في خطوة جريئة وغير مسبوقة، أعلن الاتحاد التونسي لكرة القدم منذ أيام عن قرار تسجيل لاعبي دول شمال أفريقيا -أي المغرب والجزائر ومصر وليبيا- لاعبين محليين في تونس بداية من يوم 19 ديسمبر الحالي، وأشار الاتحاد إلى أن هذا الإجراء سيشمل أساسا أندية الدرجة الممتازة (الرابطة الأولى) ولن يطبق على حراس المرمى. قرار اعتبره البعض ثوريا خاصة وأنه سيمكن الأندية التونسية من الاستفادة من خبرات لاعبي دول الجوار ويطور مستوى الدوري الممتاز، فيما اعتبر البعض الآخر أنه قد يساهم في تهميش اللاعبين الشبان ويحدّ من بروزهم. تونس - يبدو أن الاتحاد التونسي لكرة القدم كان سبّاقا في تبني قرار اتحاد شمال أفريقيا لكرة القدم حيث صادق منذ فترة على فكرة انتقال اللاعبين بين الدول المنتمية إلى هذا الهيكل واعتبارهم كمحليين، ليتجه اتحاد الكرة في تونس إلى عقد اجتماع وتبني هذا المشروع لتتم المصادقة على اعتماد لاعبي دول شمال أفريقيا كمحليين في الدوري التونسي. ولئن لم يتحدد العدد الأقصى المسموح به لكل فريق تونسي يريد ضم لاعبين من دول الجوار، فإن الاتحاد التونسي أكد أنه سيتم إعلام الأندية التونسية بكافة تفاصيل هذه الفكرة وتحديد الشروط الواجب توفرها قبل بداية العمل فعليا بهذا القرار. فكرة رائدة شكّلت السوق المغاربية بالنسبة للأندية التونسية خلال العقود الماضية الوجهة المفضلة حيث حرصت أندية تونس على النشاط بشكل مكثف في السوق الجزائرية والمغربية بدرجة أولى. ويعود السبب في ذلك إلى سهولة اندماج اللاعبين الجزائريين والمغاربة في الأندية التونسية ومتطلبات الدوري الممتاز، فضلا عن عدم ارتفاع أسعار اللاعبين في بلدان شمال أفريقيا مقارنة بلاعبي أميركا اللاتينية أو أوروبا وكذلك بعض الدول الأفريقية الأخرى التي تصدر لاعبيها أساسا إلى الدوريات الأوروبية. وفي سياق متصل تزايدت تعاملات الأندية التونسية مع نظيراتها في مصر إذ عرفت السنوات هجرة غير مسبوقة لعدد من اللاعبين التونسيين صوب الدوري المصري الممتاز، بالمقابل اقتصرت تعاقدات الأندية التونسية في الفترة الأخيرة مع اللاعبين المصريين على تجربة المهاجم عمرو مرعي مع النجم الساحلي، في حين اقتصرت تجارب اللاعبين الليبيين في تونس على بعض اللاعبين وأبرزهم طارق التايب الذي يعتبر من أفضل اللاعبين الليبيين الذين مرّوا عبر الدوري التونسي. كل هذه المعطيات ربما تؤكد أن القرار التاريخي الصادر عن اتحاد الكرة قد يجعل الأندية التونسية تقبل بأكثر جرأة وحماس على فتح آفاق جديدة في مجال بحثها عن لاعبين جيدين قادرين على تقديم الإضافة، من المؤكد أن تزدهر أكثر السوق المتبادلة بين الأندية التونسية وأندية بقية دول الجوار، خاصة وأن هذا القرار سيجعل كل لاعب من دول شمال أفريقيا يلقى معاملة وكأنه لاعب تونسي ولا يدخل تبعا لذلك ضمن قائمة اللاعبين الأجانب. السوق المغاربية شكّلت الوجهة المفضلة للأندية التونسية، حيث حرصت على النشاط في السوق الجزائرية والمغربية هذا الأمر ربما قد يزيد أكثر من حدة المنافسة بين الأندية التونسية ويشجعها على البحث عن لاعبين جدد من دول الجوار ومن ثمة قد يتحسن أداء الفرق التونسية ويرتفع مستواها، في هذا السياق خصّ أمين موقو عضو الاتحاد التونسي لكرة القدم “العرب” بتصريح بخصوص هذا القرار حيث أوضح قائلا “هي خطوة رائدة ستفتح المجال أمام الأندية كي تبرم صفقات جديدة مع عدد أكبر من لاعبي دول شمال أفريقيا، ومن الطبيعي أن البحث عن تعاقدات جديدة في هذه السوق ستشمل أساسا اللاعبين الجيدين القادرين على تطوير مستوى الكرة في تونس”. وأشار موقو إلى أن فتح الباب أمام لاعبي دول شمال أفريقيا سيتيح للأندية التونسية إبرام صفقات غير مكلفة ولا تدخل ضمن النصاب القانوني للاعبين الأجانب، ما يسمح لها بتحسين مستواها، مضيفا أن اللاعب التونسي سيستفيد بدوره من هذه المنافسة مع لاعبين تم التعاقد معهم لأن مستواهم جيد. في انتظار بدء دخول هذا المشروع حيز التنفيذ، شرعت بعض الأندية التونسية في البحث عن لاعبين جدد من دول الجوار، بل إن الترجي التونسي كان السبّاق حيث تعاقد مؤخرا مع الجزائري طيب مزياني قادما من نادي بارادو الجزائري، ومن المفترض أن تتم معاملة هذا اللاعب عند قيده لدى اتحاد الكرة كلاعب محلي. أما بقية الأندية التونسية فبدأت تتحسس سوق الانتقالات في دول الجوار أملا في الظفر بلاعب له قدرات عالية، ومع اقتراب موعد فتح سوق الانتقالات الشتوية في تونس ستترقب أندية تونس لمعرفة الحد الأقصى المسموح به فيما يتعلق بلاعبي دول شمال أفريقيا ومن ثمة تحديد حاجياتها خلال هذا “الميركاتو الشتوي” الذي قد يشهد ازدهارا غير مسبوق وربما يعرف بداية عهد جديد في تاريخ تعاملات الأندية التونسية مع لاعبي دول الجوار. في هذا السياق أوضح لسعد المغيربي المكلف بقطاع الكرة في فريق الملعب التونسي لـ”العرب” قائلا “أتوقع أن يتضاعف حجم التعاملات بين الأندية التونسية ونظيرتها في دول شمال أفريقيا، فالتعامل مع لاعبي هذه الدول كمحليين سيشجع كثيرا أندية الدرجة الممتازة في تونس على التعاقد مع لاعبين جدد، سيكون هذا الميركاتو بمثابة السوق المفتوحة على عدة واجهات، لكن يجب التأكيد على أنه ليس من السهل إبرام صفقات خاصة وأن الأندية المغاربية لن ترضى بسهولة بالتفريط في لاعبيها”. قرار إيجابي من جانبه أكد المدرب التونسي اسكندر القصري لـ”العرب” أن قرار اتحاد الكرة يعتبر في مطلق الأحوال إيجابيا ومن شأنه أن يساهم في الرفع من درجة المنافسة سواء بين الأندية أو بين اللاعبين صلب الفريق، مضيفا “بلا شك ستحصل المنفعة المشتركة بين مختلف الأطراف المعنية، فالأندية التونسية ستفتح أمامها سوق جديدة قد توفر لاعبين جيدين وبأسعار معقولة، كما أن اللاعب التونسي سيعمل على تطوير قدراته وسيستفيد من وجود لاعبين بفكر تدريبي مختلف، أما اللاعب الذي سيتم التعاقد معه فإنه قد يتمكن بدوره من تحسين مستواه وربما يظفر بعقد خارجي خاصة وأن الدوري التونسي يعتبر بوابة عبور نحو الدوريات الأوروبية”. وفي الجهة المقابلة، تقبل البعض هذا القرار ببعض القلق والريبة، إذ يرى بعض المحللين والمتابعين للشأن الكروي في تونس أن فتح المجال أمام اللاعب المغاربي قد يساهم كثيرا في الحدّ من تطور اللاعبين الشبان في تونس، إذ يتوقع أن يزيد اهتمام الأندية التونسية بإبرام صفقات جديدة من خارج تونس مقابل إهمال اللاعبين الشباب الذين ينتظرون فرصتهم للصعود إلى الفريق الأول. كما قد يزيد هذا القرار في إنهاك ميزانيات الأندية التونسية التي ستضطر إلى البحث عن لاعبين ربما يتقاضون مرتباتهم بالعملة الصعبة، في هذا السياق صرّح الصحافي التونسي عمر المجبري لـ”العرب” قائلا “أخشى أن تتضاءل فرص اللاعبين الشباب في تونس مستقبلا، فالفرق التونسية المتلهفة بطبعها على إبرام صفقات خارجية قد تواصل إهمالها للاعبين الصغار. أعتقد أن اللاعب التونسي لن يكون لديه أمل كبير في هذه المنافسة غير المتوازنة”.
مشاركة :