انكشفت الساحة الفلسطينية على حالها كثيرا، عندما حدث الانقسام الفلسطيني عام 2007، وظهر مفهوم التفرد والهيمنة وإلغاء الآخر كمفاهيم دخلت عالم السياسية الفلسطينية بشكل كبير ومضطرد. حركة فتح صاحبة مشروع الدولة الفلسطينية لم تقبل في أي يوم من مراحل تاريخها بغير النصف زائد واحد في أي تركيبة تمثيلية سياسية، سواء في منظمة التحرير ومؤسساتها أو في المنظمات الشعبية وخاصة في الاتحاد العام لطلبة فلسطين، وبقيت معادلة النصف زائد واحد حاضرة في وعي قيادة السلطة من خلال السيطرة على القرار الرسمي الفلسطيني، إلى أن حدث الانقسام وظهر من ينافس حركة فتح والقيادة الرسمية للسلطة الوطنية، خاصة على جبهة التمثيل السياسي. في حركة حماس ذات الجذور الإخوانية، أخذ مفهوم الهيمنة والسيطرة بعدا أيديولوجيا، هذا البعد موجود في كل وثائق الحركة الأم “حركة الإخوان المسلمين” وحركة حماس فيما بعد، بدأت معركة البديل التمثيلي والصراع على السلطة بعد أوسلو وانشاء السلطة الفلسطينية التي استلمت المهام الإدارية والسياسية وفق اتفاق أوسلو، وبلغ الصراع أشده حين انسحبت إسرائيل من قطاع غزة، ضمن رؤية سياسية واضحة اتضحت معالمها لاحقا، سيطرة حماس على قطاع غزة وفر للحركة قطعة الأرض وإن “كانت تحت الاحتلال” لممارسة الحكم في ظروف ومعادلة صعبة، ولكنها استطاعت الصمود حتى هذه اللحظة لعدة أسباب لا داعي لذكرها، مستفيدة من: ضعف أداء السلطة ومنظمة التحرير وحركة فتح التي تحولت من فتح الثورة إلى فتح السلطة، وضعف بنية فصائل العمل الفلسطيني الأخرى وخاصة فصائل اليسار الفلسطيني الذي عجز عن التأثير على مجريات الخلاف والصراع بين حركتي حماس وفتح، بما في ذلك عن بلورة موقف فلسطيني يساري واضح من الانقسام . في مرحلة التحرر الوطني ومن البديهي ولمواجهة الاستعمار الكولونيالي العنصري، وجب على الفصائل الوطنية التحررية التوافق على برنامج سياسي توافقي. في الحالة الفلسطينية قبل أوسلو كان البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية يشكل حدا أدنى مقبولا لجميع الفصائل، باستثناء الاسلاميين الذين كان تمثيلهم ضمن حركة الاخوان المسلمين، وفيما بعد التحول الى البعد الفلسطيني عندما نشأت حركتا الجهاد الاسلامي وحماس، الاختلاف على اوسلو وانشاء السلطة الفلسطينية شكلا مدخلا للصراع، وتعددت البرامج ونسي الجميع انهم تحت الاحتلال، التنوع قضية في غاية الأهمية في مرحلة التحرر الوطني ولكن شرط أن يكون ضمن جبهة وطنية موحدة ببرنامج سياسي توافقي، عام 2007 عام الانقسام الفلسطيني عام المصيبة غاب البرنامج السياسي لصالح أجندات متعددة ازدادت فجوة الاختلاف بين حركة فتح وحماس. معادلة النصف زائد واحد الخاصة بحركة فتح في مواجهة معادلة الهيمنة والازاحة الخاصة بحركة حماس لم تعد مقبولة من الشارع الفلسطيني. أحد عشر عاما من تاريخ الانقسام ورغم دور مصر والعرب مازال الانقسام الفلسطيني يعبث بالقضية الوطنية، لصالح العدو القومي والوطني إسرائيل، إذا كانت إسرائيل ومن خلفها الادارة الامريكية تسعى الى تجزئة الحل وتجزئة القضية الفلسطينية، كما حدث في عدة ملفات، مثل ملف اللاجئين الفلسطينيين حيث تسعى ادارة ترامب الى المس بوحدة اللاجئين الفلسطينيين من خلال تقسيمهم إلى فئات، إلى جانب فصل القدس العاصمة السياسية للفلسطينيين عن سياق الحل، وبالطبع فصل قطاع غزة عن القضية الفلسطينية والضفة الغربية ومدينة القدس، هذا يقتضي تمتين الوحدة السياسية للفلسطينيين كجماعة سياسية واحدة، مسار المصالحة الفلسطينية وحتى الرعاية المصرية بحاجة لمراجعة شاملة، أحد عشر عاما من المفاوضات ومن الرعاية المصرية أعطت نتائج صفرية، وأكثر من ذلك حدثت تراجعات كبيرة من قبل حركتي حماس وفتح، إلى جانب التراجعات الهائلة التي حدثت على صعيد القضية الفلسطينية، سواء في عمقها العربي والدولي، مقاربة المحاصصة السياسية والادارية التي شكلت جوهر كل الاتفاقيات السابقة بشأن المصالحة ماهي إلا وصفة جاهزة للفشل، لذلك فعلا لا قولا وجب على طرفي الانقسام الاتفاق على برنامج وطني موحد تشاركي يحدد أولا طبيعة المرحلة التي نمر فيها، وثانيا الموقف من الوطنية الفلسطينية وخاصة لدى حركة حماس، فالالتباس في مفهوم الوطنية لم يعد مقبولا من أحد، خاصة ونحن في مرحلة التحرر الوطني، يعني تشكيل الدولة الوطنية الفلسطينية وإزالة الاحتلال كمقدمة لهزيمة الحركة الصهيونية والاستعمار الكولونيالي الذي استوطن أرض فلسطين، بعد ذلك إقرار واعتراف حركة حماس بطبيعة المجتمع الفلسطيني التي تريد أن تعيش فيه، وهي الطبيعة التي حددتها وثيقة الاستقلال والقانون الأساسي، حركة فتح من جهتها عليها أن تعترف بتخليها عن معادلة النصف زائد واحد، وفي النهاية على الطرفين الاعتراف بمبدأ المشاركة السياسية شرط لتعزيز وحدة الموقف الفلسطيني. إن التصويت الذي حدث في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي الموافق 7 ديسمبر يؤشر على ضرورة تجاوز مرحلة الانقسام. أرادت إدارة ترامب ووفق مبدأ التجزئة إدانة حركتي حماس والجهاد الاسلامي بالإرهاب، وإصدار قرار اممي بذلك، ولكن التعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية أفشل ذلك، من خلال الذهاب للتصويت بالثلثين وليس بالنصف زائد واحد كما طالبت مندوبة الادارة الأمريكية في الأمم المتحدة، ولكن علينا أن نفرق بين أن يتم التصويت للقضية الفلسطينية كقضية سياسية، الذي يحظى باجماع كبير داخل الأمم المتحدة، وبين التصويت على فصيل فلسطيني مثل حركتي حماس والجهاد الاسلامي.. إذ لم ينجح مشروع القرار الأمريكي، وإذا لم نذهب للتصويت بالثلثين لنجح القرار الأمريكي، خاصة وأن الحركتين وفق التصنيف الاوروبي والأمريكي حركتان ارهابيتان إلى جانب أن الحركتين تصنفان أيضا وفق التصنيف العالي بأنهما إسلام سياسي، ولكن رغم ذلك نجحت البعثة الفلسطينية في افشال القرار.
مشاركة :