي قضينا سنوات في مناقشة آثارها وسبل التصدي لها وها هي اليوم تجرفنا جميعاً سواء عبر اقتصادياتها وسبل عيشها وممارساتها العالمية لذا فإن الأجدى في رأيي هو فتح قنوات نقاش مباشرة مع أبنائنا وبشكل دائم داخل الأسرة والمدرسة والمسجد ليس لتحذيرهم ومنعهم من الاستخدام فهذا شيء لن نستطيعه لكننا نستطيع أن نقدم الخيارات من مخاطر وفرص نمو ونجعل الشباب يتحمل مسؤوليته الأخلاقية والاجتماعية فيما يختار من وسائط. أبناؤنا وشبابنا أكثر نضجاً مما نتصور وزمنهم يفرض علينا طرح الخيارات أمامهم وتركهم يتصرفون فهم لم يعودوا أبناءنا فقط: ابنهم اليوم أبناء العالم أجمع.
مشاركة :