التمريض عندما يُمرِض

  • 12/10/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

مازالت هناك عائلات عربية كثيرة ترفض لأولادها وبناتها العمل في سلك التمريض، من منطلق أنه مجال لا يليق بـ«عيال القبائل». كانت هذه النظرة الدونية موجودة قبل عقود حتى في مجال التدريس بالنسبة للنساء، ثم -سبحان الله- صار التدريس هو المجال المفضل للنساء، وخصوصا في المجتمعات التي تتحسس من بيئات العمل المختلطة، ولهذا تجد معظم المستشفيات العربية الكبيرة تستعين بممرضات آسيويات مع إعطاء الأولوية للفلبينيات. وأكبر عيب يمكن ان تُبتلى به الخدمات الطبية هو أن يكون «التمريض» نقطة الضعف فيها، فالدارج في كثير من المرافق الخدمية -والمستشفيات ليست استثناء رغم أنها تقدم خدمات استثنائية- هو أن من يعملون فيها يحرصون على إفهامك بأنهم يتصدقون عليك، ولنعترف بأن معظمنا لا يحترم العمل العام، وأن العاملين فيه ليسوا محكومين بمنظومة أخلاق عمل work ethics متفق عليها، فالعمل عندنا مجرد أداة مواصلات تأخذك آخر الشهر حيث الراتب، وفي العديد من الدول العربية مدارس للتمريض يتعلم الملتحقون بها المهنة على أصولها المتعارف عليها دولياً، ولكنهم يتحولون بعد التخريج إلى كائنات متنرفزة وعصبية، ولا تثريب عليهم في ذلك فهم نتاج ثقافة لا تحترم العمل خاصة لحساب «الحكومة». كنت قبل سنوات طويلة نزيل مستشفى عربي عقب جراحة غير مشرفة، لن أخوض في تفاصيلها لأننا نعتبر أمراضا مثل البواسير والناسور «عيباً» مثل الحمل سفاحا! المهم أن درجة حرارتي ارتفعت ليلاً، وعرفت لاحقاً أن ذلك أدى إلى ارتفاع شديد في ضغط الدم لديّ، ولكن ممرضة كانت تشرف علينا، كانت تمر بي وبغيري كل بضع ساعات وتسجل بيانات عن حالتنا العامة من دون أن تلمس أيّاً منا، وفي الصباح الباكر جاء فريق طبي ليطمئن على حالنا ولمس أحدهم جسمي فوجده مشتعلاً ثم قاس ضغط الدم فوجده عالياً للغاية، وسألني: منذ متى وأنت هكذا؟ فقلت له إنني أحسست بفتور وسخونة في نحو العاشرة مساء، وأضاف جاري أنني كنت أدخل في إغماءات قصيرة متواصلة، وأهذي بكلام يودي في داهية لو سمعته زوجتي، وقلب الطبيب ملفي ليكتشف أن الممرضة سجلت أنها قاست درجة حرارتي ثلاث مرات أثناء المناوبة الليلية، وأنها (أي حرارة الجسم) مع ضغط الدم كانت «عادية». قلت وقال غيري إن الممرضة لم تقترب من أيّ منا إلا لسؤال من كان من صاحياً عن هذه الكلمة أو تلك في سعيها لحلّ كلمات متقاطعة، وأوصى ذلك الطبيب بإنهاء خدمات تلك الممرضة ولكن: بنت غلبانة... وعندها ست أخوات وأمها مطلقة... والموال المعتاد الذي يجعلنا نغلب مصلحة الفرد على مصالح الجماعة، وقد ظللت «وراءها» بالرسائل المفتوحة إلى وزير الصحة عبر الصحف حتى «جبت خبرها»، ولكن ذلك المستشفى «حُرِّم» عليّ! لأن طاقم التمريض فيه صار يفضل العمى على رؤيتي مريضاً أو زائراً. ولأن الممرضات الأجنبيات أليفات ومدجنات فقد صرنا نستعين بهن بالجملة، ومنهن -وقد كتبت عن تجربتي معها من قبل- تلك التي قالت إن الدمل الذي كان في أسفل بطني، وطلب مني مركز صحي التوجه الى المستشفى الكبير للتأكد من أنه ورم حميد، «حمل خارج الرحم، (اتضح انها عملت طويلا في مستشفى للنساء والولادة واختلطت عليها المصطلحات)، ولكن وجود الممرضات الأجنبيات في مستشفياتنا في ظل حاجز اللغة «مصيبة»، ولكنهن على الأقل يمارسن وظائفهن بمهنية وانضباط، وعلى كل حال فالمصيبة أفضل من الكارثة المتمثلة في إيكال أمر المرضى الى طاقم تمريض «يستعر» من المهنة أو يمارسها باستهتار!! ولكن هل كل ممرضاتنا كذلك؟ لا، وألف لا، فالمسألة تتعلق بالتربية والإدارة، فهناك مستشفيات عربية بها ممرضون وممرضات عربيات على درجة عالية من الكفاءة والانضباط والمهارة لأن المستشفيات حسنة الإدارة، وتفرض على كافة العاملين فيها أسلوب أداء رفيع وتعلمهم أصول التعامل الإنساني والمهني. وأعود فأقول إن الافتقار إلى تلك الأصول ميسم عام في مرافق الخدمة العامة عندنا، ولكننا حساسون تجاه صحتنا، ومن ثم فإن إهمال أو تقاعس من يعمل في مجال التمريض أو الطب يمسنا في اللحم الحي، فمثلاً، في مجال الضيافة الجوية في بعض شركات الطيران الحكومية، يا ويلك إذا طلبت كوب ماء أو بندول لتسمع عبارة من شاكلة: أنا مش جرسون عند أبوك!

مشاركة :