مأزق مزدوج.. لبنان ما بين مخاطر التصعيد الإسرائيلي وتعثر التشكيل الحكومى

  • 12/12/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يعيش لبنان هذه الأيام على وقع أزمة مزدوجة تلقي بظلالها القاتمة على أوضاعه الامنية والسياسية والاقتصادية كافة .. فما بين احتمالات التصعيد الإسرائيلي في الجنوب مع إعلان إسرائيل عن بدء عملية لتدمير ما تقول أنها أنفاق تابعة لحزب الله في الجنوب اللبناني وبين حالة التعثر والانسداد الراهنة في جهود تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد ما يزيد عن ستة أشهر على تكليف سعد الحريري زعيم تيار المستقبل بتشكيلها تبدو الساحة السياسية اللبنانية مرشحة لكثير من الاحتمالات بينما يلقي كل ذلك بظلاله على الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها هذا البلد الصغير الذي طالما كان المشهد السياسي والأمني فيه إنعكاسا ومؤشرا مهما على توازنات القوى وتفاعلات العلاقات بين اللاعبين الاقليمين والدوليين في المنطقة  وهذا ما يطرح بدوره تساؤلات حول مستقبل هذا المشهد وتداعياته على لبنان والمنطقة أمنيا وسياسيا واقتصاديا .فعلى الصعيد الأمني تسود حالة من التوتر والترقب على الحدود اللبنانية الإسرائيلية عقب إعلان إسرائيل اكتشاف أنفاق على الحدود تقول إن حزب الله حفرها انطلاقا من الأراضي اللبنانية بهدف استخدامها لشن هجمات علي أراضيها، وقد أعلنت إسرائيل الأسبوع الماضي عن بدء عملية عسكرية داخل اراضيها المتاخمة للبنان أطلقت عليها اسم " درع الشمال " بهدف الكشف عن أنفاق حزب الله على حدودها .وفي إطار هذه العملية نشر الجيش الإسرائيلي عشرات الجنود على الحدود مع لبنان، كما استقدم تعزيزات عسكرية شملت عشرات الاليات والمعدات والدبابات .وبينما يواصل الطيران الحربي الإسرائيلي تحليقه في الأجواء اللبنانية ، تواصل القوات الإسرائيلية تمشيط ومراقبة المنطقة بحماية عدد كبير من العناصر المتمركزة على مسافة قريبة جدا من الجيش اللبناني في الجهة المقابل، حيث أقام الجيش الاسرائيلي ساترا ترابيا على بعد عشرين مترا من الخط الأزرقوردا على ذلك عزز الجيش اللبناني تواجده واستعداداته العسكرية على الحدود الجنوبية، تحسبا لأي تصعيد إسرائيلي محتمل، فيما أعلنت قوات حفظ السلام الدولية التابعة للامم المتحدة "يونيفيل" حالة الاستنفار في صفوفها، وبدأت في تعزيز دورياتها على طول خط الحدود الفاصل بين لبنان وإسرائيل والمعروف باسم الخط الأزرق لضمان الهدوء وعدم التصعيد .وفي الوقت الذي أعلن الناطق الرسمي باسم قوات " اليونفيل " أن الوضع على الحدود الإسرائيلية هادىء ولم يحدث أي خرق للخط الأزرق ،وأن قيادة اليونفيل تواصل اتصالاتها مع مختلف الاطراف لضمان الاستقرار في المنطقة ، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو إن عملية «درع الشمال» تهدف "لتصفية أنفاق حزب الله في الجنوب اللبناني ، كما تأتي ضمن الضغوط لإخراج إيران من سوريا ولبنان"، فيما هدد الناطق باسم الجيش الإسرائيلي " رونين منليس"، بما وصفه ب"رد قاس وموجع " على أي تهديد لأمن إسرائيل من قبل حزب الله ومؤكدا في الوقت نفسه على حرص اسرائيل على حالة الهدوء التي تعيشها الحدود منذ الحرب الاسرائيلية ضد لبنان صيف عام 2006.وفي مواجهة هذا التصعيد والاتهامات الإسرائيلية للبنان بشأن هذه الأنفاق ، والتي طالت الحكومة والجيش اللبنانيين ، كلفت وزارة الخارجية اللبنانية مندوبتها لدى الأمم المتحدة بتقديم شكوى ضد إسرائيل ردا على ما اعتبرته حملة يشنها الجانب الإسرائيلي ضد بلادها . ومن جانبه أكد رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري حرص لبنان على تجنب أي تصعيد على الحدود الجنوبية . وذكر المكتب المكتب الإعلامي للحريري أن "التطوارت التي تشهدها الحدود الجنوبية، يجب ألا تشكل سبباً لأي تصعيد، وأن هذا ما يريده لبنان ويسعى إليه مع كافة الجهات الدولية والصديقة المعنية بذلك".كما أكد البيان على موقف الحكومة اللبنانية من أن الجيش اللبناني هو المعني بتأمين سلامة الحدود وبسط السلطة الشرعية على كامل الحدود" . وفي أول رد فعل على الاتهامات الإسرائيلية قال نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم ، إنه لا توجد نقطة في إسرائيل إلا وهي معرضة لصواريخ حزبه.، واستبعد قيام إسرائيل بعمل عسكري ضد لبنان ، في ضوء ما وصفه بقوة الردع التي تملكها "المقاومة اللبنانية" ( حزب الله). وبموزازة التوتر الذي يسود جبهة الجنوب والذي استبعد مراقبون أن يصل إلى حد المواجهة العسكرية المباشرة ، تتواصل على الجبهة الداخلية اللبنانية حالة الانسداد التي وصلت اليها جهود تشكيل الحكومة بعد نحو مائتي يوم على تكليف الحريري بهذه المهمة الشاقة. وبرزت إلى سطح المشهد أزمة اخرى تتعلق بالصلاحيات الدستورية بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس الحريري بشأن الاستحقاق الحكومي، وهي الأزمة التي وصفها محللون بأنها "تعبير عن أن مأزق التشكيل الحكومي وصل إلى مستوىٍ بالغ التعقيد ".وكان عون قد لوح باستخدام حقه الدستوري بمخاطبة مجلس النواب في رسالةٍ اعتبرها البعض إشارة إلى امكانية إعادة ملف الحكومة، تكليفاً وتأليفاً، الى كنف مجلس النواب ، في إطار الضغط على الحريري لدفعه لتقديم تنازلاتٍ سواء فيما يخص إصرار حزب الله على إسناد حقيبة وزارية لأحد النواب السنّة المتحالفين مع الحزب ، أو فيما يتعلق بضمان الثلث المعطّل لفريق عون في الحكومة المرتقبة.وبينما لا يزال الحريري على موقفه الرافض لتقديم أي تنازلات في هذا الشأن، اشار مراقبون إلى أن الضغط على الحريري من خلال الإيحاء بإمكان سحب التكليف منه رغم عدم دستورية هذا خطوة أو دفْعه للاعتذار عن مهمة تشكيل الحكومة ، قد يضع لبنان أمام أزمة كبرى قد تكون لها تداعياتها الخطيرة على المشهد السياسي اللبناني برمته .وفي حين جدد الرئيس اللبناني أمس تأكيده أنه سيتدخل في الجهود المتعثرة لتشكيل الحكومة ، وحذر من أن لبنان سيواجه كارثة حالة فشل هذه الجهود، أكد وزير الداخلية نهاد المشنوق ( أحد قيادات تيار المستقبل) أن الحريري لن يتراجع عن تشكيل الحكومة ولن يعتذر وسيبقى على موقفه أيّاً كانت الضغوط وأياً كان مصدرها.وكان الحريري قد وصف مجموعة النواب الستة السُنّة الذين يصر حزب الله على توزير أحدهم، بأنهم "حصان طروادة" وأنه جرى حشدهم فى كتلة نيابية اصطُنعت بإيعاز من الحزب بهدف عرقلة تشكيل الحكومة، ويتهم الحريري ومعه تيار المستقبل وقوى سياسية اخرى ، حزب الله وحلفاءه بالسعي لعرقلة جهود تشكيل الحكومة والدخول بلبنان فى فترة طويلة وممتدة من "حكومة تصريف الأعمال" لخدمة الأجندة الإيرانية وإضعاف لبنان والكتل السنية داخل بيروت بشكل خاص .وكان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، قد أعلن أن الحزب لن يقدم أسماء مرشحيه لشغل الوزارات الثلاث المحددة له، ولن يسمح بتشكيل الحكومة، إلا بعد أن يتم اسناد حقيبة وزارية لأحد حلفائه عن الطائفة السُنّية من فريق 8 آذار السياسى، خصما من الحصة الوزارية لتيار المستقبل ، وهو الأمر الذى اعتبره عدد كبير من القوى السياسية بمثابة محاولة من الحزب لاضعاف الحريري سياسيا.وأمام هذا الوضع المعقد تبدو فرص الخروج من أزمة تشكيل الحكومة اللبنانية صعبة للغاية.فإما أن يتنازل الحريري عن وزير، أو أن يتنازل العماد ميشال عون عن الوزير السنّي من حصته، وإما أن يتنازل النواب السنّة الستة، أي حزب الله عن المطالبة بتوزير واحد منهم. وإذا لم يتحقق أي من هذه التنازلات الثلاثة، فإن حالة الانسداد الراهن ستبقى كما هي لأجل غير مسمّى. تعثر جهود تشكيل الحكومة واستمرار حالة الفراغ السياسي والذي يترافق مع تتصاعد المخاوف من احتمالات تفجر الوضع الأمني في الجنوب كلها تطورات تلقي بظلالها على الوضع الاقتصادي في لبنان ،في ظل قلق الاوساط الاقتصادية اللبنانية من التداعيات الخطيرة لحالة الغموض السياسي والامني الحالية والتي يرى محللون اقتصاديون أنها تحول دون تدفق اي استثمارات خارجية يبدو اقتصاد لبنان المنهك في حاجة ماسة اليها. كما أن استمرار هذا الوضع السياسي المتأزم يعرقل حصول لبنان على منح وقروض بنحو 11 مليار دولار تعهد بها المجتمع الدولي دعماً لاقتصاده المتهالك في مؤتمر عقد بباريس في ابريل الماضي فضلا عما يثيره ذلك من المخاوف من تدهور قيمة العملة المحلية وهو ما ينعكس على النمو الاقتصادي في البلاد.ويبلغ اجمالي الدين العام في لبنان حاليا نحو 82.5 مليار دولار أي ما يعادل نسبة 150 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويحتل لبنان بذلك المرتبة الثالثة على لائحة البلدان الأكثر مديونية في العالم.

مشاركة :