مصدر الصورةAlamy بات الكانابيديول- وهو مستخلص من نبات القنب - في كل مكان في الولايات المتحدة؛ بدءا من الزيت وصولا إلى مسكنات الآلام والحلوى. ويقول مستخدموه إنهم يتناولونه لعلاج مشاكل متنوعة، مثل آلام العضلات والقلق والتهاب المفاصل والصرع واضطراب ما بعد الصدمات. وتقدر مجموعة برايتفيلد لأبحاث السوق أن يصل حجم تجارة مشتقات الكانابيديولإلى 5,7 مليار دولار العام القادم، وسيتضاعف ليبلغ 22 مليار بحلول عام 2022. وتقول مديرة أبحاث المجموعة، بيثاني غوميز، إن شركة تشارلوتس ويب القابضة، وهي كبرى الشركات في هذا المجال، نمت بمقدار 172 بالمئة بين عامي 2016 و2017 وهي في طريقها لتحقيق أرباح تصل إلى 89 مليون دولار عام 2018. ويعد قطاع مشتقات القنب مثيرا للجدل، وقد اجتذب أنظار كثير من المستثمرين بينهم شركة كوكاكولا للمشروبات التي صرحت بأنها "تتابع عن كثب نمو منتجات القنب غير المخدرة كمكون بالمشروبات الصحية حول العالم". لكن الشركة لم تتجاوب مع طلب من بي بي سي للتعليق على هذا التصريح. وتقول غوميز إنه حين أطلقت مجموعة برايتفيلد تكهناتها بشأن نمو القطاع في وقت سابق من العام "لم يصدقها كثيرون"، لكن لم تمض ثلاثة أيام حتى انتشر خبر بحث كوكاكولا أمر مشتقات القنب. وتضيف: "بالنظر إلى الرقم الإجمالي لمنتجات الكانابيديولالمباعة اليوم، وبإضافة سلاسل المحال الكبرى والصيدليات الضخمة التي تتهافت على دخول السوق، يمكن أن نتوقع تحولا سريعا جدا في هذا القطاع". هل يساعد البرتقال والثوم في علاج نزلات البرد؟رحلة إلى مهد التفاح في العالمنمو متسارع ويعد سولت تشونكا من المشيدين بمشتقات القنب، وقد أسس مطعم "أدريان بلوك" بمنطقة أستوريا بنيويورك ليكون أول مطعم وحانة تقدم مشتقات القنب بالمدينة، ويقول إنه أراد تقديم كوكتيل جديد بمحتوى منخفض من الكحول مستخدما مستخلصات طبيعية من الأعشاب والتوت مع إضافة زيت القنب. ويقول: "عند إضافة الكانابيديولإلى المشروب الكحولي فإنه بدلا من أن تحتاج لأربع أو خمس جرعات ويسكي لكي تسكر فبجرعة واحدة أو اثنتين مع تلك المادة ستشعر باسترخاء ذهني عميق ويزول عنك التوتر". كما يضيف تشونكا الكانابيديولإلى مكسبات للطعم تضاف إلى أطباق الطعام، ومنها صلصة الفلفل وصلصات الزبد والبيض. لكن هل يؤكد العلم فوائد مشتقات القنب؟ ليس هناك حتى الآن أي دليل راسخ على فوائد تلك المشتقات التي يتحدث عنها كثيرون. ويقول تشونكا: "لم أكن أستطع الاسترخاء ليلا ولا النوم وكان ينتابني قلق بالغ، لكن حين تناولت مشروبين بهما الكانابيديولأو أضفت قليلا منه للقهوة أو خلافه نمت ملء أجفاني وشعرت باسترخاء هائل، فأنا لن أبيع شيئا لا أوليه ثقة تامة". لكنه يقول إنه يتحدث من منطلق خبرته الشخصية دون أن يعد بعلاج سحري أو استشارة، مشيرا إلى أنه "يساعد على خلق بيئة تبعث على الاسترخاء وتصرف القلق". مصدر الصورةGetty ImagesImage caption هناك منتجات عديدة تدخل فيها مادة الكانابيديول المشتقة من القنب من يشتري مشتقات القنب؟ بحسب دراسة شملت خمسة آلاف مستخدم أجرتها مجموعة برايتفيلد هذا الصيف كان الشباب في العشرينات أول من أقبل على شراء منتجات تحتوي على الكانابيديول بعد تقنين العديد من الولايات الأمريكية لها. كما يزداد استخدام مَن هم في أوائل الثلاثينات لها بينما يقل إقبال مَن في أوائل الأربعينات عليها ثم يرتفع الإقبال مجددا بين كبار السن ممن يلجأون لأدوية مختلفة لعلاج متاعب السن مثل التهاب المفاصل وغيره من الآلام المزمنة، حسبما تقول غوميز. ويقبل الرجال والنساء بالتساوي تقريبا على تلك المنتجات، وإن قالت غوميز إن النساء سبقن في البداية بالإقبال عليها. وعلى المشترين توخي الحذر، فرغم توافر المنتجات التي تحتوي على الكانابيديول في الولايات المتحدة، فإنه بخلاف استثناء واحد فقط فإن شراءها يعد خرقا للقانون على الصعيد الأمريكي ككل. لكن، كيف هذا وقد قننت تسع ولايات حتى استخدام الماريغوانا لأغراض ترفيهية؟ تكمن المشكلة في وجود نوع من التعارض بين القانون الفيدرالي الأمريكي من ناحية وقوانين الولايات. وثمة نوعان من مستخلصات القنب يقبل عليهما المشترون، أحدهما يسمى رباعي هيدرو كانابينول، وهو نوع من المخدرات، والآخر هو الكانابيديول ولا يندرج أثره كنوع من المخدرات. ويعرف القنب الداخل في الصناعة باحتوائه على أقل من 0.3 بالمئة من مادة رباعي هيدرو كانابينول وإن احتوى على نسب عالية من الكانابيديول. أما الماريغوانا فتتم زراعتها خصيصا لاحتوائها على المادة المخدرة رباعي هيدرو كانابينول. وباختصار يختلف القنب العادي عن الماريغوانا، ورغم ذلك فمنذ السبعينات من القرن الماضي يصنف القانون الفيدرالي الأمريكي كليهما كمخدرات من الدرجة الأولى - أي في نفس مصاف الهيروين والكوكايين، وهو التصنيف القائم فيدراليا حتى وقتنا هذا. وفي الولايات التي تبيح ذلك، لا يسمح سوى لجهات مرخصة من الولاية بتصنيع وبيع المنتجات المحتوية على مادة رباعي هيدرو كانابينول، بينما يتوافر الكانابيديول على نطاق واسع بما في ذلك بمحال البقالة ومحطات التزود بالوقود. ولكن يظل وضع الكانابيديول القانوني ملتبسا فيما يعتقد كثير من جهات البيع بالتجزئة أنها بمأمن من القانون الفيدرالي طالما انصاعوا للوائح المعمول بها في الولاية ولم يشحنوا منتجاتهم لولاية أخرى (ما يندرج تحت أنشطة تهريب المخدرات). وقد أكد متحدث باسم الهيئة الفيدرالية لمكافحة المخدرات لبي بي سي أن مادة الكانابيديول في أي شكل من الأشكال تقع تحت طائلة القانون باعتبارها من المخدرات من الفئة الأولى، والاستثناء الوحيد هو عقار يعرف بالإبيديوليكس الذي أقرته هيئة الغذاء والدواء الأمريكية كعلاج لصرع الأطفال. وتصنع شركة "جي دبليو" البريطانية للأدوية عقار إبيديوليكس، ومازال غير مرخص في بريطانيا وإن كانت الجهات المعنية بصدد ترخيصه. ويعي تشونكا، مؤسس مطعم أدريان بلوك، إمكان مداهمة السلطات الفيدرالية لمقاره ويتوقع أن يحدث ذلك "آجلا أم عاجلا" ولكنه مطلع تمام الاطلاع على لوائح الولاية وقواعدها ويحرص على عدم احتواء الكانابيديول الذي يستخدمه على أي نسبة من رباعي هيدرو كانابينول.توجه حذر وبسبب ضبابية الوضع القانوني في الولايات المتحدة يتوخى المستثمرون الحذر إزاء الانخراط في صناعة مشتقات القنب رغم فرص الاستثمار الواعدة. ورغم أن حجم سوق الكانابيديول في الولايات المتحدة بلغ إجمالا 367 مليون دولار في مبيعات التجزئة بمعدل نمو 39 بالمئة العام الماضي، حسب إحدى المجلات المتخصصة، مازالت الصناعة غير مستقرة. وقد شهدت أسهم شركة "تيلراي"، إحدى منتجي القنب الطبي، ارتفاعا بلغ 30 بالمئة خلال أسبوع في سبتمبر/أيلول لتنخفض بنفس النسبة بنهاية الأسبوع نفسه. ويتوقف مستقبل الصناعة على وضع القانون الفيدرالي، فيما قللت مجلة فوربس من شأن التوقعات المبالغ فيها إزاء أسهم القنب واصفة إياها بالسخف، ومشيرة إلى أن الاستثمار في الإلكترونيات من قبيل أسهم آبل مثلا أفضل من الاستثمار في القنب!مصدر الصورةGetty Images وفي نهاية المطاف يتعلق مصير الكانابيديول بسياسي في السادسة والسبعين من عمره، وهو الجمهوري عن ولاية كنتاكي وزعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، ففي وقت سابق من هذا العام طرح ماكونيل تعديلا مرفقا بمشروع قانون الزراعة بالمجلس يتعلق بالسياسات الزراعية والغذائية في البلاد، ومن شأنه رفع القنب الداخل في الأغراض الصناعية من قائمة المواد المحظورة بمقتضى القانون الفيدرالي. وفي حال إقراره القانون، حسب بيثاني غوميز، فإنه "سيخرج القنب وكافة مشتقاته - ومنها الكانابيديول - من قائمة الممنوعات، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام بيعه قانونيا". لكن ماذا عن الفوائد العلمية المفترضة؟ بالنسبة لعلاج سحري يعالج الآلام المزمنة والاكتئاب والكثير من الأمراض، كان مفترضا أن تكون دراسات موثقة جرت لإثبات فاعليته، لكن الواقع ليس كذلك، فما زال يلزم القيام بالدراسات المطلوبة للحاق بالانتشار الواسع لمشتقات القنب. لكن تلك المشتقات واعدة، حسبما نقلت بي بي سي عن إيغور غرانت، الذي يرأس قسم الأمراض النفسية ومركز بحوث القنب الدوائي بجامعة كاليفورنيا سان دييغو، والذي أشار إلى آفاق محتملة لاستخدامات طبية في المستقبل. وهناك بعض الأدلة على آثار محتملة لمادة الكانابيديول في معالجة القلق وكمضاد للالتهاب بل وكعلاج لأمراض عقلية. ويقول غرانت إن بضع دراسات محدودة تناولت استخدام تلك المادة كعلاج للفصام وخرجت بنتائج جيدة "تستحق المتابعة"، محذرا رغم ذلك من اعتبار مادة الكانابيديول علاجا موثوقا للفصام. ويقول: "تعمل مادة الكانابيديول على الأرجح كمضاد للالتهاب وقد تساعد التهابات الأمعاء وأمراض التهابية متعلقة بالأعصاب"، معتبرا تلك إشارات إلى الاتجاه الواجب متابعته للتأكد علميا منها. أما بالنسبة للذين يشيدون بمشتقات القنب كمضاف لمشروبات الفاكهة، فيقول غرانت إنها لا تختلف كثيرا عن إشادات أخرى في مجال التغذية دون بيانات كافية، ويضيف: "لا يعني هذا بالضرورة أنهم على خطأ، لكننا ببساطة لا نعلم، فدواء الفاليوم يساعد على التخلص من القلق، فهل نضيفه إلى الكوكاكولا لمساعدة الناس على الاسترخاء؟". وبرأيه يتعين أولا التوفيق بين قوانين الولايات والقانون الفيدرالي، مضيفا "ثم علينا أن ننتظر للتثبت علميا، عندها سنعرف كيف ننصح الجمهور". يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على صفحة BBC Capital.
مشاركة :