يواجه الكثير من الأطفال في تونس واقعا معيشيا صعبا تطغى عليه ظواهر اجتماعية من بينها التسول والهجرة غير الشرعية والتشرد والتعرض للعنف وارتكاب الجرائم والإقدام على الانتحار، وهو ما كشفته دراسات وإحصائيات رسمية ظهرت مؤخرا واعتبرها البعض صادمة ومفزعة بشأن واقع الطفولة في المجتمع التونسي وداخل بعض الأسر التونسية، خصوصا منها الفقيرة التي قد تقف وراء ترك الأبناء لمقاعد التعليم ودفعهم نحو العمل أو الشارع. تونس – وصفت وسائل إعلام محلية مؤشرات الطفولة للعام 2017 بتونس التي عرضها مرصد الطفولة مؤخرا بأنها مفزعة، في ما يتعلق بظواهر مثل الهجرة غير الشرعية، وعمل الأطفال، والتسول، والتشرد والعنف وشملت الدراسات الأطفال من الولادة إلى عمر 19 سنة والذين يمثلون أكثر من 30 في المئة من مجموع السكان. وبحسب المرصد فقد تم تسجيل 225 محاولة اجتياز للحدود خلسة من قبل أطفال، منهم أربع حالات دون سن الرابعة والبقية تتراوح أعمارهم بين 13 و18 سنة، ويعتبر مختصون في علم الاجتماع أنه إلى جانب الأطفال الذين يخاطر أولياؤهم باصطحابهم معهم في مسالك الهجرة غير الشرعية، فإن هناك أطفالا في الفئة العمرية التي تتجاوز 13 سنة يغامرون بحياتهم ويقدم بعضهم على هذه الهجرة غير الشرعية، وهناك من تساعده أسرته على ذلك بتوفير التمويل اللازم لتلك الرحلات الخطيرة، ومن بينهم من يفعل ذلك دون علم أسرته. وقد توصّلت العديد من التحقيقات والتقارير الاجتماعية إلى أن الأطفال والمراهقين الذين يقدمون على هذه الخطوة أغلبهم تركوا التعليم في سن مبكرة ولم يجدوا حلولا بديلة ولا تكوينا مهنيا أو حرفيا يستهويهم، كما يدفع الفقر والخصاصة النسبة الأكبر منهم للتسرب من المدارس وللبحث عن حلول لمستقبلهم عبر هذه الوسائل غير المشروعة للهجرة. وكشفت نتائج إحصائيات مرصد الإعلام والتكوين والتوثيق والدراسات حول حماية حقوق الطفل أنه في نفس العام تمّ رصد 308 حالات لأطفال في الشارع وفي وضعيات تشرد أو تسول وكان النسبة الأكبر منهم للذكور (50 حالة من الإناث)، وقد لاحظ التونسيون خصوصا في المدن الكبرى ومن أبرزها العاصمة انتشار الأطفال المشردين وخصوصا المتسولين، وصرحت جهات أمنية بأنه في السنوات الأخيرة انتشرت مجموعات وعصابات تعمل على استغلال الأطفال في التسول. وأفادت المديرة العامة لمرصد الإعلام والتكوين والتوثيق والدراسات حول حماية حقوق الطفل هاجر الشريف أن “هذه المؤشرات المفزعة تهدّد الطفولة في تونس ومردّها التقصير الملحوظ من قبل الأسرة المعنية بحماية أبنائها من جميع المخاطر التي تهددهم”. 880 حالة اختفاء طفل من الأسرة تم تسجيلها عام 2017، كما زاد ارتكاب هذه الفئة للجرائم وهذا التقصير في حق الأبناء من قبل بعض الأسر التونسية وإهمالهم لرعايتهم ولتوفير الحماية اللازمة لهم يجعلهم عرضة للاستغلال من خلال التسول وللتشرد في الشوارع حيث يتعرّضون إلى كل المخاطر الموجودة فيها، وأكدت وزارة المرأة أن تخلي هذه الأسر عن قيامها بواجباتها تجاه الأبناء لم يقف عند هذا الحد بل أن الدراسات أظهرت أن الأسرة تشكل في بعض الأحيان مصدرا لتهديد حقوق الطفل ولممارسة شتى أنواع العنف عليه. وبيّنت الإحصائيات أن 63 بالمئة من الإشعارات الواردة على المصالح المعنية بشؤون الطفولة أو على الجهات الأمنية والمتعلقة بتعرض أطفال إلى تهديد، تكون فيها الأسرة مصدر هذا التهديد، كما أن 95 بالمئة من الأطفال يتسولون بإيعاز من أوليائهم. كما تسمح الأسر بتشغيل أطفالها، حيث بلغت نسبة الأطفال من الفئة العمرية من 5 إلى 17 سنة الذين يمارسون نشاطا اقتصاديا قرابة عشرة بالمئة، وارتبطت هذه النسبة بانخفاض نسب التمدرس خصوصا في الجهات الفقيرة مثل مناطق الشمال الغربي. وأشارت المديرة العامة لمرصد حقوق الطفل إلى أنه تم خلال نفس السنة تسجيل 880 حالة اختفاء طفل من الأسرة، كما زاد عدد الجرائم المرتكبة من قبل الأطفال بأكثر من ألف جريمة بين عامي 2016 و2017 وتتعلق بالخصوص بالسرقة والاعتداء بالعنف. ووصفت الشريف وضع الطفولة بالمتردي لافتة إلى تراجع دور الخلايا الاجتماعية التابعة لوزارة التربية والتي كانت تلعب دورا كبيرا صلب المدارس في اتجاه التصدي للظواهر الخطيرة المنتشرة في صفوف التلاميذ، من خلال رصدها ومعالجتها، بسبب تقلص عددها بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة ليبلغ حاليا 2500 خلية اجتماعية فقط عن 6500 مؤسسة عمومية. وفي المقابل أكدت وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن أنها بصدد ضبط خطة وطنية متعددة القطاعات للطفولة المبكرة من خلال السعي لإحداث أول مركز في تونس لإيواء الأطفال في حالات تهديد، قصد المساهمة في تحسين هذه المؤشرات التي وصفتها وزيرة المرأة نزيهة العبيدي بـ”المفزعة التي لا يمكن تجاهلها”. ونشرت الوزارة على موقعها ما اعتبرته مؤشرات إيجابية حول وضع الطفولة في العام 2017 من بينها مضاعفة عدد الأطفال المنحدرين من العائلات المعوزة والذين تتكفل الدولة بجميع مصاريف التحاقهم برياض الأطفال. وأظهرت المؤشرات حول ظاهرة الاعتداءات الجنسية حيث تم تسجيل ما يزيد عن 900 اعتداء استهدفت قرابة 80 بالمئة منها الإناث كما تم تسجيل 24 محاولة انتحار في صفوف الأطفال و4 حالات انتحار.
مشاركة :