المنتدى الاستراتيجي العـربي يحدد 5 أحداث مؤثرة في إعادة تشكيل العالم العربي

  • 12/9/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

حدّد تقرير صادر عن المنتدى الاستراتيجي العربي، بالتعاون مع معهد دول الخليج العربية في واشنطن، خمسة أحداث مهمة ربما تؤدي إلى إعادة تشكيل مستقبل العالم العربي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً في العقود المقبلة، وهي أزمة الإسلام السياسي، وصعود وانهيار «داعش»، وتنامي الميليشيات الطائفية، ومقاطعة قطر، والإصلاحات في السعودية. وقد تم إطلاق التقرير في جلسة تحضيرية سبقت انعقاد المنتدى الاستراتيجي العربي المقرر يوم 12 من الشهر الجاري، وحضرها مجموعة من الأكاديميين والإعلاميين، وقدمه كل من الباحث حسين إيبش، باحث مقيم أول في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، ومحمد الحمادي، رئيس تحرير جريدة «الرؤية». ووصف التقرير، الذي حمل عنوان: «خمسة أحداث في السنوات الخمس الماضية تعيد تشكيل الواقع العربي»، المرحلة الحالية التي تمرّ بها المنطقة العربية بأنها «فترة انتقالية متقلبَّة»، مؤكداً أن «العديد من العوامل الداخلية والخارجية تعمل على إعادة تشكيل العالم العربي، وقد لا يتم استيعاب بعضها بشكل كامل حتى الآن. ومع ذلك، فقد احتلت خمسة أحداث مركز الصدارة في السنوات الخمس الماضية، وهي تؤثر الآن بقوة في السياسة والمجتمعات العربية، ومن المرجح أن تستمر في هذا التأثير». والأحداث الخمسة التي حددها التقرير هي: أزمة الإسلام السياسي، وصعود وانهيار «داعش»، وتنامي الميليشيات الطائفية، ومقاطعة قطر، والإصلاحات في السعودية، مشيراً إلى أن هذه الأحداث الرئيسة تصدّرت تفاعلاتها وتأثيراتها المشهد العربي، على مدى السنوات الخمس الماضية، وانعكست تداعياتها على الساحة العالمية، مما يترتب عليها عوامل عدة تعمل بوضوح، وعلى نحو رئيس، على صياغة المشهد السياسي والاستراتيجي للعالم العربي. ويعتبر هذا التقرير واحداً من التقارير والدراسات السنوية الصادرة عن المنتدى الاستراتيجي العربي الذي ينعقد يوم 12 من الشهر الجاري في دبي. الإسلام السياسي وشرح التقرير أن أزمة الإسلام السياسي، وطبيعة الجماعات الإسلامية ودورها، مثل جماعة الإخوان، ستكون ركيزة أساسية في تشكيل معالم الثقافة السياسية العربية السائدة في العقود المقبلة، متسائلاً: «هل سيبقى الدين المُسيَّس والسياسات المنحرفة دينيّاً قوة أيديولوجية قوية ومتنقلة بين المجتمعات العربية؟ أم هل ستسود الوطنية والوعي الاجتماعي الشامل كقيم مهيمنة؟». وبالنسبة إلى «داعش»، قال التقرير إنه على الرغم من أن تنظيم «داعش» قد هُزم بساحة المعركة في العراق وسوريا، فإن النضال ضد حركات التطرف والعنف قد تحوّل الآن إلى مستوى أعمق، ويجب التعامل الآن مع التحدي المتمثل في القضاء على الإرهاب بوصفه تهديداً كبيراً على مستوى أكثر جوهريةً، وذلك بمعالجة الأسباب الجذرية للتعصب وهزيمة التطرف العنيف، والقضاء على قدرته على استدراج الشباب المحرومين أو الحاقدين أو المستضعفين. وفيما يخص تنامي صعود الميليشيات الطائفية، أشار التقرير إلى أن العديد من المجتمعات العربية يحاصرها الآن صعود أطراف فاعلة من غير الدول نفسها، وكثير منها من الميليشيات الطائفية الموالية لإيران، التي تعمل على تقويض سيادة الدولة، وتعطيل أو اغتصاب السلطة الوطنية التابعة حقاً للحكومات المركزية، وذلك يعمل على تآكل الدولة في العالم العربي ويعزز فشلها، كما يعمل على تأجيج الطائفية بين الطوائف العربية الشيعية وأبناء بلدهم العرب السنّة. الإصلاحات السعودية وعن السعودية، وصف التقرير الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية الجارية في المملكة العربية السعودية بأنها «إصلاحات شاملة لدرجة أنها من الممكن أن تشكّل تطوراً يؤدي إلى دولة سعودية رابعة». انهيار «الإخوان» وأكد التقرير أن الظهور الوجيز والانهيار المفاجئ، والأزمة المستمرة للحركات المرتبطة بالإخوان المسلمين، ربما تكون من أهم نتائج انتفاضات ما يُسمّى «الربيع العربي»، ومع توالي سقوط سلسلة من الزعماء الأقوياء المتمرسين عن السلطة، افترض العديد من المعلّقين أن أحزاب الإخوان ستتبوأ مقاليد السلطة، وتحدد التيار السياسي العربي الناشئ في أوائل القرن الحادي والعشرين. غير أن هذا لم يحدث، وبدلاً من ذلك، تجد الحركات المتطرفة نفسها الآن في وضع متزعزع ومتقلقل لم يسبق له مثيل. وتابع التقرير أنه «بحلول العام 2013، وبدلاً من أن يركب الإسلاميون موجة السلطة، سرعان ما غرقوا في أزمة ما زالوا يتخبّطون فيها. وكانت نقطة التحول في مصر عام 2013، حيث تفاقم الاستياء بعد أن منح مرسي نفسه حقوقاً ديكتاتوريةً فعلياً لتجاوز السلطة القضائية، وبدا أنه مستعد للتخلص من منظومة الدولة أو هيكليتها البيروقراطية لصالح أنصار الإخوان». وأكد التقرير أن الإطاحة بمرسي كانت من علامات الفشل الواضحة للجماعات المتطرفة في جميع أنحاء المنطقة، فربما كانت الجماهير العربية راغبةً في إعطاء المتطرفين فرصة فيما بعد الانتفاضات فوراً، لكن في مصر وفي دول أخرى بدا أنهم يعزّزون، إن لم يؤكدوا، شكوكاً عميقةً لدى الآخرين حول نواياهم على المدى البعيد. الانفصال عن الواقع وأرجع التقرير تعثر هذه التنظيمات، لا سيما جماعة الإخوان في مصر، إلى الانفصال بين مداركهم وتطلعاتهم الخاصة وبين الحقائق الثابتة لجهة من هم عليه في الواقع، فبينما كانوا من أوائل وأكبر المستفيدين من الانتفاضات والاحتجاجات، مقدّمين أنفسهم على أنهم جوهر «الثورات» و«أبطال الديمقراطية». فإن هذه التنظيمات في واقع الأمر -وكما كانت الجماهير تعرف حق المعرفة- لم تكن المبادرة في الانتفاضات الشعبية التي أطاحت الأنظمة القديمة ولم تقُدها، وبمجرد اندلاع الاحتجاجات، انضموا بالتأكيد إلى الحراك، لكنهم لم يجسّدوا آمال وأحلام الشعب، لا قبل الثورات، ولا أثناءها ولا بعدها. وأكد التقرير أن الأحزاب التي تتبنى الفكر الإخواني تشترك عموماً في عدد من السمات التي ميَّزت الحركة منذ بدايات تأسيس جماعة الإخوان في مصر في أواخر العشرينيات من القرن الماضي، وهو الأمر الذي قوّض بشكل كبير فرصهم في توسيع شعبيتهم وتأثيرهم السياسي في أعقاب الاحتجاجات الشعبية. وفي جميع الحالات تقريباً، كانت هذه المجموعات متآمرة، ومتمردة ومرتبطة بأطراف خارجية. تقويض الهويات وعلاوة على ذلك، فإن أجندة الإخوان تميل إلى تقويض الهويات والأولويات الوطنية، ما يضع الانتماء الإسلامي فوق الهوية الوطنية الأساسية ويجعله أهم منها. وكان تعصبهم المتأصل يهدد في الكثير من الحالات التعدد الثقافي والطائفي والعرقي التقليدي في المجتمعات العربية، ويهدّد بشكل خاص حقوق وأدوار الأقليات المختلفة والنساء. وعليه، فإن الشكوك إزاء الإخوان أكبر بكثير مما هو معترف به، وينظر الكثير من الناخبين في المجتمعات العربية إلى هذه الجماعات بقدر كبير من الارتياب، مستندين إلى عقود كثيرة من الخبرة، بحسب التقرير. وأضاف أنه «بعد مرور مئة عام من الارتباط بالخارج والمخططات التآمرية والتحريض والعنف الثوري، لا يزال معارضو الإسلاميين وقسم كبير من الجمهور العربي يشككون في نياتهم. وثمة أسباب كثيرة للتشكيك في نياتهم البعيدة المدى، والنظر بريبة إلى هذه التحولات باعتبارها تكتيكاً استراتيجياً في جوهرها وليست التزاماً صادقاً، لقد أمضى العديد من كبار قادة هذه الجماعات حياتهم يحشدون حملات متمردة ورجعية، وقد لا يكونون في واقع الأمر قد غيروا وجهة نظرهم، وإنما عدّلوا من تصريحاتهم من أجل المصلحة السياسية والمحافظة على وجودهم. لا يوجد، قطعياً أي مثال لأي حزب إسلامي لم يسعَ -عند اعتلائه السلطة- إلى إقامة دكتاتورية دينية أو حكومة أو مجتمع بقيادة متطرفة، دون عواقب وخيمة. لذلك، هناك كل الأسباب للاستمرار في الرفض القاطع لتسييس الإسلام ولأسلمة السياسة في العالم العربي». قيام «داعش» وسقوطه أكد التقرير الصادر عن المنتدى الاستراتيجي العربي أن الصراع ضد بعض أشرس أشكال التطرف الديني المسلَّح في السنوات الخمس الماضية ركز على مكافحة الصعود المريع لتنظيم «داعش» الذي يعدّ أحد النماذج المتكررة العديدة للتوجهات «التكفيرية» المسلحة التي ظهرت في أعقاب حرب 1979 - 1989 ضد الغزو السوفييتي لأفغانستان. وتكمن الجذور الأيديولوجية لهذه الجماعات في معتقدات «الإخوان» وخليط من تلك الروح الثورية مع الفكر الديني الاجتماعي البالغ التطرف الذي تشكّل في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ولقد انصهرت هذه التوجهات المتطرفة مع مؤثرات أخرى في ساحات المعارك في أفغانستان، وأدت في نهاية المطاف إلى ظهور تنظيم القاعدة في التسعينيات. وفي أعقاب إطاحة حركة طالبان بعد هجمات 11 سبتمبر عام 2001 في الولايات المتحدة، بدأ تنظيم القاعدة يحتضر، غير أن غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003 ضخّ حياةً جديدة في تنظيم القاعدة والحركات المتطرفة بشكل عام، ونشأ «داعش» من جماعة التوحيد والجهاد في العراق التي كان يقودها أبو مصعب الزرقاوي السيئ الصيت. وأوضح التقرير أن لدى «داعش» اختلافات كبيرة مع القاعدة في الأيديولوجيا والبرامج. فمن الناحية الأيديولوجية، كان تنظيم «داعش» يميل إلى كونه أكثر أصولية وتمسكاً بحرفية النص من تنظيم القاعدة، مع التركيز بشكل خاص على النبوءات والتسليم بأننا نعيش في «نهاية العالم»، وكان الفارق الأساسي في البرنامج تأكيد «داعش» إنشاء دولته كهدف مباشر لنشاطه، بينما بالنسبة إلى «القاعدة» بقي هذا هدفاً بعيداً. وهذا يعني، في المحصلة، أن أجندة «داعش» تشكّل رفضاً لمقولات أسامة بن لادن، زعيم القاعدة، من التسعينيات، هذه المقولات التي شكّلت في الواقع المبدأ الأساسي للقاعدة، وهي التركيز على«العدو البعيد» (الولايات المتحدة وبقية الدول الغربية) أولاً من أجل التحضير للانتصارات النهائية على«العدو القريب» (الحكومات والمجتمعات العربية والإسلامية). كما قادت كلٌّ من هذه التوجهات «داعش»، بدءاً منذ كان «دولة العراق الإسلامية»، حتى أصبح أكثر تعصباً وتطرفاً وأكثر عنفاً محلياً، وأكثر عدائيةً للجميع (خاصة المسلمين العرب المعتدلين والشيعة والإسلاميين الآخرين وأي شخص ليس عضواً في التنظيم فعليّاً، بمن فيهم أخيراً خصومه في تنظيم القاعدة) من أي جماعة متطرفة كبيرة سابقة. انتعاش التطرف وعلى خلفية الوحشية الاستثنائية من جانب نظام الأسد وحلفائه الإيرانيين وحزب الله، انتعش «داعش» في الصراع السوري، كما ذكر التقرير، لكن في حين ركزت جميع جماعات المعارضة الأخرى على الإطاحة بالأسد، فقد ركز تنظيم «داعش» بدلاً من ذلك على تأسيس حكمه الخاص في المناطق التي يسيطر عليها. ولاحظ التقرير أنه في حين يرحب الجميع تقريباً بسقوط تنظيم «داعش»، ثمة سبب وجيه للتخوف من أنه على الرغم من أن هذه المعركة قد حسمت، فإن الحرب الأوسع ضدّ التطرف لا تزال مستمرة، وهي صراع شاق. مخاطر الميليشيات أكد التقرير أنه إضافةً إلى الجماعات المتطرفة مثل تنظيمَي القاعدة و«داعش»، هناك مجموعة مختلفة من العناصر المتطرفة من غير الدول تهدد الشرق الأوسط المعاصر: الميليشيات والأحزاب الموالية لإيران، معتبراً أن النموذج الأولي لمثل هذه المجموعات هو حزب الله، الذي أُسّس بتوجيه إيراني في أعقاب الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، وخلال العشرين سنة اللاحقة، قامت إيران وحلفاؤها في دول عربية مختلفة بمحاولات عديدة لمحاكاة النجاح الكبير الذي حققته في تأسيس «حزب الله» كوكيل إيراني. ومن الصعب المبالغة في تقدير قيمة «حزب الله» كذراع استراتيجي لإيران في قلب العالم العربي وعلى طول حدود إسرائيل، خاصة أن الحزب أسّس في النهاية دولةً فاعلةً ذات سيطرة تامة داخل دولة لبنان. وأشار إلى أن أياً من هذه الجهود لم تنجح بشكل كامل إلى أن جاءت الأحداث التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة. وأدى سقوط طالبان في أفغانستان، ونظام صدام حسين في العراق على وجه الخصوص، إلى توسع هائل في نفوذ إيران الإقليمي وامتدادها الاستراتيجي، ومع تعزيز قوة إيران ونفوذها في العالم العربي منذ انتفاضات «الربيع العربي»، فإن اعتماد إيران على الوكلاء من غير الدول والجماعات المتطرفة المسلحة توسّع مداه، واليوم تعمل هذه المليشيات القوية الموالية لإيران، الخاضعة إلى حد كبير للسيطرة المباشرة لطهران، وإن ليس بشكل حصري، على تقويض الدول والمجتمعات العربية. وكما هو الحال منذ أوائل الثمانينيات، فإن «حزب الله» هو «جوهرة تاج الهيمنة الإيرانية في العالم العربي». إلا أنه مع مرور الوقت، وخاصة أثناء الصراع السوري، تطور دور «حزب الله» بشكل كبير، إذ كان لاعباً رئيساً في المشروع الروسي - الإيراني المشترك لإنقاذ واستعادة نظام الأسد، وتطورت طبيعة الحزب بشكل لافت للنظر، ولم يعد «حزب الله» الآن ظاهرة لبنانية في المقام الأول، لأن معظم نشاطاته المهمة تجري في سوريا وخارجها. وقد خسر التنظيم ما لا يقل عن 1500 عنصر من صفوة مقاتليه في الصراع السوري، وقاد القتال على الأرض في العديد من المعارك الاستراتيجية الحاسمة نيابة عن النظام السوري. ويسيطر «حزب الله» الآن على عدة مناطق رئيسة في سوريا، بعيدة كل البعد عن لبنان مثل منطقة البوكمال المهمّة المتاخمة للحدود العراقية. دولة داخل الدولة وأكد التقرير أنه ثمة خطراً كبيراً من محاكاة نموذج الدولة داخل الدولة الذي يعتبر «حزب الله» رائداً له في لبنان، إلى حدٍّ ما على الأقل، في العراق. ويمكن لمجموعات ميليشيات قوات الحشد الشعبي التي تشكلت بتشجيع من الحكومة العراقية بعد يونيو 2014، ظاهرياً لمحاربة «داعش» وغيرها من التنظيمات المتطرفة، أن تتطور لتصبح نظيراً عراقياً، لافتاً إلى أن التحركات التي قام بها رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي في أوائل عام 2018 لإعادة تنظيم قوات الحشد الشعبي وإلحاقها بالجيش العراقي يمكن أن تضع هذه التنظيمات تحت سيطرة حكومة بغداد. إلا أنه ثمة خطر أيضاً من أن هذه التنظيمات، بما في ذلك منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب «حزب الله» وغيرها حيث للكثير منها تاريخ طويل من العنف الطائفي والهجمات الإرهابية، قد تصبح حرَّةً في ممارسة صلاحيات الدولة وسلطتها إما إلى جانب الحكومة الفعلية أو بدلاً منها، وإذا استمر العراق في تطوير المزيد من السياسات المستقلة التي تقوض الهيمنة الإيرانية، والعودة للاندماج مع العالم العربي، فمن المرجح أن يحاول الحرس الثوري الإيراني نشر قوات الحشد الشعبي بشكل استراتيجي. التمرد الحوثي وفي سياق متصل، بحسب التقرير، يُعتبر المتمردون الحوثيون في اليمن من أكثر العناصر إشكالية في شبكة المتطرفين المدعومين من إيران والأطراف الفاعلة من غير الدول. وخلافاً لمعظم الجماعات المسلحة المؤيدة لإيران، فإن الحوثيين (الزيدية) هم طائفة مختلفة جدّاً عن الشيعة الاثني عشرية، الذين يشكّلون غالبية الشيعة في إيران والعراق ولبنان. وفي حين أن التواصل الإيراني مع الزيدية يعود إلى الثمانينيات، لا يبدو أن إيران أدّت دوراً رئيساً في تأسيس الحركة الحوثية في التسعينيات. ومع ذلك، وعلى مدى النزاع الأخير في اليمن، وخاصة منذ تدخل التحالف الذي تقوده السعودية في أعقاب انقلاب الحوثيين على الحكومة واستيلائهم على صنعاء في العام 2014، تمكنت إيران من زيادة دعمها للحوثيين. واعتبر التقرير أن تبجُّح أحد البرلمانيين الإيرانيين بأن طهران تسيطر الآن على أربع عواصم عربية، ويقصد كلاً من بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء، يعد مبالغاً فيه إلى حد كبير، على الرغم من طهران اكتسبت بالتأكيد درجةً من النفوذ والهيمنة في العواصم المذكورة، تحديداً باستخدام أطراف طائفية فاعلة من غير الدول، وميليشيات وجماعات متطرفة لزعزعة استقرار جيرانها العرب وتقويضهم. عوامل تحول دون إلحاق هزيمة حاسمة بـ«داعش» ذكر التقرير، أن عدة عوامل رئيسية تحول دون إلحاق هزيمة حاسمة بداعش واجتثاثه تماماً؛ فاستمرار هشاشة وتهميش العديد من المجتمعات الخاضعة لهيمنة شيعية في العراق، وهيمنة علوية في سوريا، في ظل أعمال العنف تحديداً التي تقوم بها جماعات قوات الحشد الشعبي العراقية أو عناصر الشبيحة السورية أو غيرها من القوات الموالية للأسد، يسمح لعناصر داعش بأن تستغل الموقف على اعتبار أنها تبقى الأمل الأخير للجماهير اليائسة؛ كما أنّ الافتقار إلى جهود إعادة الإعمار الكافية والمنسَّقة والمساعدات الدولية من شأنه أن يوفر سبباً إضافيّاً لمثل هذا الظهور الداعشي المتجدِّد. علاوة على ذلك، فإن المظالم الكامنة الواسعة التي أدت إلى ظهور داعش في المقام الأول، وخاصة كظاهرة إقليمية، لم يتم حلها إلى حد كبير. وتشمل هذه المظالم اختلال منظومة الدولة والمنظومة الاجتماعية، بالإضافة إلى اليأس الاقتصادي، وغياب الروايات الجمعية ذات الدلالة، التي تدعي الأيديولوجية «الجهادية» أنها توفرها، ما يمنح أتباعهم سبباً مفترضاً للحياة والموت. وأكد التقرير، أن داعش خسرت دولتها المزعومة، لكن لم يتم إقصاؤها أو حتى إلحاق الهزيمة بها كتنظيم، وخاصة كفكرة. ولا تزال تعمل ليس فقط في سوريا والعراق، بل في ليبيا واليمن وسيناء وأنحاء أخرى كثيرة في العالم العربي، حيث تحتدم الصراعات ولا تسري الأوامر الحكومية. وأوضح التقرير، أنه يتعين الآن تعزيز المعركة على الأرض من خلال حشد جهود كبيرة لمواجهة المنظومات العقائدية التي تغذي الإرهاب، فالأيديولوجية «الجهادية» لا تزال قوية بمختلف أشكالها المتكررة. تقويض أكد التقرير، أن الاستراتيجية الإيرانية تسعى بشكل متعمَّد إلى تقويض سلطات الحكومات العربية واغتصابها، أو استغلال الأزمات القائمة وتأجيجها، وبشكل خاص تعتزم طهران تعزيز وتوسيع الانقسامات الطائفية في المجتمعات العربية، ما يسمح لإيران ووكلائها بأن يظهروا وكأنهم أبطال المجتمعات الشيعية المحاصرة أو المهددة، ونجحت هذه الاستراتيجية في السنوات الأخيرة لدرجة أن الرواية السياسية الشيعية التقليدية في العالم العربي قد انتقلت في كثير من الحالات من التأكيد على الاضطهاد والضحية إلى ما يعكس غالباً إحساساً بالفوز بالسلطة والسيطرة على الآخرين، وهذه الديناميكية، بدورها، تفتح الباب أمام الجماعات المتطرفة مثل القاعدة أو داعش للظهور بمظهر أبطال المجتمعات المهدَّدة وجودياً في سوريا والعراق وأماكن أخرى. أداة وفقاً للتقرير، يعمل حزب الله الآن كقوة طليعية وقوة تدريب عسكرية رئيسية لصالح شبكة متنامية من الميليشيات الموالية لإيران، والجماعات الإرهابية، وغيرها من الجهات والأطراف الفاعلة من غير الدول، والمنتشرة في الدول العربية التي ينعدم فيها الاستقرار، وإلى جانب الحرس الثوري الإيراني، نشط حزب الله بشكل كبير في العراق واليمن، وبحسب العديد من التقارير، بشكل متزايد في البحرين أيضاً، فعملياً، حيثما أراد الحرس الثوري الإيراني تسليح وتدريب وتمكين تنظيمات العنف المتطرفة المؤيدة لإيران، على الأرجح أن يتم إرسال حزب الله للمشاركة بتجاربه وقدراته وخبرته الهائلة. تدخلات قال التقرير: إن التدخلات الإيرانية تفاقمت، لا سيما في السنوات الخمس الماضية، وليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأنه سيتم التخلي عن هذه الاستراتيجية أو ستصبح أقل تأثيراً، ما لم تعانِ إيران من بعض النكسات الاستراتيجية الخطرة، وبينما يبدو أن العديد من الصراعات التي تزعزع الاستقرار في العالم العربي قد بدأت تهدأ، إلا أن بعضها -مثل الحرب في سوريا- يبدو كأنه يجري وفقاً لشروط إيرانية إلى حد بعيد، وقد أظهرت طهران أن لديها القدرة والاستعداد لصنع الأزمات عند الضرورة. أدلة أشار التقرير إلى أن كلاً من إيران و«حزب الله» ينكران بشدة أنهما يسلِّحان ويدرِّبان الحوثيين ويقدمان لهم المشورة، لكن توجد أدلة قوية تشير إلى أنهما يفعلان ذلك وبشكل متزايد، وبشكل خاص، اتهمت كل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة إيران بتزويد الحوثيين بالصواريخ والقذائف التي استخدمتها الجماعة لاستهداف مجموعة من المدن السعودية منذ عام 2017، وقدّمت الولايات المتحدة أدلة للأمم المتحدة تثبت علاقة إيران بهذه الذخائر، ومع ذلك فإنه ليس للحوثيين النوع نفسه من العلاقة المباشرة والخاضعة للحرس الثوري الإيراني أو أي كيان إيراني آخر كما هو الحال مع «حزب الله» أو العديد من قوى الحشد الشعبي. النموذج الإماراتي تواصل العديد من الأصوات البارزة في العالم العربي لتأكيد الحاجة إلى توجهات سياسية تؤكد الوعي الاجتماعي والوطني، بحيث يتم تغليبه على تجييش المشاعر الدينية والطائفية. وتُظهر بعض دول الخليج، بما فيها دولة الإمارات العربية المتحدة، إمكانية وجود مجتمع عربي متعدد الأديان ومتنوع ثقافياً وعرقياً ومتسامح دينياً واجتماعياً، فضلاً عن كونه فاعلاً ومزدهراً إلى أبعد الحدود. وقال إن المجتمعات المتنوعة إلى حد كبير والمتسامحة تقليديّاً في العالم العربي تعدّ أكثر ملاءمةً لنموذج يقوم على المواطنة. مقاطعة قطر تحدد طيف الثقافة السياسية العربية في العقـود المقبلة أكد التقرير الصادر عن المنتدى الاستراتيجي العربي، بالتعاون مع معهد دول الخليج العربية في واشنطن، أن القيادة الإقليمية والإدارة والنفوذ في العالم العربي شهدت تحولاً حاسماً في السنوات الأخيرة، لا سيما منذ انتفاضات ما يشار له بـ«الربيع العربي»، وذلك بعيداً عن مراكز السلطة التقليدية مثل القاهرة ودمشق وبغداد نحو دول الخليج العربية، ونتيجة لذلك فإن صدى النزاعات بين دول مجلس التعاون الخليجي بات يتردد على المستوى الإقليمي والمحلي. وأبرز تلك النزاعات هي مقاطعة قطر، التي أطلقتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، إضافة إلى مصر في أوائل يونيو 2017. وقال التقرير: إن هذا الإجراء غير المسبوق يمثل ذروة سلسلة من الإجراءات من جانب هذه البلدان ضد سياسات الدوحة الإقليمية وعلاقاتها مع الجماعات المتطرفة والمعارضة. ووفقاً للتقرير، فإن المقاطعة التي أصبحت الآن في عامها الثاني، لا تؤثر فقط على العلاقات بين هذه الدول، ولكن أيضاً بين أصدقائها وحلفائها في جميع أنحاء المنطقة وخارجها، بل وتؤثر على حسابات القوى العظمى مثل الولايات المتحدة. وأوضح أن الإعلان عن المقاطعة بدا مفاجئاً وغير متوقع، لكنه كان في الأساس استمراراً وتصاعداً لنزاع طويل الأمد بين قطر والعديد من جيرانها الخليجيين، إذ تعترض الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، على الدعم المالي والسياسي والإعلامي، الذي تقدمه قطر لمجموعة من المنظمات الإسلامية والشعبية والديماغوجية في جميع أنحاء العالم العربي؛ وأحد المظالم الرئيسة هو دعم الدوحة للمتطرفين، ولا سيما جماعة الإخوان. ولطالما اعترضت دولة الإمارات على قطر التي تعمل مركزاً وممولاً ومروِّجاً إعلامياً- وخصوصاً من خلال شبكة الجزيرة الإعلامية التابعة لها- للمتطرفين، وتحديداً جماعة الإخوان، وقد تبنّت السعودية وجهة النظر هذه بشكل متزايد، كما رحبت بها حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. سلسلة أيديولوجية ذكر التقرير أن «الحجة الأيديولوجية تتلخص أساساً في مسألة ما يمكن اعتباره مظاهر شرعية ومقبولة للإسلام السياسي في الحياة السياسية السائدة أو المعيارية للمجتمعات العربية، وفي ما يجب رفضه، في المقابل، باعتباره غير مقبول. وتؤكد وجهة النظر التي تدافع عنها الإمارات بأن المتطرّفين يشكلون عمليّاً سلسلة أيديولوجية موحدة تتميز باختلافات في الدرجات وليس بالنوع، لذلك فبينما توجد فروقات بيّنة بين أحزاب الإخوان والقاعدة أو داعش، وتعتبر هذه الجماعات بعضها بعضاً منافسين أو حتى أعداء، فإنها في جوهرها تجليّات للأيديولوجية السياسية الأساسية نفسها للحركات المتطرفة والمتمردة. وعليه، حتى عندما تركز أحزاب الإخوان على الجهود السياسية والأيديولوجية بدلاً من العنف، فإنها تشارك المجموعات المتطرفة العنيفة الكثير من الافتراضات الجوهرية الأساسية، إن لم يكن في معظمها؛ كما تشاركها معظم أهدافها طويلة المدى مثل توحيد العالم الإسلامي في نهاية المطاف في ظل الخلافة الدينية الرجعية الجديدة، لذا يجب اعتبار الإخوان جزءاً جوهرياً من المشكلة، والمصدر الرئيس لإلهام هذا النوع من التطرف العنيف، وفي الحقيقة، «مدخل الإدمان» الضروري لوضع المتطرفين على الطريق الذي يمكن أن يؤدي منطقيّاً وسريعاً إلى القتل الجماعي والفوضى. طيف الثقافة العربية وذكر التقرير أن أقوى مؤشر على النتائج المتوقعة ربما يكون هو أن المقاطعة ببساطة هي أهم مخاوف السياسة الخارجية لقطر، في حين أنها بالنسبة للدول الأربع مجرد مسألة أمن قومي قليلة الأهمية نسبيّاً وغالباً ما تعتبر محدودة الأهمية، ويعكس هذا التباين في المخاوف تباينات أوسع في القوة، حيث من المرجح أن تصوغ طبيعة النتائج على المدى البعيد. ومع ذلك، فإن ما هو على المحك ليس مجرد توازن القوى بين دول الخليج العربية، إن ما يجري التنافس عليه، وقد يتم حسمه إلى حد كبير، من بين أمور أخرى، هو طيف الثقافة السياسية المعيارية العربية السائدة في العقود المقبلة، وبالتحديد دور الحركات الإسلامية وخصائصها، فثمة رؤيتان متناقضتان؛ الأولى ترى كل نُسَخ الإسلام المتطرف على أنها مُعضلة بطبيعتها وتهدِّد الاستقرار الإقليمي، بينما ترى الأخرى أن بعض أشكاله ليس شرعيّاً فقط وإنما ضروري أيضاً. وقد لا يسيطر أي من الطرفين في هذه المعركة الأيديولوجية على المدى القريب، ولكن إذا سيطر أحدهما، فقد يكون ذلك حاسماً في تحديد طيف الثقافة السياسية العربية السائدة في العقود المقبلة. زعزعة الاستقرار ذكر التقرير أن دول المقاطعة الأربع تعتقد جازمة أن قناة الجزيرة، بشكل خاص، كانت تحاول زعزعة استقرار مصر بعد إطاحة مرسي، كما يعتبرونها تهديداً رئيساً مباشراً للاستقرار الإقليمي، وعلاوة على ذلك، تتهم السعودية والإمارات قطر بتقديم دعم واسع ومباشر للمتطرفين وغيرهم من جماعات المعارضة في مجتمعاتهم، وذلك عن طريق تمويلهم وإيوائهم، إضافة إلى تزويدهم بجوازات السفر وغيرها من الوثائق الأساسية. وبالتالي فإن الاتهامات تأتي في سياق عملي وأيديولوجي. ويصر جيران قطر على أنها وعدت بتعديل سلوكها في الاتفاقيات الموقعة في 2013-2014، غير أنهم يؤكدون أن الدوحة لم ترتقِ إلى مستوى تلك الالتزامات. السعودية زعيم إقليمي عربي حاسم لفت تقرير المنتدى الاستراتيجي العربي إلى أن العامل الخامس والأخير، الذي سيعيد تشكيل المشهد السياسي والاستراتيجي العربي في العقود المقبلة، قد يبدو -للوهلة الأولى- مجرد ديناميكيات اقتصادية واجتماعية وسياسية داخلية في إحدى الدولة العربية ذات السيادة، وتحديداً المملكة العربية السعودية، ومع ذلك، فإن التحول الدرامي في المجتمع السعودي له صدى وأهمية إقليمية واسعة. وبالنظر إلى تحول القيادة الإقليمية بعيداً عن مراكز القوى التقليدية وباتجاه دول الخليج، وأكبرها المملكة العربية السعودية، فقد برزت المملكة عملياً كونها زعيماً إقليمياً عربياً حاسم، وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة أقوى شريك لها في المنطقة، ولذلك فإن ما يحدث في المملكة العربية السعودية لن ينحصر ببساطة فيها، ولكن من المحتمل أن يكون له تأثير هائل في بقية المنطقة. طور النشوء وقال التقرير: ليس من المبالغة وصف التطورات الجارية في السعودية بأنها دولة سعودية رابعة في طور النشوء، فإذا نجحت، في نهاية هذه العملية، فلن يكون في المملكة العربية السعودية أي وجه شبه يذكر من حيث اقتصادها ومعاييرها الاجتماعية وهياكلها الإدارية مقارنة بالدولة السعودية الثالثة، التي تأسست عام 1932، وبالفعل، فبينما قد تبدو التغييرات السياسية الهيكلية والإدارية متواضعة وفق هذه المعايير التاريخية الشاملة، فإن أسلوب الحياة السعودي، في الواقع، يتغير بسرعة وبطرق دراماتيكية عديدة. وأكد التقرير أنه لا ينبغي التقليل من شأن حجم ومدى التحول الجاري في المملكة العربية السعودية، حيث تسعى خطة رؤية 2030 إلى تغيير الخصائص الجوهرية للاقتصاد السعودي بشكل أساسي، وتنويعه من الاعتماد شبه الكامل على الطاقة، واعتماد مجموعة من المبادرات العامة والخاصة الجديدة، وباستخدام صندوق الاستثمار العام، تخطط الحكومة السعودية لما لا يقل عن 80 مشروعاً جديداً كبيراً عبر مجموعة من الخدمات العامة والقطاعات الأخرى، والهدف الرئيس الآخر هو دعم القطاع الخاص، وتشجيع الاستثمار الأجنبي الضخم في البلاد. قوة متمكّنة وقال: إن تشجيع المواطنين السعوديين على التفكير والعمل قوة عاملة متمكِّنة، وتتمتع بالقدرة مع تفويض وديناميكية إنتاجية يعني بالضرورة أيضاً تمكين نصف القوى العاملة الوطنية المحتملة، أي الإناث. ويعدّ قرار السماح للنساء بقيادة السيارات خطوة ضرورية في هذا الاتجاه، وإن كانت من نواح عدة مبدئية، ويجري بالفعل رفع القيود المفروضة على الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة والمؤسسات التعليمية وأماكن العمل.طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App

مشاركة :