تنفست المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الصعداء بعد فوز حليفتها أنغريت كرامب كارنباور بزعامة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، لتخلفها في المنصب الذي شغلته قبل 18 عاماً. وتبادلت السيدتان العناق فور إعلان فوز كارنباور المعروفة اختصاراً بـ«أ كا كا». وبدت علامات الارتياح واضحة على ميركل، في حين لم تخف كارنباور تأثرها ودموعها.وفازت الزعيمة الجديدة بفارق ضئيل عن منافسها فريدريش ميرز، وحصلت على 517 صوتاً مقابل 482 لميرز، أي بفارق 25 نقطة فقط. وصوت 1001 مندوب لاختيار مرشح ميركل، وبعد جولة أولى تنافس فيها 3 مرشحين لم يحصل أي منهم على نصف الأصوات زائد واحد، صوت المندوبون في جولة ثانية انحصرت بين كارنباور وميرز. وحصل المرشح الثالث يانس شبان، وزير الصحة في الحكومة الحالية، على 150 صوتاً في الجولة الأولى.وحاولت زعيمة الحزب الجديدة إبعاد الاتهامات الموجهة إليها بتقاربها الشديد من ميركل، وقالت في كلمة ألقتها قبل انتخابها: «الناس يعتبرونني نسخة، المزيد من الشيء نفسه، لكن أنا يمكنني أن أقول لكم إنني هنا كشخصي ونفسي». وحاولت التركيز على خبرتها الطويلة في عملها السياسي، وقالت إنها عندما انضمت إلى الحزب في مطلع الثمانينات لم تكن تتخيل أن يأتي هذا اليوم.وفي الحملة الانتخابية التي سبقت التصويت، لم تقدم كارنباور الكثير من الأفكار الجديدة، وحاولت تمييز نفسها عن ميركل بمقترحات تتعلق باللجوء، فطرحت إمكانية إعادة اللاجئين السوريين المرفوضة طلباتهم والمتورطين بجرائم إلى بلدانهم. إلا أن تقريراً لوزارة الخارجية صدر بعد ذلك بقليل اعتبر أن إعادة السوريين إلى بلادهم سيعرّض حياتهم للخطر. ورفض مندوبون مؤيدون لكارمباور تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» كذلك وصفها بـ«نسخة ميركل».وقالت كاترين هاينريتس: إن ميركل واجهت الاتهامات نفسها عندما انتخبت قبل 18 عاماً زعيمة للحزب، مضيفة: إن «الجميع ظن أنها ستكون نسخة عن هلموت كول؛ لأنه كان يناديها (فتاتي الصغيرة)، إلا أنها أثبتت للجميع أنها مختلفة عنه». وأشارت إلى أنها تملك خبرة واسعة في العمل السياسي، مضيفة: إن هذا أكثر من سنوات الخبرة التي كانت تتمتع بها ميركل عندما انتخبت زعيمة للحزب.ورأى النائب في البرلمان والعضو في لجنة الشؤون الخارجية رودريش كيسفيتر، أن الزعيمة الجديدة قادرة على توحيد الحزب، مضيفاً: إنها «سيدة حكيمة» تحمل الكثير من الأفكار الجديدة.كذلك، اعتبر مصطفى عمار، العضو في مجلس أمناء الحزب، أن فوز كارنباور يعني أن الحزب سيكمل مسيرة ميركل في سياسات اللجوء والانفتاح وتقبل التعددية في المجتمع وداخل الحزب. ويطمح عمار للترشح للانتخابات المقبلة عام 2021، وكان حظي بدعم ميركل لذلك.وفي خطابها الأخير كزعيمة للحزب، ذكّرت ميركل بالتحديات التي تواجه العالم والمبادئ التي دعت لعدم التخلي عنها مثل قبول التعددية ورفض التطرف، ودعت إلى التحلي بـ«الشجاعة لمواصلة المسيرة». وبدت وكأنها تدافع عن إرثها وقراراتها في خطابها الأخيرة كزعيمة للحزب، وبخاصة فيما يتعلق بسياسة الهجرة التي يعتقد الكثيرون أنها كانت السبب الرئيسي في خسارة «الاتحاد المسيحي الديمقراطي» الكثير من الأصوات في الانتخابات المحلية الأخيرة. وصفق أعضاء الحزب لميركل طويلاً وهم واقفون لفترة لامست الدقائق العشر، عادت فيها المستشارة مراراً إلى المنصة تشكرهم. وبدت متأثرة بالتصفيق الطويل والهتاف لها. ورفعت يافطات كتب عليها «شكراً أيتها الرئيسة».وقررت ميركل التنازل عن زعامة الحزب بعد خسائر كبيرة في انتخابات محلية في ولايتي بافاريا وهيسن في سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين. ورغم أنها كانت رفضت في تصريحات قديمة لها البقاء في منصب المستشارية إذا خسرت زعامة الحزب، فقد أعلنت عزمها البقاء في منصبها حتى نهاية عهدها عام 2021.ويعتقد كثيرون الآن، أن فوز كارنباور سيسهل عليها البقاء في منصبها. وكتبت الصحف الألمانية، أن الفائز الأكبر يوم أمس كان ميركل نفسها، وأن انتخاب كارنباور كان بمثابة «النصر الأخير» لميركل. ورغم أن المستشارة لم تعلن دعمها أياً من المرشحين الثلاثة، فإنها تعرف بعلاقتها المقربة من «أ كا كا»، وكانت هي من دعمتها للفرز بمنصب الأمين العام للحزب في مارس (آذار) الماضي. وجاءت الإشارة الوحيدة العلنية لدعمها لها بشكر قدمته لها في كلمتها التي ألقتها أمام المندوبين وأعضاء الحزب قبل بدء التصويت.وهنأ ميرز وشبان زعيمة الحزب الجديدة، ودعا ميرز مناصريه إلى دعم كارنباور بعد خروجه من السابق من دون أن يتحدث عن أي منصب جديد يمكن أن يشغله في الحزب. ولم يعرف ما إذا كان سيقرر البقاء في السياسة بعد عودة فاشلة له، أم أنه سيعود إلى عالم الأعمال الذي حقق له ثروة طائلة طوال العقد الماضي.لكن قد تضطر ميركل إلى الاستقالة من منصبها مستشارةً مبكراً أيضاً رغم وصول حليفتها إلى زعامة الحزب، وبخاصة إذا مُني الحزب بخسائر إضافية في الانتخابات الأوروبية في مايو (أيار) من العام المقبل، أو في خريف عام 2019 بعد انتخابات محلية في ولايات ألمانية نجح اليمين المتطرف في كسب الكثير من الأصوات فيها.وقالت مصادر داخل حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي: إن الكثيرين من الذين عرفوا ميرز وعملوا معه في الماضي عندما كان عضواً في البوندستاغ و«نجماً» صاعداً داخل الحزب، لا يحملون الكثير من الأفكار الإيجابية عنه. وأضافت المصادر: إن ميرز معروف بحبه التفرد في القرارات، وأنه دوماً كان «معارضاً» وهو قريب من الزعماء «الشعبويين».ويرتبط ميرز بعلاقات وثيقة مع واشنطن بحكم عمله في شركة «بلاك روك الأميركية»؛ وهو أيضاً ما أثار مخاوف البعض من إعادة الحزب للرضوخ لواشنطن في الكثير من القضايا الشائكة. وذكرت مصادر أخرى مشروع أنبوب الغاز الجديد مع روسيا، الذي يعارضه الرئيس الأميركي بشكل كبير ويتهم ألمانيا بأنها ستصبح «أسيرة لروسيا». ولم يتحدث ميرز بالعلن عن رأيه في المشروع الذي دافعت عنه ميركل أمام الانتقادات الأميركية وحتى القلق الأوروبي في بروكسل.
مشاركة :