دمشق – أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأربعاء أن بلاده ستنفذ في غضون أيام عملية جديدة في سوريا ضد الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة وتصنفهم أنقرة “إرهابيين” يهددون أمنها القومي. وتأتي تصريحات أردوغان بعد يوم من إعلان وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إنشاءها نقاط مراقبة في شمال سوريا المحاذي للحدود التركية فيما بدا استباقا لأي عملية عسكرية تركية ضد حلفائهم الأكراد. وقال أردوغان في أنقرة “سنبدأ عملية لتحرير شرق الفرات من المنظمة الإرهابية الانفصالية خلال الأيام القليلة القادمة”، في إشارة إلى الأراضي التي تنتشر فيها وحدات حماية الشعب التي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض مواجهة معها منذ ثمانينات القرن الماضي. وتصنف أنقرة والدول الغربية حزب العمال الكردستاني على أنه “مجموعة إرهابية”، فيما تنظر ذات القوى الغربية وعلى رأسها واشنطن إلى الوحدات الكردية في سوريا على أنها تنظيم منفصل ليست لديه أي ارتباطات مع حزب العمال، فضلا عن كونه شريكا مهما في الحرب على تنظيم داعش. وحذرت تركيا مرارا في الأشهر الأخيرة من أنها ستشن هجوما على وحدات حماية الشعب شرقي نهر الفرات في سوريا، إذا لم تنسحب من المنطقة. وسجلت الثلاثاء تعزيزات عسكرية تركية إضافية على الحدود مع سوريا تضمنت شاحنات محملة بالدبابات والمدافع، إلى جانب مركبات عسكرية، وصلت قضاء “ألبيلي”، وسط تدابير أمنية. وشهد شمال سوريا في أكتوبر الماضي تصعيدا خطيرا بقصف الجيش التركي لمناطق تسيطر عليها وحدات حماية الشعب، الأمر الذي دفع قوات سوريا الديمقراطية إلى تعليق حملتها ضد داعش في منطقة الهجين شرقي سوريا. وفي محاولة لامتصاص التوتر، بدأت دوريات مشتركة بين القوات الأميركية والتركية العمل في نوفمبر الماضي بمدينة منبج شمالي سوريا، في إطار تنفيذ اتفاق بشأن المنطقة جرى إبرامه بين واشنطن وأنقرة في وقت سابق. واعتبر أردوغان خلال قمة للصناعات الدفاعية الثلاثاء أن بلاده تعرضت لمماطلة من جانب الولايات المتحدة في تنفيذ اتفاق منبج بغية إلهاء أنقرة عن الوضع في شرق الفرات. وأكّد أردوغان عدم التوصل إلى نتيجة ما في منبج حتى الوقت الراهن، وشدّد على أن تركيا ستتخذ إجراءاتها بنفسها وبإمكاناتها الخاصة، فهي تملك جيشا قويا والجميع يقر بذلك. وأعرب عن أسفه “حيال إرسال أكثر من 20 ألف شاحنة أسلحة إلى الإرهابيين شمالي سوريا”، في إشارة إلى الوحدات التي تخوض ضمن قوات سوريا الديمقراطية منذ سبتمبر الماضي معارك شرسة مع تنظيم داعش في آخر جيوب يحتمي بها مقاتلوه في دير الزور. ولفت إلى أن هذه الأسلحة والمعدات والمركبات جرى إرسالها إلى “الإرهابيين” من قبل حليف استراتيجي لتركيا (الولايات المتحدة). آلدار خليل: أردوغان يسعى بشتى الوسائل إلى إيجاد طريقة لإطالة عمر داعشآلدار خليل: أردوغان يسعى بشتى الوسائل إلى إيجاد طريقة لإطالة عمر داعش وشدد الرئيس التركي على أنه “تم اتباع تكتيك مماطلة لا يمكن إنكاره في منبج من جانب الولايات المتحدة، ومازال متبعا في الوقت الراهن”. واعتبر أن “الولايات المتحدة غير قادرة على إخراج الإرهابيين من هناك؛ إذن نحن سنخرجهم فقد بلغ السيل الزبى”. وكانت الولايات المتحدة قد وقعت مع تركيا في أبريل الماضي اتفاقا يقضي بإخراج عناصر وحدات حماية الشعب الكردي من منطقة منبج التابعة لمحافظة حلب السورية، مع تسيير دوريات مشتركة أميركية تركية في هذه المنطقة لضمان الاستقرار، وقد تحقق في الفترة الأخيرة تقدما نسبيا في هذا الاتفاق، بيد أن تركيا تعتبر أن ذلك غير كاف وأن عناصر الوحدات مازالت تسيطر على الوضع بالمدينة. وسبق وأن اتهم أردوغان الولايات المتحدة باتخاذ منبج ورقة لإلهائها عما يحصل في شمال شرق سوريا. وأكّد أردوغان أن الوقت قد حان “لتنفيذ قرارنا بشأن القضاء على بؤر الإرهاب في شرق الفرات”. واعتبر أن “الهدف ليس الجنود الأميركيين على الإطلاق، بل أعضاء المنظمة الإرهابية الذين ينشطون في المنطقة”. وتعمل القوات الأميركية عن قرب مع وحدات حماية الشعب الكردية التي تقود تحالف قوات سوريا الديمقراطية الذي تشكل في العام 2014 لدعم جهود التحالف الدولي للقضاء على داعش. وهناك أكثر من 2000 عنصر أميركي منتشرين إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية شرق الفرات وفي مدينة منبج الواقعة غرب النهر. وقبل أيام، أعلن الجنرال جوزيف دانفور، رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية، أن “الولايات المتحدة بحاجة إلى تدريب 35-40 ألف مقاتل محلي في سوريا”، لضمان عدم عودة تنظيم داعش واستقرار المنطقة وقال “لقد أنجزنا هذا العمل بنسبة 20 بالمئة”. ويرى متابعون أن عملية تدريب عناصر جديدة كردية، إضافة إلى نشر نقاط مراقبة على الحدود التركية السورية أحد الأسباب الرئيسية في إطلاق أردوغان تهديده، في ظل أزمة ثقة عميقة بين الطرفين العضوين في حلف شمال الأطلسي. وهناك قناعة تركية بأن الدعم الأميركي للاكراد، يستهدفها بالدرجة الأولى رغم التطمينات التي ما فتئت تقدمها الإدارة الأميركية وآخرها خلال الزيارة التي قام بها قبل أيام مبعوث الولايات المتحدة الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، حيث صرح من أنقرة أن الأخيرة حليف استراتيجي وأنه لا يمكن تسوية النزاع السوري دون التعاون معها، لافتا إلى أن دعم بلاده للوحدات “تكتيكي ومؤقت”. وتراهن الولايات المتحدة على الأكراد في استراتيجيتها في سوريا، القائمة على القضاء على تنظيم داعش، وضرب النفوذ الإيراني، بقطع الإمدادات عنه من العراق إلى الداخل السوري واللبناني. ويرى محللون أن الولايات المتحدة لن تسمح لتركيا بضرب هذا الحليف الموثوق، لأن ذلك سيعني إنهاء أهم ورقة لها داخل سوريا. ويشدد المحللون على أن تهديد الرئيس التركي بشن عملية في غضون أيام على شرقي الفرات ينطوي على مخاطرة كبيرة، ويشير هؤلاء إلى أن هذه العملية قد تهدد بتفجير مواجهة بين الولايات المتحدة وتركيا الحليفين في حلف الناتو. وفي المقابل فإن مغامرة أنقرة العسكرية ستكون محل رضا الجانبين الروسي والإيراني، لأن ذلك سيعني إعلان قطيعة بين تركيا والولايات المتحدة، وأي مآلات لهذه المغامرة في الشمال السوري ستكون في صالحهما. وأطلقت تركيا عمليتين في شمال سوريا، الأولى في أغسطس 2016 حملت اسم درع الفرات بداعي القضاء على تنظيم داعش، بيد أن الهدف الأساس كان الأكراد، وتمكنت خلالها من وضع يدها على بلدات الراعي وجرابلس والباب وأعزاز، أما العملية الثانية فكانت في بداية العام الجاري ضد وحدات حماية الشعب في منطقة عفرين التي تعتبر أحد كنتونات الإدارة الذاتية، ونجحت بعد أشهر من بسط سيطرتها على المدينة ذات الغالبية الكردية، وعمدت إلى تغيير الطبيعة الديموغراغفية للمنطقة بتوطين الآلاف من اللاجئين السوريين (عرب سنة) بها. واتهمت قيادات كردية بأن تركيا “تحاول النيل من المشاريع الديمقراطية في شمال سوريا وشرقها”، وإطالة عمر داعش. وقال مسؤول العلاقات الدبلوماسية لحركة المجتمع الديمقراطي آلدار خليل في تصريحات لوكالة “هاوار” “في الوقت الذي دخلت قوات سوريا الديمقراطية بلدة هجين، وباتت على وشك القضاء على الإرهابيين، بدأ أردوغان بإطلاق هذه التهديدات، فهو يسعى بشتى الوسائل إلى إيجاد طريقة لإطالة عمر داعش في المنطقة، والكل يعلم حق العلم بأن الدولة التركية تدعم التنظيم”. وحققت قوات سوريا الديمقراطية مؤخرا تقدما ملموسا في آخر جيوب داعش في كل من بلدات الشعفة والسوسة والهجين.
مشاركة :