الذهب الحلبي الأخضر ذخيرة أهالي إدلب في شتاء سوريا القارس

  • 12/12/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

يعدّ فصل الشتاء عبئا يثقل كاهل المواطن السوري، خاصة من ذوي الدخل المحدود الذين يحاولون حماية أسرهم من البرد بشتى الطرق وتأمين أي وسيلة للتدفئة في ظل غلاء المحروقات والحطب، وكان لا بد لهم من ابتكار وسائل جديدة أكثر توفيرا وأقل خطرا وأمراضا خاصة على الأطفال، فكانت مدفأة تعمل بقشور الفستق الحلبي الذي تشتهر به سوريا يمكن أن تكون مناسبا. إدلب (سوريا) - وجد سكان الشمال السوري من قشور الفستق الحلبي بديلا اقتصاديا عن الوقود في التدفئة، وذلك بسبب ارتفاع أسعار المازوت والحطب بشكل كبير. وكان السكان قبل الحرب يعتمدون بشكل أساسي على مادة المازوت في التدفئة، إلا أن تردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار الوقود ونقصها، اضطرهم لإيجاد بدائل عديدة لمواجهة البرد المرافق للشتاء. ومن الوسائل البديلة، التي لجأ إليها السكان في الأيام الباردة للغاية من العام، قشور الفستق الحلبي الذي تشتهر به مناطق شمالي سوريا، حيث صار معيل الأسرة يستطيع أن يقي أهله وأولاده من البرد القارس بسعر مقبول نسبيا. المدافئ التي تعمل على قشور الفستق الحلبي ليست جديدة في مناطق الشمال السوري، وإنما حظيت بانتشار واسع لقلة تكاليفها وانخفاض نسبة التعرّض للأمراض التي تسببها المحروقات والحطب أثناء الحرب. يقول سعيد كليب أحد سكان مدينة مورك التي تحتوي على أكبر سوق لتجارة الفستق الحلبي، إن المرة الأولى التي استخدم فيها مدفأة قشر الفستق الحلبي عام 2012 بعد أن وجد فيها بديلا مناسبا وأقل تكلفة من مدافئ المازوت الذي يشهد انقطاعا مستمرا وارتفاعا مشطّا في الأسعار. والفستق الحلبي أو “الذهب الأخضر” يستخدم في صناعة أنواع عديدة من الحلويات أبرزها البقلاوة، وقد أضيف إليها فائدة أخرى في السنوات الأخيرة، عبر استخدام قشوره للتدفئة. مدفأة الفستق الحلبي هي في الأصل مدفأة معدّلة عن مدافئ المحروقات العادية بصنع صندوق معدني يوضع مع المدفأة على قاعدة واحدة، ليكون خزانا لقشر الفستق الذي كان لا يستخدم لأي شيء في السابق، حيث يقوم هذا الصندوق بتغذية المدفئة بقشر الفستق عبر حلزون موجود في أسفله يديره محرك صغير يعمل على بطارية بقوة 12 فولت، مع تزويد المحرك بمؤقت زمني للتحكم في كمية القشور الداخلة إلى المدفئة حسب الرغبة وحسب درجة الحرارة، بعد وصل المحرك بالبطارية، يقوم الحلزون بالدوران ودفع القشور من الصندوق إلى داخل المدفئة. الفستق غذاء ودفءالفستق غذاء ودفء ويقوم الحلزون بالعمل مدة خمس ثواني والتوقف خمسين ثانية على العمل ريثما يتم حرق الكمية التي دخلت إلى المدفئة. ونظرا إلى انخفاض سعره وقلة أضراره الصحية، فقد عمد السوريون في المناطق التي تشتهر بزراعة شجرة الفستق إلى تعديل مدافئهم بحيث تعمل على قشور الفستق الحلبي، كما أن تجارة المدافئ المعدّلة لهذا الغرض شهدت رواجا لافتا. يقول محمد قاضي، صاحب ورشة لصناعة المدافئ ببلدة الدانا بريف إدلب، إنهم يتلقون طلبا كبيرا على المدافئ المعدّلة لتعمل على قشور الفستق، ما خلق فرص عمل جديدة للشباب في المنطقة. وشهدت مدفأة الفستق تعديلات، بعد أن كانت عبارة عن صندوق من الحديد يحوي حوضا يوضع فيه قشر الفستق لينتقل عن طريق حلزون يعمل على الكهرباء ليصل إلى المدفأة. ومن التعديلات التي أضافها الحرفيون، تغيير الصندوق الحديدي الثقيل إلى صندوق من الألومنيوم أو ستالس أو خشب الفورميكا لتصبح أكثر جمالا وإضافة البطارية لتكون بديلا عن الكهرباء التي تشهد انقطاعا متواصلا. ويضيف قاضي، أن احتراق قشور الفستق يولد حرارة جيدة ولا ينتج عنها رائحة كريهة، ويكفي العائلة طنا واحدا طوال الشتاء مقابل ثلاثة أطنان من الحطب أو ثلاثة براميل من المحروقات إن لم يكن أكثر، مما يضاعف التكلفة. وأشار إلى أنه نتيجة لزيادة الطلب على قشور الفستق ارتفع سعر الطن الواحد منه، إلى نحو 150 دولارا من 77 دولارا، ومع ذلك تظل مدفئة الفستق اقتصادية في مصروفها، وقليلة الأعطال، حيث تصمد لأكثر من عشرة أعوام حسب جودتها. وتنتشر شجرة الفستق الحلبي في العديد من المحافظات السورية مثل حلب، وحماة، وإدلب، وأيضا في محافظتي السويداء ودرعا، يقول مدير مكتب الفستق الحلبي بوزارة الزراعة السورية حسن إبراهيم، “إن التقديرات الأولية لإنتاج الفستق الحلبي الأخضر لهذا الموسم تصل إلى نحو 56 ألف طن”. مدفأة يقبل عليها الفقراء والأغنياءمدفأة يقبل عليها الفقراء والأغنياء وبحسب قاضي، فإن أسعار المدافئ، التي تعمل على قشور الفستق الحلبي، تتراوح بين 50 و170 دولارا، وفق جودتها ومواصفاتها. وتشهد المدافئ طلبا متزايدا من قبل سكان المحافظات الشمالية في سوريا بسبب دفئها وعملها الذاتي، حيث يمكن التحكم بدرجة الحرارة المطلوبة، كما أنها تتميز بنظافتها في البيوت ومنظرها الجميل على عكس مدافئ الحطب. ويوضح قاضي، أنه يعمل لديه 10 عمال في صناعة المدافئ المعدّلة، ويتلقون طلبات كثيرة لشراء تلك المدافئ. من جانبه، قال أحمد إبراهيم، أحد مستخدمي المدافئ المعدّلة في إدلب، إنها صحية وآمنة، وتخلصنا من خلالها من رائحة الفحم والمازوت غير النقي الذي كنا نستخدمه، مشيرا إلى أن استخدام المدفأة سهل للغاية وحتى الطفل بإمكانه تشغيلها. وينوه بالأمان العالي، الذي تتمتع به مدافئ قشور الفستق، موضحا أن المازوت في السابق تسبب في عدة حرائق بالمخيمات بسبب حالات التسرب التي كانت تحدث ما نتج عنه حالات اختناق واحتراق. ويشير أحمد، إلى أن إنتاج الفستق الحلبي كان وفيرا هذا العام بالمنطقة، ما أتاح الفرصة بشكل أكبر لاستخدام قشوره في التدفئة. ويعيش الملايين من السوريين في ظروف صعبة للغاية في الشتاء، وخاصة سكان المخيمات، حيث يعجز الكثير منهم عن تأمين مواد التدفئة حتى ما رخص منها. كما أن التدفئة في الخيام تشكّل خطرا على سكانها، وسبق أن اشتعلت الكثير من الخيام بسببها ما تسبب بسقوط ضحايا. وسط كل الظروف العصيبة التي عاشها السوريون طيلة سنوات أثبتوا جدارتهم في تذليل العقبات والتكيّف مع جميع ظروف الحياة، من خلال ابتكار أشياء جديدة تساعدهم على الصمود والاستمرار، وكما تقول العرب الحاجة أمّ الاختراع.

مشاركة :