رأت صحيفة (الأوبزرفر) البريطانية أن إخفاق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الاستماع إلى المحتجين يؤجج غضبهم.وقالت، في افتتاحية الأحد، إن الفرنسيين غير راضين عن أحوالهم المعيشية، وليس هذا بجديد؛ فلديهم سجلّ حافل بالتظاهرات العامة منذ نحو 50 عاما وانتفاضة الطلاب في باريس ومن قبل ذلك وصولا إلى ثورة عام 1798؛ الأمر إذن عادي ومن ثم فلا داعي للنظر إلى الموجة الراهنة من التظاهرات المناهضة للضرائب والمناوئة للحكومة على أنها أمر طارئ؟.ونبهت الأوبزرفر إلى أن دواعي اشتعال تلك التظاهرات عديدة وملحة؛ وليست هذه الظاهرة قاصرة على فرنسا؛ فأصحاب السترات الصفراء، كما يُعرف المتظاهرون، يمثلون أغلبية أبناء الطبقات العاملة و(الوسطى الدنيا) عبر أوروبا ممن يشعرون بتجاهل النظام الاقتصادي لاحتياجاتهم. ورأت الصحيفة أن أولئك الذين يرون في الغضب الموّجَه إلى إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا الشاب، دفاعًا عن استراتيجيات اليسار - هؤلاء إنما يستغفلون أنفسهم؛ فلا علاقة للأمر بسياسات اليسار أو اليمين، إنما هو لتقويض تلك السياسات؛ وعلى ساسة اليمين الذين يبغون استغلال حالة الاضطراب الراهنة أن يحذروا. وأكدت (الأوبزرفر) أن أصحاب السترات الصفراء يتشاركون فيما بينهم العديد من المخاوف وانعدام الأمن والاغتراب وغيرها من الدوافع التي أنتجت (بريكست) في بريطانيا وجاءت بحكومة اليمين المتشدد في إيطاليا؛ وقوضت استشارية قائدة أوروبا المعتدلة أنجيلا ميركل؛ وصعدّت أحزاب شعبوية متشددة وغير متسامحة في كل من بولندا والمجر والنمسا وغيرها؛ وعندما فارت تلك الأغلبية، تمخضّ ذلك في الولايات المتحدة عن دونالد ترامب.وقالت الصحيفة على لسان الكاتب الفرنسي كريستوف جيلوي، إن شرارات تلك التظاهرات لم تندلع في المدن الكبرى كباريس ولندن وبرلين وإنما اندلعت في المناطق المهمشة والمدن الصغرى والمتوسطة غير الصناعية والمناطق الريفية؛ وثمة حكاية مشتركة وهي ارتفاع معدلات البطالة وعدم الأمان الاقتصادي وتزايد معدلات الفقر وتدني مستوى الخدمات وانعدام الفُرَص، فضلا عن الضرائب الباهظة.وقالت (الأوبزرفر) إن تلك الجموع الشعبية المحتجة هي ضحايا عدم المساواة الاقتصادية والتغريب الثقافي الناتجَين بالأساس عن العولمة؛ وعلى نحوٍ متدرج انفصلت النخبة الأغنى والأفضل تعليمًا المقيمة بالمدن الكبرى عن الجماهير الشعبية المقيمة بالمناطق النائية تاركة إياها تعاني التجاهل؛ وكانت النتيجة هي قواعد شعبية صامتة ظلت تغلي غضبًا حتى وجدت لنفسها اليوم صوتًا في باريس؛ وعبر ارتداء السترات الصفراء، ضمنت الجماهير المتظاهرة أنها تحظى بالأضواء مرة أخرى.ونوهت الصحيفة عن أن الأمر بالنسبة لـ ماكرون، كسائر القادة الأوروبيين، ليس هينًا وليس ثمة أجوبة سهلة؛ فأهداف المتظاهرين متعددة ومبهمة: ضرائب منخفضة وأجور مرتفعة وطاقة أرخص ومعاشات أفضل، وفي بعض الحالات رئيس جديد.ولفتت الأوبزرفر إلى أن الحركات الثائرة هي بلا قيادات للتفاوض معهم، وأن تلك الحركات تتعايش وتنظم نفسها عبر منصات التواصل الاجتماعي. ونبهت إلى أن تلك التظاهرات يسهل اختطافها من جانب جماعات اليمين المتشدد التي تستهدف عادةً الإطاحة بحكومات منتخَبة.ورأت الأوبزرفر أن ماكرون ارتكب أخطاء يمكنه تصحيحها؛ ولقد ألغى بالفعل قرار رفع ضريبة الوقود التي أشعلت التظاهرات؛ ويمكن لتدابير تصالحية أخرى أن تأتي تباعا؛ وقد بات تحسين عملية التواصل بين الحكام والمحكومين أمرًا حتميًا؛ إن فرنسا تحتاج إلى مَن يستمع إليها أكثر من احتياجها إلى مَن يقودها.
مشاركة :