(كونا) - حفلت مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية على مدى 38 عاما من إنشائه بالعديد من التحولات والقرارات الاستراتيجية التي عملت على تلبية تطلعات أبنائه الذين تجمعهم عوامل كثيرة من الوحدة والتآخي.ولعل ما تحقق حتى الآن من إنجازات على مختلف الصعد الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية استطاع أن يلبي بعضا من طموحات قادته نحو الوصول إلى مطلب الاتحاد الخليجي الذي أصبح ملحا وسط التحديات والأخطار التي تحيط بالمنطقة.واستطاع المجلس من خلال هذه الإنجازات أن يمثل إطارا قويا للأمن الجماعي وسياجا لحماية مكتسبات دوله والتصدي للأخطار التي تعترضها وأصبح يؤدي دورا مؤثرا في إدارة الأزمات التي تشهدها المنطقة.ولم يكن يوم 25 مايو من عام 1981 عاديا في تاريخ المنطقة حيث اتفقت آنذاك إرادة أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون الست في اجتماعهم الذي عقد في العاصمة الإماراتية أبوظبي على صيغة توافقية للتعاون بينهم وكان من أهم أهدافها تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين شعوب دول المجلس في جميع الميادين وصولا إلى وحدتها.ولعل ديباجة النظام الأساسي للمجلس جاءت منطلقاته واضحة إذ شددت على ما يربط بين الدول الست من علاقات خاصة وسمات مشتركة وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية والإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف وأن التعاون فيما بينها إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية والنظام الأساسي للمجلس.وانطلاقا من هذه الأهداف النبيلة استطاعت دول المجلس تحقيق العديد من الإنجازات خلال مسيرتها الطويلة في العديد من مجالات التعاون المشترك.ولعل من أبرز إنجازات مجلس التعاون الخليجي في مجال السياسة الخارجية المشاركة في إنهاء الحرب العراقية الإيرانية وتحرير الكويت ودعم وحدة واستقرار وسيادة العراق ومساندة قضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة ودعم القضية الفلسطينية ودعم وحدة واستقرار اليمن إلى جانب الاهتمام بالوضع في لبنان والأزمة السورية والشأن الصومالي ودعم الشعب الليبي وتطلعاته وإدانة اضطهاد الأقليات المسلمة في ميانمار.وبدا هذا التجانس في المواقف القوية التي اتخذها مجلس التعاون الخليجي في الدفاع عن مصالح أعضائه وفي مواجهة المخاطر المشتركة التي تواجه دوله حيث تجلى ذلك بوضوح في توحيد القرار الخليجي السريع بقطع العلاقات وتجميدها مع إيران في يناير 2016 ردا على الاعتداءات الإيرانية المتكررة أو الانخراط في عمليتي (عاصفة الحزم) و(إعادة الأمل) في مارس عام 2015 لردع التمدد الحوثي المدعوم من طهران وقطع الطريق أمام الأعمال التخريبية التي يقوم بها (حزب الله) اللبناني.وفي مجال العمل العسكري المشترك كان الاجتماع الأول لرؤساء أركان القوات المسلحة بدول مجلس التعاون الذي عقد في العاصمة السعودية الرياض عام 1981 بداية لبحث مجالات التعاون العسكري بين دول المجلس إذ تم خلال ثلاثة عقود إقرار العديد من الدراسات والأنظمة والاستراتيجيات التي شملت العديد من سبل العمل العسكري المشترك.ففي نوفمبر عام 1982 وخلال الدورة ال3 للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون تمت الموافقة على إنشاء قوة (درع الجزيرة) بحجم 5 الاف رجل من دول المجلس وفي ديسمبر عام 2005 جرى توسيع حجم القوة ونوعية تسليحها لتشمل فرقة مشاة آلية بكامل عتادها ومدفعيتها وعناصر الدعم القتالي.ولعل إقرار دول مجلس التعاون اتفاقية الدفاع الخليجي المشترك خلال قمة المنامة في ديسمبر عام 2000 يعد خطوة استراتيجية في مسيرة التعاون العسكري الخليجي إذ مهدت هذه الاتفاقية لظهور هياكل التعاون العسكري الكبرى كوضع الرؤية الدفاعية الموحدة والقيادة العسكرية الموحدة والدرع الصاروخي الخليجي وردم الفجوة القائمة على مستوى القدرات بين دول المجلس بإنشاء قوة مشتركة خليجية للتدخل السريع.وتدعو الاتفاقية إلى تعزيز التعاون الأمني بين دول المجلس وإلى ترسيخ الثقة بقوات دفاع (درع الجزيرة) واستكمالها لتصبح في مقدمة القوى التي تدافع عن أمن دول الخليج وتلزم الدول الأعضاء بالدفاع عن أي دولة منها تتعرض لتهديد أو خطر خارجي.وتقدمت الكويت في بداية شهر فبراير عام 2003 بطلب إلى وزراء دفاع دول مجلس التعاون الخليجي لنشر وحدات من قوات (درع الجزيرة) على أراضيها تحسبا لأي تداعيات قد تترتب على توجيه الولايات المتحدة ضربة محتملة ضد العراق انذاك.كما أكدت دول المجلس دعمها الكامل لمملكة البحرين سياسيا واقتصاديا وأمنيا ودفاعيا جراء الأحداث التي مرت بها خلال شهري فبراير ومارس عام 2011 من منطلق المحافظة على الأمن الجماعي المتكامل.وبسبب الأحداث المؤسفة التي شهدتها مملكة البحرين فقد طلبت المملكة كدولة عضو في مجلس التعاون تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك واستجابت دول المجلس لذلك بإرسال قوات (درع الجزيرة) في شهر مارس 2011 والتي كان لها دور كبير في التصدي لمحاولات الفوضى والتخريب وعودة أجواء الأمن والاستقرار.
مشاركة :