تتواصل المواجهات، والتظاهرات الساخنة، على الأراضي الفرنسية، تحت ستار المطالب الاجتماعية، التي أعلنتها جماعة "السترات الصفراء"، والتي اندلعت على خلفية موافقة الحكومة الفرنسية على فرض رفع أسعار الوقود. ورغم تراجع الحكومة الفرنسية، وإعلانها بشكل قاطع، تعليق فرض الزيادات التي أشعلت الشارع بالاحتجاجات، فإن توقعات عودة الهدوء إلى باريس، وباقي المدن الفرنسية، ذهبت أدراج الرياح، حيث استمرت التظاهرات المصحوبة بالعنف، الذي أوشك على تدمير واحد من أشهر الشوارع السياحية في العالم، وهو شانزليزيه. ولعل ظهور مطالب سياسية، تدعو لإقالة الرئيس إيمانويل ماكرون، وحل البرلمان، يشير إلى وجود من يحرك هذه المجموعات المتظاهرة، لإحداث فراغ في السلطة بفرنسا، وهو ما يطرح سؤالا حول الجهات التي تقف وراء هذا التطور، وهل يقتصر الأمر على الداخل الفرنسي فقط؟ أم أن هناك أياد خارجية تعبث بأمن الدولة الأوروبية العريقة؟ المعلومات الواردة من باريس، تؤكد أن ما يجري هناك ليس بمنأى عما تعيشه منطقة الشرق الأوسط، في ظل رغبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن ينتقم من فرنسا، ردا على موافقة الجمعية الوطنية على الاعتراف بالمذابح التركية ضد الأرمن. محسن عثمان الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، يؤكد صحة الطرح السابق، ويشير إلى أن وجود أكثر من ٢٥٠ منظمة إسلامية، تعمل في الشارع الفرنسي، تحت إمرة "عمار لصفر"، رجل أردوغان في باريس، يعد علامة على تأثر الاحتجاجات وأعمال العنف، بأتباع "لصفر" وأردوغان. وأوضح عثمان، لـ"البوابة نيوز"، أن أردوغان يسعى أيضا، إلى الضغط على الحكومة الفرنسية، إن لم تنجح الاحتجاجات في الإطاحة بماكرون، لكي تخفف من دعمها لقوات حماية الشعب الكردي، وحزبي العمل الكردستاني، والاتحاد الديمقراطي، بوصفها جهات مناوئة لأنقرة. وأشار عثمان إلى أن العلاقات الفرنسية، التركية، تعيش حالة من التوتر، منذ ديسمبر ٢٠١١ شهدت، حين أقر البرلمان الفرنسي قانونا يجرّم مذابح الأرمن، التي ارتكبها الأتراك، والذي على أثره قرر أردوغان تعليق العلاقات مع فرنسا وسحب السفير التركي من باريس، ومنع الطائرات العسكرية الفرنسية من الهبوط في المطارات التركية، ومنع السفن الحربية الفرنسية من الرسو بالموانئ التركية، حيث كان يشغل وقتها رئيس وزراء تركيا.ولفت إلى أن أثار إعلان ماكرون عن رغبته في أن تتوسط فرنسا بين تركيا والأكراد أغضب أردوغان بشدة. وأشار عثمان إلى أن ما يجري ليس بعيدا عن البيت الأبيض الأمريكي، خاصة بعد أن خالف ماكرون الرغبة الأمريكية، وكسر العقوبات الاقتصادية على إيران، وأعلن استمرار التعاون مع طهران، مضيفا: "هذه القوى تحاول استغلال الإصلاحات الاقتصادية الحادة، التي يتبناها ماكرون، من أجل الإطاحة به".
مشاركة :