صدرت حديثًا عن منشورات المتوسط بإيطاليا، رواية جديدة للكاتب والروائي العراقي زهير الجزائري، بعنوان: "باب الفرج".نقرأ من الرواية:ذات ظهيرة قائظة، تسلّل الشيخ مرتضى من سرداب البيت متتبّعًا خطوات ابنه الهامسة إلى السطح، وفزع وهو يراه من وراء سياج السّلّم واقفًا تحت شمس تغشي النظر، واقفًا بميلان غريب، وقد تدبّب أنفه مثل منقار، وتدبّبت شفتاه وهو يشرب الريح، وضاقت عيناه، ليتحاشى شعاعًا جارحًا، وطارت خصلة أمامية من شَعْره مثل عرف طائر، وتدبّبت أذناه مثل جناحَيْن. حتّى خياله التمّ تحت قَدَمَيْه آخذا شكل طائر بدين. لم يصعد، لكنه بقي هكذا، وإقفًا وهو يشقّ الريح، فتصفّر حوله. فزع مرتضى حتّى نشف ريقه (سيطير منّا، ولن يعود). عرف مسبّقًا هذا الفعل، ولا يقدر على ردّه، فهزّ رأسه تاركًا العاقبة للخالق. لكنه عرف بأن ابنه لم يكتفِ بالطيران فوق الأمكنة، إنما صار، بعد سقوطه على أكداس الحطب، يطير فوق الأزمنة. يرى أشياء حدثت قبل عقود، ويصف بالتفصيل وهو يشهق من الفزع أحداثًا، لم يرها، لذلك استدعاه إلى البرّانيّ كاتمًا غضبه:- قلْ ما رأيتَ بالضبط؟تردّد عليّ وتلعثم وهو يلاحظ غضب والده:- لم يكن حلمًا ولا هلوسة، يا والدي، فقد رأيتُهم كما أراكَ الآن... رأيتُهم يحزّون رقاب الزّوّار، ويُلقون الرؤوس من وراء السور للتحذير، ورأيتُ الشيخ كاشف الغطاء يحشد الناس للدفاع عن المدينة، رأيتُ آل أصيبع وآل كرماشة يسدّون ثغرات السور بأكتافهم. - الأموات وحدهم رأوا ذلك. هل أنتَ منهم؟!
مشاركة :