تبسمت بأسى عندما عرفت أن أحد «المحتسبين» وكان حاضرا في مهرجان عكاظ بالطائف، وعندما كانت ضيفة المهرجان الشاعرة التونسية «جميلة الماجري» تلقي قصيدتها، هب فجأة أخونا بالله واقفا يهاجمها ويريد أن يسكتها. طبعا قبضوا عليه وأخرجوه، القضية ليست هي ها هنا، ولكن بأي منطق يحق لكل من يطلق عليه مسمى «محتسب» أن يرغي ويزبد كيفما شاء؟! وكأنه والعياذ بالله هو الوحيد الذي أخذ مفاتيح الجنة ووضعها في جيبه. كيف لم يقرأ التاريخ، كيف لم يفهم ذلك المحتسب الجاهل أن الشاعرة الخنساء وقفت بين يدي رسول الله تلقي قصائدها، ولم ينهها قائلا لها «تغطي» يا حرمة، أو يخرسها قائلا لها «اسكتي»، بل إنها كلما توقفت قليلا يحثها عليه أفضل الصلاة والسلام ليستزيدها من فرط إعجابه بشعرها، وكلما تجاوبت معه يقول لها: ايه (خناس)، ايه (خناس) أفهم وقد أتقبل أن يزايد أي (متحسن) علينا نحن المشكوك فيهم، ولكن أن يزايد حتى على رسول الله؟!، فهذه هي الكارثة المركبّة، خصوصا أنه يردد ليل نهار الآية الكريمة القائلة: «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة» يا ليت كل محتسب متطرف يحاسب نفسه فقط، ويريح الناس من رؤية فمه الواسع، ويخفض من صوت نبراته المرتفعة والمزعجة. وإليكم موقف آخر مع «محتسب» آخر، صحيح أنه مختلف بعض الشيء عن الأول، ولكن له أيضا دلالة، تؤكد «اللقافة» ولا تنفيها: فقد قال لي أحد الأشخاص: عندما كنت أصلي في يوم الجمعة خلف إمام تبدو عليه ملامح التقى والورع، وقبل أن يكبر الإمام بالصلاة، فوجئنا بأحد الواقفين يخرج من الصف ويصيح بالحاضرين بأعلى صوته قائلا: لا يجوز لكم أن تصلوا خلف هذا الرجل لأنه يرتكب «الفاحشة»، وعندما بحلق به الكل وهم مصدومون أضاف: إنه جاري وأنا أرى امرأة تدخل منزله كل صباح عندما يخرج منه أولاده ثم تذهب قبل عودتهم.. وهذا حسب قوله - دليل واضح على جريمته النكراء، فكيف نقبل منه أن يؤمنا بالصلاة؟! وإزاء هذه التهمة الخطيرة لم يملك الإمام إلا أن يوضح لهم أن تلك المرأة هي زوجته على سنة الله ورسوله، لكنها على طريقة «المسيار» وأحضر لهم ما يؤكد صحة قوله، وبحسب ما ذكره لي ذلك الشخص فقد أقام الإمام فيما بعد، دعوى قذف ضد ذلك الرجل، وأشهد على ذلك الشهود، ولست أدري كيف انتهت أو ستنتهي تلك القضية؟! على أية حال من الصعب أن أدلي برأيي في مسألة «المسيار» الشائكة تلك، ولكنني دون شك معجب بفدائية وذكاء ذلك الشيخ الإمام الذي طبق المثل القائل: ساعة لربك وساعة لقلبك. Meshal.m.sud@gmail.com للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ,636250 موبايلي, 737701 زين تبدأ بالرمز 455 مسافة ثم الرسالة
مشاركة :