هل تصدّر الكويت المخدرات المضبوطة إلى الخارج للاستفادة منها مالياً؟

  • 12/11/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تعكف الدولة سنوياً على إتلاف عشرات الأطنان من المواد المخدرة المضبوطة، دون أن تستفيد من القيمة الحقيقية لها، والتي تقدر بملايين الدنانير، في الدول التي تسمح بتداولها، وهو الأمر الذي يثير تساؤلا عن إمكانية صدور قانون يسمح بتصديرها إلى الخارج. فبينما تصدر المحاكم الجنائية أحكامها بتبرئة المتهمين أو إدانتهم بقضايا المخدرات أو الاتجار بالخمور، تأمر المحاكم، تبعاً لذلك، بمصادرة المواد المخدرة المضبوطة بتلك الجرائم، دون أن تستفيد الدولة منها، والتي تقدر بملايين الدنانير، وإن كانت مجرمة قانونا وشرعا، لأنها مواد ضارة بصحة الإنسان، لكن السؤال المهم لماذا لا تصدر الدولة تشريعا يسمح بإعادة تصديرها مجددا والاستفادة منها وبيعها إلى الدول التي تسمح بتداولها وبيعها؟ قانون تجريم المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، الذي يجرم المواد المخدرة، ويأمر بمصادرة المواد المخدرة المضبوطة بالجرائم، يسمح بالاستفادة ببعض المواد، بناء على قرار تصدره النيابة وفق أحكام المادة 40 من قانون المخدرات والمادة 50 من قانون المؤثرات العقلية. حظر دولي وفي سياق سبل التعاطي مع المخدرات المضبوطة، قال عميد كليــــــة الحقــــــوق بجــــــامعـــــة الكــــويــــت د. فايز الظفيري، إن «الكويت منضمة إلى عدد من الاتفاقيات الدولية التي تحظر التداول الدولي للمواد المخدرة، وان اعادة تصديرها يعرضها لمسؤولية قبل تلك المنظمات، وسيفتح علينا أبوابا كبيرة، ولا يمكن ربط سماح بعض الدول بتعاطي المواد المخدرة، لكونه أمراً يتم بالداخل وليس دوليا». وأضاف أن «الكويت لا يمكنها، بأي حال، القيام بتصدير المخدرات حتى لو صنفت على أنها هادئة، لأنها منضمة لاتفاقيات تحارب جميع أصناف المواد المخدرة، سواء كانت المخدرات هادئة، كالحشيش أو الماريغونا، أو غير هادئة، وقيام دولة أو اثنتين تبيحان تعاطي المواد المخدرة على أراضيهما لا يعني أنه مسموح للكويت بالتصدير لهما، حتى لو كانت الاستفادة مالياً بدلا من اتلافها». تعارض تشريعي وهل هناك ما يمنع تصدير المواد المخدرة من الكويت الى الخارج للاستفادة منها؟ يجيب الظفيري إن «قانون الجزاء المادة 31 من القانون رقم 13 لسنة 1995 يمنع على الدولة الاستيراد أو الجلب أو التصدير، ولا يمكن ان تجلب المخدرات أو المؤثرات العقلية إلا اذا كان بأمر طبي ومحددة الأغراض، ولكن لا يعقل أن تصدر الكويت المخدرات، لأنه يتعارض مع الإنسانية، فكل مخلوق على الأرض او لدى الدول الصديقة لابد أن يحظى بذات الاهتمام الذي يحظى به المواطن والمقيم على دولة الكويت، (لا يتعاطى ولا يتعرض لمخاطر هذه المخدرات)». وأضاف «طبعاً هناك من يقول إن هذا النص يخاطب الأفراد الطبيعيين، ولا يخاطب الدولة كشخص معنوي، ولا ينطبق عليها، لأن جرائم الأشخاص المعنوية محددة بالنص، ولكن هذا الكلام مردود عليه لوجود اتفاق عالمي، والمواثيق العالمية يجب ان تسود وتتصف بها الكويت، ولا يوجد بتاريخ البشرية ان هناك دولة تصدر المخدرات بحجة انها مخدرات هادئة، أو أن يتم تصديرها الى دول اخرى تقبل فيها بحجة الاستفادة المادية، لأن عادة الأموال المرتبطة بالأموال المخدرة هي أموال قذرة وعادة ما ترتبط بجرائم غسل أموال». المخدرات الهادئة وذكر الظفيري أن المشرع جرم كذلك زراعة المخدرات الهادئة، ولا يعرف التصنيف بين الهادئة وغير الهادئة، كما أن الكويت، بغض الظر عن القانون، دولة اخلاقية تحرص على الخلق والإحساس بالإنسان عالميا، وهو ما عرف عنها، بغض النظر عن شرعية هذا العمل، لأنه حتى شرعيا يجب أن تكون الوسيلة التي تريد تحقيق الهدف منها مشروعة، ولا يكفي أن تكون الغاية مشروعة من الأمر، كما يتعارض الأمر مع حكم المادة الثانية من الدستور بأن دين الدولة الإسلام، والشريعة مصدر رئيسي للتشريع. أموال عامة بدوره، قال أستاذ القانون الجزائي بكلية الحقوق في جامعة الكويت د. فيصل الكندري، إن «قانون المخدرات الكويتي سمح بتصدير المواد المخدرة الى الخارج، ومن له الحق بذلك الجهات التي حددها» لافتا إلى أن تصدير المواد المخدرة الى الخارج، للاستفادة منها ماليا بدلا من إتلافها في البلاد، بعد صدور أحكام بمصادرتها، لا يحتاج الى تنظيم تشريعي، لأن القانون نظم عملية الاستيراد والتصدير والجهات التي يجوز الاستيراد والتصدير لها، ومن له حق التصدير، والجهات التي يتم التصدير لها، إذن الأمر لا يحتاج إلى تعديل تشريعي. وأضاف قائلا «نظرا لأن المواد المخدرة المصادرة أموال عامة، لذلك من باب أولى التنسيق بين النيابة و«الصحة» في تصدير تلك المواد وتحديدها وفق ما تقرر تلك الجهات»، موضحا ان القانون يسمح للجهات بإصدار القرارات المنظمة فيما بينها، لتحديد ذلك وفق ما قرره من أحكام. أحكام القانون وبيّن الكندري أن المادة 3 من قانون المخدرات تنص على انه «لا يجوز استيراد المواد أو المستحضرات المخدرة أو تصديرها أو نقلها إلا بمقتضى ترخيص كتابي من وزير الصحة العامة. في حالة رفض الترخيص يكون قرار الوزير بالرفض مسبباً، ويبلغ إلى صاحب الشأن الذي له ان يتظلم من هذا القرار خلال 15 يوما من تاريخ ابلاغه به الى مجلس الوزراء، ويكون قرار المجلس الصادر في التظلم نهائيا». كما نصت المادة 4 من القانون على أن «ينشأ بوزارة الصحة العامة سجل خاص يقيد فيه الأشخاص والهيئات المرخص لهم باستيراد وتصدير المواد أو المستحضرات المخدرة، ويتضمن هذا السجل البيانات التي يصدر بها قرار من وزير الصحة العامة»، بينما نصت المادة 5 على انه «لا يجوز منح ترخيص الاستيراد أو التصدير إلا لمن يلي: – مديرو الصيدليات ومستودعات ومصانع الأدوية المرخص بها. – مديرو معامل التحاليل الكيميائية أو الصناعية أو الأبحاث العلمية المرخص بها. – مديرو المستشفيات والمستوصفات غير الحكومية المرخص فيها. – الجهات الحكومية والمعاهد العلمية المعترف بها. ولوزير الصحة العامة الحق في رفض منح الترخيص المطلوب». وقال الكندري إن المادة 6 من القانون تنص على أنه «يجب على المرخص له باستيراد أو تصدير أو نقل مواد مخدرة أن يقدم طلبا بذلك إلى وزارة الصحة العامة يبين فيه اسمه، وعنوان عمله، واسم المواد أو المستحضرات المخدرة كاملا وطبيعتها، والكمية التي يراد جلبها أو تصديرها والتاريخ التقريبي لهما، مع بيان الأسباب التي تبرر الاستيراد أو التصدير، وكذلك البيانات الاخرى التي تطلبها وزارة الصحة العامة. شرعاً وقانوناً أما المحامي د. محمد منور المطيري فقال، إن «فكرة قيام الدولة بإعادة تصدير الخمور والمخدرات التي تتم مصادرتها قانوناً إلى دول أخرى تبيح تداولها بدلاً من إتلافها، وإن كان يحقق بعض العوائد المالية، إلا أنه عمل محظور شرعاً وقانوناً، ومنبوذ أخلاقياً، لاسيما أن أحكام المادة (2) من الدستور، تنص على أن «دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع»، كما تؤكد المادة (10) من الدستور ان «ترعى الدولة النشء وتحميهم من الاستغلال وتقيهم الإهمال الأدبي والجسماني والروحي». وأضاف ان «فكرة تصدير المواد المخدرة محظورة قانوناً، لأن الشريعة الإسلامية، التي هي دين الدولة الأساسي، ومصدر رئيسي للتشريع فيها، تحرم كل صور التعامل مع الخمور والمخدرات، ولا يمكن قبول ان تنقلب الكويت، وهي دولة إسلامية وشعبها مجتمع محافظ، إلى سمسار تجاري لبيع الخمور والمخدرات لأعلى سعر في السوق العالمي، حتى لو كان هناك دول إسلامية لها فلسفة ونهج مختلف عن ذلك». وتابع انها «فكرة محظورة من منظور أخلاقي دولي إن جاز التعبير، لأن الدول عندما تسعى لتجريم تداول المخدرات والخمور في إقليمها، فإنها تستهدف حماية صحة مجتمعاتها وسلامة الإنسان فيها من سموم مثل هذه الآفات، ومن غير المقبول أخلاقياً وإنسانياً أن تسعى مثل هذه الدول إلى تصدير ونقل هذه السموم إلى مجتمعات أخرى لأغراض تجارية وربحية، فهذا تناقض أخلاقي غير مقبول». إعادة تدوير وذكر أنه من المقبول والواجب أن تتوجه الجهود والأفكار نحو البحث في إعادة تدوير الخمور والمخدرات لأغراض طبية بدلاً من إتلافها، بحيث تتحول من صورة خمور ومخدرات مضرة بالصحة إلى صورة أخرى مختلفة تماما ومفيدة طبيا، وهذا يمكن في بعض أنواع المخدرات، حيث تعطى عادةً لعلاج بعض الحالات المرضية، وتدخل في كثير من الصناعات الدوائية والطبية كالكحول والمورفين الطبيين، فلو أمكن الاستفادة من المواد الأولية في هذه الخمور والمخدرات من هذا الجانب لكان في ذلك توفير لبعض الأموال التي تُهدر من جرّاء إتلافها، والتي يمكن أن تنتفع بها الدولة والناس على حد سواء. القانون لا يمنع تصديرها لأغراض طبية وعلمية أكدت مصادر قانونية في النيابة لـ«الجريدة» عدم وجود نصوص تمنع إمكانية إعادة تصدير عشرات أطنان المواد المخدرة المضبوطة في الكويت، والتي تقدر قيمتها بملايين الدنانير، كما يمكن للدولة، بموجب أحكام قانون المخدرات، وبناء على ضوابط يضعها النائب العام، أن تفرج عن المواد المخدرة لأي جهة للاستفادة منها للاغراض الصناعية والعلمية، ويجوز أن يتم تصديرها من قبل الجهة المتسلمة باعتبارها مواد خام، وسيعمل ذلك التصدير على توفير موارد مالية للدولة. ولفتت المصادر إلى وجود شركات عالمية تعمل على تصنيع الأدوية، ومن الممكن دراسة أمر الاتفاق معها على تصدير تلك المواد على أنها مواد خام، بما يسمح بالاستفادة منها طبيا وفق أغراضها، أو الاستفادة من الأدوية التي تنتجها وتحويلها إلى الكويت مقابل إرسال تلك المواد المخدرة من الكويت على نحو منظم، بدلا من إتلافها في المحارق أو حتى في الساحات الترابية، رغم أن قيمتها تقدر بملايين الدنانير، ويمكن الاستفادة منها طبيا وعلميا وتعمل العديد من الدول، التي تمنع المخدرات، على تصدير المضبوطات، والتصرف فيها في الدول التي تصرح بها مقابل مبالغ مالية.

مشاركة :