من أمثلة المخاطر التي يمكن أن تظهر في المشاريع الحكومية التي تتعلق بالغش والفساد، وجود نفوذ لمسؤول حكومي قد تكون له علاقات ومصالح خاصة في بعض الشركات والمؤسسات بمناسبة اليوم الدولي لمكافحة الفساد 2018، نظمت «نزاهة» وبرعاية صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، منتداها السابع بعنوان «مخاطر الفساد وسبل التعامل معها» والذي يهدف إلى «التعريف بمفهوم مخاطر الفساد، واستعراض آليات تحديد الأنشطة ذات المخاطر العالية، والوسائل المتاحة للحد من مخاطر الفساد، وتبادل الخبرات والتجارب في هذا المجال». يعتبر مفهوم المخاطر من المفاهيم الطارئة والغامضة جدا في القطاع الحكومي، والسبب في اعتقادي يعود إلى أن البعض يرى أن هذا المفهوم يرتبط بالشركات والمؤسسات في القطاع الخاص فقط، خاصة فيما يتعلق بالاستثمارات في الأسواق المالية، كما أن هذا المفهوم يلقى مقاومة واستنكارا شديدا في الوسط الرقابي، بحجة أن الجهات الحكومية تعمل تحت إطار الأنظمة والقوانين واللوائح التنفيذية لها، مع العلم أن تقييم المخاطر يعتبر القلب النابض للعمل الرقابي وفق المعايير المهنية. فعلى سبيل المثال تتضمن معايير المراجعة الدولية فيما يتعلق بالغش أن أهداف المراجعة تتمثل في تحديد وتقدير مخاطر التحريفات الجوهرية في القوائم المالية نتيجة الغش، والحصول على دليل مراجعة كافٍ وملائم بخصوص المخاطر المقدرة للتحريفات الجوهرية بسبب الغش، وذلك من خلال تصميم وتنفيذ استجابات ملائمة للمخاطر. ويوجد نوعان من التحريفات الجوهرية التي ترتبط بالغش والفساد، وهما: التحريفات الناتجة عن التقرير المالي المضلل (تزييف، تزوير، أو تعديل في السجلات المحاسبية... الخ)، والتحريفات الناتجة عن إساءة استخدام الأصول والذي يرتبط بالسرقة والاختلاس أو استخدام أصول الجهة في الأغراض الشخصية، ويصاحب عادة إساءة استخدام الأصول تزييف أو الغش في السجلات والمستندات للتستر على عدم وجود الأصول بصورة غير مبررة. ولكي أوضح للقارئ الكريم مفهوم مخاطر الفساد وكيفية التعامل معها، أطرح مثالا مبسطا لتوضيح الفكرة يتعلق بالمشتريات والمشاريع الحكومية، فمن المعلوم أن لكل جهة أو قطاع حكومي أهدافا إستراتيجية محددة، منها مشاريع إنشاء مستشفيات وجامعات ومدارس، ومشاريع مياه وصرف صحي وإسكان وغيرها، وبناء على هذه الإستراتيجيات هناك خطط تفصيلية تشغيلية سنوية تتضمن أهدافا تفصيلية مرحلية لتحقيق الأهداف العامة، وبوضع الأهداف على مستوى الجهة الحكومية وعلى مستوى الأنشطة والمشاريع، تستطيع الجهة أن تحدد عوامل النجاح للمشاريع، وتحديد مخاطر فشلها. وبالطبع هناك بعض الإجراءات الإدارية والمعادلات الرياضية لتقييم وتحليل وإدارة المخاطر للمشاريع، فيتم وضع درجة لاحتمالية وقوع الخطر، ودرجة لوصف الخطر (هل هو عالٍ أو متوسط أو منخفض)، ومن ثم كيفية معالجة هذا الخطر وتحديد الإدارة المسؤولة عن ذلك (الإدارة العليا، الإدارة الوسطى، الإدارة التنفيذية) وهكذا ومن أمثلة المخاطر التي يمكن أن تظهر في المشاريع الحكومية والتي تتعلق بالغش والفساد، وتحتاج إلى وضع آليات محددة وإجراءات مكتوبة للتقليل منها ما يلي: وجود نفوذ لمسؤول حكومي قد تكون له علاقات ومصالح خاصة في بعض الشركات والمؤسسات، وبالتالي يتم طرح مشاريع غير ضرورية أو مبالغ فيها لصالح هذه الشركات، ومن المخاطر أيضا عدم الفصل بين الواجبات والوظائف وعدم توازن تقسيم العمل في إدارة المشاريع، مما قد يؤدي إلى التلاعب وإخفاء هذا التلاعب، ومن المخاطر استلام المواد والخدمات من الشركات وهي غير مطابقة للمواصفات، وتكون رديئة ويثبت في محضر الفحص والاستلام أنها مطابقة، هذا بالإضافة إلى وجود احتمالية تواطؤ الجهاز الإشرافي أو الاستشاري المكلف بمتابعة المشاريع مع المقاول أو الشركة. وبناء على ما سبق، تكون الأنشطة والوسائل الرقابية بمثابة استجابة للمخاطر التي تم تحديدها سابقا، ويتم تصميمها من أجل احتواء حالة عدم التأكد التي تكتنف النتائج المتوقعة التي جرى تحديدها، ومن ذلك على سبيل المثال: الطلب من المتنافسين تقديم إقرارات خطية يتعهدون فيها بعدم الانخراط في متاهات التواطؤ، سواء بأساليب مباشرة أو غير مباشرة، تحديد أنواع الأعمال التي تشكل تعارضا في المصالح والفصل بين الوظائف، وضع تعليمات عامة لتفتيش وفحص البضاعة المشتراة أو مشاريع الإنشاءات المستلمة والمعدات المطلوبة، إنشاء قاعدة معلومات للمساعدة في تنفيذ وظائف المشتريات، إعداد قواعد للسلوك تضبط سلوك الموظفين العاملين بالمشتريات. وفي النهاية أود التنويه بأن عملية تقويم المخاطر تتم بطريقة منتظمة ومستمرة، ولكن المهم في هذا الموضوع هو تحديد أو تصميم إجراءات رقابية للتقليل من المخاطر المتوقعة أو التي حدثت بالفعل، ومن المهم أيضا وجود نشاط يتعلق بتقويم المخاطر في جميع الجهات الحكومية، لأن هذه المهمة هي في الأساس من اختصاص الجهة الحكومية نفسها بما يتعلق بأنظمة الرقابة الداخلية لديها، بالإضافة إلى أنها من صميم عمل وحدات المراجعة الداخلية وكذلك ديوان المراقبة العامة، والذي نأمل أن يتحول في المستقبل القريب إلى المنهجية الحديثة في الرقابة المبنية على أساس المخاطر، والتي تعتمد على معايير المراجعة المهنية التي منها تقييم مخاطر الفساد.
مشاركة :