تحظى الكثير من النجمات بالوطن العربي بأعداد كبيرة من المتابعين والمتابعات حتى أن البعض يسير على خطاهن في عالم الموضة والجمال، إلا أن ذلك لا يشفع لهن مع أول عثرة تلتقطها كاميرات وسائل الإعلام عمدا، فيسقطن ضحيات جدل كبير يخلق أحيانا كثيرة أزمة في حياتهن الفنية والأسرية. تونس - ساعدت السوشيال ميديا ووسائل الإعلام بمختلف منصاتها على تعميق صورة “سلعنة” المرأة عبر تأثيرها في توجه الرأي العام وبلورة رؤى المجتمع وسلوكه المتعلقة بالمرأة في علاقتها بجسدها. وكشف هذا التعنّت المقصود في توجيه عدسات الكاميرا صوب عثرات النجمات من النساء العربيات، عن تأصل مجموعة خفية من العقد المرتبطة بجنس المرأة تحت ستار الارتقاء والحداثة والشعارات الفضفاضة بأنها نصف المجتمع. وهذا ما ظهر للعيان، مؤخرا، من خلال الضجة التي أثارها فستان الممثلة المصرية رانيا يوسف الشفاف، ومن قبلها عدد من الفنانات سواء من تونس أو مصر. وبان بالمكشوف أن فكرة الـ”تسليع″ مازالت تطارد المرأة من أيام ما كانت تباع في سوق الجواري، وأكد على أن صورة المرأة العربية “النجمة” في وسائل الإعلام يطغى عليها جانب الإغراء والتحقير، في حين تبقى القضايا المحورية في حياتها غير مطروقة أو مطروحة بشكل سطحي لا يلبّي طموحاتها ويخلق نظرة سلبية تجاهها. وسبق أن قالت الفنانة المغربية لطيفة رأفت في حديثها لـ”العرب”، إن “الشهرة بقدر ما تعطي الفنان المال وحب الجماهير، تحمّله مسؤوليات كبيرة ويجب أن يكون كفؤا لها حتى لا يفقد موقعه في قلوب الناس وتنطفئ نجوميته”. لعبة الرأي العام زينب توجاني: المجتمع الذي يهتم بتفاصيل الفنانات ويترك معالجة مشاكله يحتاج إلى إفاقة من التخدير الذي تمارسه عليه وسائل الإعلامزينب توجاني: المجتمع الذي يهتم بتفاصيل الفنانات ويترك معالجة مشاكله يحتاج إلى إفاقة من التخدير الذي تمارسه عليه وسائل الإعلام دأب بعض الممثلين عن وسائل الإعلام المختصة في الشأن الفني، على اختيار دقيق لزوايا التقاط صور الفنانات خلال المحافل المحلية والدولية وتوزيعها بين مختلف منصات مواقع التواصل الاجتماعي، وهو توجه مخصوص الغاية منه كسب أكبر عدد من المتابعين والحصول على زخم من التعليقات حتى وإن كانت مسيئة ومنتقدة لملابس وإطلالات النجمات. وهذا الاستغلال للتطور التكنولوجي أتاح فرصة أكبر أمام وسائل الإعلام حتى تتحكم في الرأي العام لصالح أغراض مبيتة منها تسليط الأضواء على فنانة بعينها أو الحط من صورتها، غير أن هذا التوجه استبدل هدف أغلب المهرجانات وحاد بها عن مسارها الثقافي وصارت مناسبة لتصفح صور الفنانات عبر كتالوج ساهمت بعض النجمات في إثرائه بإطلالات وصفت بالجريئة والفاضحة. وبين هذا وذاك تُواجه الكثير من النجمات أحكاما مسبقة لا تعكس بالضرورة حقيقتهن، فتصبح بذلك صورة مستنسخة عن النجمات الغربيات ولا تمثل المرأة العربية، إذ هناك من شبّه إطلالة رانيا يوسف بعدة إطلالات ارتدتها النجمات العالميات أمثال نجمة تلفزيون الواقع كيم كارداشيان. ومن قام بهذه المقارنة غاب عنه حقيقة أن كيم كارداشيان على الرغم من ثرائها الفاحش وكمّ المتابعين لها، لا تزال هي ونظراتها من نجمات الواقع التلفزيوني يواجهن عدم اعتراف بهن في هوليوود والدليل عدم امتلاكها لنجمة بممر الشهرة بهوليوود، الذي يُعنى بتكريم المشاهير، لأن القائمين عليه إلى الآن يعتبرون نجمات واقع التلفزيون سلعا تجارية لا تعالج قضايا كما هو الحال مع الممثلات أو الفنانات. وأوضحت زينب توجاني، باحثة تونسية في الإسلاميات وتحليل الخطاب الديني، “قد نختلف في تقييم جمال فستان الفنانة ومدى ملاءمته للمقام، لكن الزوبعة التي أثيرت حوله تكشف تركيز الأضواء على عقد المجتمع ومكبوتاته، فهذا المجتمع الذي يستهلك البورنو استهلاكا قياسيّا ويجلد النساء المتحرّرات في نفس الوقت، تستفزه بعض الملابس المتحررة ولا تستفزه مظاهر الفقر والفساد والانقطاع عن التعليم والجهل والأمية والانتحار والجوع والمرض والتخلف المنتشرة. ويعبّر بذلك عن عمق العقد المرتبطة بالجنس والكبت وعمق الانفصام الذي يعيشه”. صورة المرأة العربية "النجمة" في وسائل الإعلام يطغى عليها جانب الإغراء والتحقير، في حين تبقى القضايا المحورية في حياتها غير مطروقة أو مطروحة بشكل سطحي وأضافت توجاني، في حديثها لـ”العرب”، أنه “كان يمكن تجاهل هذه الفنانة وعدم إيلاء الموضوع أهمية ولكن كيف لا يستغل هذا الجسد لإلهاء الجموع عن مشاكلها الحقيقية: التنمية والجهل والفساد والفقر؟ وهكذا فإن هذا الإعلام الذي يسلط جهوده وطاقاته في تفاصيل ملابس الفنانات و’هفواتهن’ يتصيد زلاتهن ويحاول أن يؤثمهن ويحملهن مسؤولية كل ما يحيط من أحداث تاركا البحث عن أسباب الصعوبات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتي تتعلق بجوهر القيم لا بقشور المظاهر”. وتابعت “من ناحية ثانية فإن الرسالة التي أرسلتها الفنانة أي رسالة التحرر من قيود المؤسسة الفقهية وأحكام المجتمع الذكوري الذي يتطلب من الأفراد أن يعصوا باستتار وأن يكون لهم وجهان: وجه خفي ووجه علني يراعون فيه سنن السائد، إن تحدي هذا التقليد يعبّر عن تهديد لهذه المنظومة الذكورية المقيتة التي تبرر للعنف ضد النساء وتتحكم بما يلبسنه وما يقلنه وتلزمهن بالاعتذار”. ليست العثرة الأولى كيم كارداشيان غير معترف بها في هوليوودكيم كارداشيان غير معترف بها في ممر النجمة في هوليوود ختمت توجاني قائلة “لقد تأكد عندنا أن المجتمع الذي يهتم بتفاصيل حياة الفنانات ويترك الانكباب لعلاج مشاكله اليومية يحتاج إلى إفاقة من التخدير الذي تمارسه وسائل الإعلام والذي يهدف إلى التحكم بانفعالاته وأفكاره لتوجيهها نحو ضحية هي في حالنا المرأة. ويخفي ذلك جناة حقيقيين هم أصحاب الأموال والمصالح والنفوذ المتحكمون بلعبة الرأي العام والسياسات”. وبالعودة إلى الوراء لا نجد أن رانيا يوسف أول نجمة عربية توجه انتقادات لاذعة بسبب إطلالتها بمحفل ذي طابع دولي، فقد سبقها عدد من النجمات من بينهن الممثلة التونسية الصاعدة سلمى محجوبي والتي تعرضت لسيل من الانتقادات في أول مصافحة فعلية لها مع جمهورها في أوج نجاحها من خلال أدائها في المسلسل التونسي “أولاد مفيدة”. وكانت محجوبي على رأس قائمة من النجمات اللاتي لم ترق إطلالتهن خلال افتتاح مهرجان قرطاج السينمائي في عام 2016، لعدد من الفنانين والناشطين ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أن الصفحات الاجتماعية ضجّت، بالتعليقات الساخرة والمنشورات المنتقدة لفساتين البعض من النجمات الحاضرات سواء من تونس أو بلدان عربية أخرى، كما شنّ ضدهن عدد من الفنانين والناشطين هجوما لاذعا، حيث انتقدت على سبيل المثال الممثلة التونسية، سوسن معالج، في منشور على صفحتها بفيسبوك، بشدّة أجواء حفل الافتتاح بقولها “افتتاح بطعم الفشل، ورائحة الخيانة.. خارج القاعة أضواء وسجاد أحمر وصحافة ومصورون، وداخلها ظلام داحس.. نريد إضاءة للسينما، لا إضاءة للفساتين والنهود”، فإن النجمة التونسية سلمى محجوبي استفزت بارتدائها ملابس شفافة، واستنفرت جهود منصات السوشيال ميديا. وفاجأت الممثلة الرأي العام بتصريح لإحدى الإذاعات التونسية الخاصة خارج عن المألوف، فبدل أن تحاول الاعتذار والتذرع بحجج واهية، قالت ”لا يزعجني كشف جسدي ففي النهاية قمت بكشف جسد امرأة جميلة”، مؤكّدة أنها اختارته لجرأته، وأيضا بعد أن رفضت عدد من الممثلات ارتداءه. رانيا يوسف تثير جدلا واسعا بفستانها رانيا يوسف تثير جدلا واسعا بفستانها خطأ غير متعمد لئن فضّلت سلمى محجوبي الاعتراف بحريتها الشخصية في اختيار كيفية التعامل مع جسدها الأنثوي، برّرت رانيا يوسف واعتذرت ونتيجة لذلك تعاطف معها المجتمع الذكوري وصفح عنها، حيث صرّح عمرو عبدالسلام أحد المحامين الذين رفعوا ضدها دعوة قضائية بسحب شكواهم، موضحا أن الممثلة أصدرت “بيان اعتذار أكدت فيه أنه خطأ غير متعمد”. وكانت يوسف أصدرت بيانا قالت فيه إنه “من الممكن أن يكون خانني التقدير”، مضيفة “لم أكن أتوقع كل ما حدث (…) وهنا أكرر التأكيد على تمسكي بالقيم والأخلاق، التي تربينا عليها في المجتمع المصري”. لكن هل الاعتذار سيرضي فئة كبيرة من مستخدمي المنصات الاجتماعية والتي وجدت في صورة الفنانة ما وظفوه في اتجاه نقدي طال أصحاب العمائم من أساتذة الفقه الإسلامي وشيوخ السلفية، حيث تم تداول صورة معدلة بخاصية الفوتوشوب ظهر فيها جمع من الأزهريين جالسين وأمامهم على شاشة كبيرة صورة رانيا يوسف بفستانها الشفاف. وهذا التوظيف مقصود ويحمل في ثناياه نقدا لاذعا لرهط من الفقهاء المنتمين إلى الأزهر، من الذين عينوا أنفسهم أوصياء على جسد المرأة، بتفصيل فتاوى تتعلق بجسدها، لأن كل أعضائها مثيرة، وفق آرائهم الشخصية. وترى إيمان حسن، وهي ناشطة حقوقية في مجال المرأة بمصر، أن “التركيز على الفتاوى التي ترتبط بوظائف جسد المرأة، عنف ممنهج ضدها، وما يثير الاستغراب، أن هناك شيوخا وأساتذة فقه أصبحوا متخصصين في ذلك، وسط صمت رسمي.. هل يُعقل أن تكون هناك فتوى عن تحريم الرموش؟ وبأي منطق واستدلال يتحدث أحد هؤلاء عن تحريم تركيب الأظافر كأداة زينة؟ إذا كنا نحارب التشدد، فهؤلاء الأساس، وكادوا أن يفتوا بأن وجود المرأة في المجتمع حرام. سلمى محجوبي لا يزعجها كشف جسدهاسلمى محجوبي لا يزعجها كشف جسدها وأكدت حسن لـ”العرب” أن القضاء على العنف ضد المرأة، يبدأ بمحاسبة دعاة الفتاوى التي تحرض على إيذائها بدنيا ونفسيا ولفظيا، وتكدير حياتها، والسماح باستهدافها بالقول والفعل.. لن ينصلح حال النساء والتعامل معهن بالمساواة، دون التعامل مع هذه الآراء الدينية على اعتبارها أنها إرهاب جسدي، وأن يقوم كل شخص بتحليل الفتاوى، وإن لم يقتنع بها بعقله وفكره أو لا تتناسب معه، فلا يتطرّق إليها مطلقا. وكان للبابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية، رأي خالف ما ظهر في الصورة المعدّلة حيث علّق قائلا خلال مقابلة مع قناة “تن” في رد على سؤال حول فستان الممثلة المثير للجدل “ليس من حق أحد الحديث عن طريقة ملابس الآخرين”، معتبرا أن “الملابس حرية شخصية”. وبالنهاية وبعد ما أطلق عليه البعض “أزمة فستان رانيا يوسف” تداول النشطاء عبر المواقع الاجتماعية صورة للتصميم بشكله الأصلي. وبدت بطانته منخفضة أكثر مما ظهرت في الصور التي نشرت للنجمة أثناء وقوفها على السجادة الحمراء، وهذا ما يقر بصحة ما صرحت به الممثلة حين قالت ردا على سيل الانتقادات إن البطانة ارتفعت عن مستواها الحقيقي.
مشاركة :