أطلقت الشرطة الفرنسية الغاز المسيل للدموع واعتقلت المئات في باريس، اليوم (السبت)، بينما أغلقت أبرز معالم العاصمة مع خروج تظاهرات جديدة نظمتها حركة «السترات الصفراء» ضد الرئيس إيمانويل ماكرون، التي شارك فيها 31 ألف شخص في أنحاء فرنسا. وأُطلق الغاز المسيل للدموع وسط هتافات «ماكرون، تنحى» قرب جادة الشانزليزيه، التي شهدت السبت الماضي أسوأ أعمال شغب في باريس منذ عقود. وأعلن نائب وزير الداخلية الفرنسي لوران نونيز أن نحو 31 ألف شخص شاركوا في تظاهرات حركة «السترات الصفراء» في أنحاء فرنسا اليوم، مشيرا إلى اعتقال 700. وقال لقناة “فرانس2” التلفزيونية «على الصعيد الوطني، ويشمل ذلك باريس، تم اعتقال أكثر من 700 شخص، بينما بلغ عدد المشاركين في التحرك 31 ألفا في أنحاء البلاد بينهم ثمانية آلاف في باريس». وقال سائق شاحنة عرف عن نفسه باسم داني إنه يخطط كغيره للسير باتجاه القصر الرئاسي للتعبير عن غضبه حيال ماكرون المتهم بمحاباة الأغنياء. وأضاف السائق البالغ من العمر 30 عاما الذي قدم إلى باريس من ميناء كيان في نورماندي «أنا هنا من أجل ابني. لا يمكنني تركه يعيش في بلد حيث يستغل الفقراء». وبدأ الحراك في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) بإغلاق الشوارع للاحتجاج على ارتفاع أسعار الوقود قبل أن يتفاقم ليتحول إلى حراك واسع ضد سياسات ماكرون. وخرجت تظاهرات منسقة نظمتها حركة «السترات الصفراء»، في أنحاء البلاد اليوم بما في ذلك في عدة طرقات سريعة حيث تسببت بتعطيل حركة السير. ونفذت الشرطة عمليات تفتيش استهدفت من يصلون إلى محطات القطارات وفي المواقع التي تركزت فيها الاحتجاجات على غرار الشانزليزيه ونصب الباستيل. وبين المعتقلين عشرات تم توقيفهم بعدما عثرت السلطات بحوزتهم على أقنعة ومطارق ومقاليع وحجارة يمكن استخدامها لمهاجمة الشرطة. وتم إغلاق متاجر ومتاحف وبرج إيفل إلى جانب العديد من محطات القطارات ومعظم المناطق الواقعة وسط المدينة بينما ألغيت مباريات كرة قدم وحفلات موسيقية. وهزت فرنسا أعمال عنف وقعت نهاية الأسبوع الماضي وشهدت إحراق مئتي سيارة وتخريب قوس النصر وزجّت بحكومة ماكرون في أسوأ أزمة تواجهها حتى الآن. وقال وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير إن «الأسابيع الثلاثة الأخيرة شهدت ولادة وحش خرج عن السيطرة»، متعهدا أن السلطات الفرنسية «لن تتهاون» مع الأشخاص الذين يحاولون التسبب بمزيد من الفوضى. وليل الجمعة، التقى فيليب وفدا من مجموعة وصفت نفسها بـ«المعتدلة» ضمن حركة «السترات الصفراء» والتي حثت الناس على عدم الانضمام إلى التظاهرات. وقال أحد المتحدثين باسم الحركة كريستوف شالينسون إنّ رئيس الوزراء «استمع إلينا ووعد برفع مطالبنا إلى رئيس الجمهورية. الآن نحن ننتظر ماكرون». وعبر عن أمله في أن يتحدث الرئيس «إلى الشعب الفرنسي كأب، بحب واحترام، وأن يتّخذ قرارات قويّة». بدوره، أعلن فيليب أنه تم نشر نحو 89 ألف عنصر شرطة في أنحاء البلاد بينهم 8000 في باريس حيث تم نشر عشرات العربات المدرعة لأول مرة منذ عقود. ووضعت المتاجر في محيط الشانزليزيه ألواحا خشبية على واجهاتها وأفرغت البضائع الجمعة بينما تم إغلاق متحفي اللوفر وأورسي وغيرهما. وأغلقت كذلك المتاجر الكبرى أبوابها خشية تعرضها إلى نهب في نهاية أسبوع تسبق عطلة عيد الميلاد وكانت لتشهد حركة بيع واسعة في الأحوال العادية. بدورها، ترصد الحكومات الأجنبية الأوضاع عن كثب في إحدى مدن العالم الأكثر رواجا في أوساط السياح. وأصدرت السفارة الأميركية تحذيرا لمواطنيها في باريس داعية إياهم إلى “تفادي الظهور وتجنب التجمعات”، فيما حضت الحكومات البلجيكية والبرتغالية والتشيكية مواطنيها الذين ينوون التوجه إلى باريس على تأجيل سفرهم. وفي مؤشر الى العنف الوشيك، تسلم بينوا بوتيري، وهو نائب في البرلمان عن حزب ماكرون، رصاصة بالبريد الجمعة أرفقت برسالة كتب عليها «في المرة المقبلة، ستكون بين عينيك». واستجاب ماكرون هذا الأسبوع لبعض مطالب المحتجين عبر إجراءات لمساعدة الفقراء والطبقة المتوسطة التي تعاني من صعوبات معيشية تضمنت إلغاء الزيادة التي كانت مرتقبة في الضرائب على الوقود والحفاظ على أسعار الكهرباء والغاز في 2019. لكن ناشطي «السترات الصفراء» يطالبون بمزيد من الاجراءات. واتسع الحراك فخرجت تظاهرات في عشرات المدارس للاعتراض على إصلاحات تتعلق بدخول الجامعات بينما دعا مزارعون إلى تظاهرات الأسبوع المقبل. ويحتج المتظاهرون بشكل خاص كذلك على القرار الذي أصدره ماكرون في بداية عهده الرئاسي بخفض الضرائب على الأغنياء في فرنسا. وكان المصرفي السابق استبعد إعادة فرض «الضريبة على الثروة» مشيرا إلى أن إلغاءها ضروري لتعزيز الاستثمارات وخلق فرص العمل. ويعارض المحتجون سياسات ماكرون الذي أدلى بسلسلة من التصريحات اعتبرت مجحفة بحق العمال العاديين، ما دفع الكثيرين الى أن يطلقوا عليه لقب “رئيس الأغنياء”.
مشاركة :