للشعر كنوز متعددة ومتنوعة يمتلكها شعراؤه الذين أبدعوا في معانيه السامية وأهدافه النبيلة، وأفادوا مجتمعهم بهذه الكنوز الثمينة في جميع المجالات.«فراسه وفروسيه»، قصيدة فلسفيّة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، والعجيب المدهش في هذه القصيدة أنّها تشتمل على فكرٍ عالٍ ومفاتيح ذهنيّة يمتحن بها سموه جمهوره ومحبي شعره. في الوقت ذاته لا تتخلّى القصيدة عن ليونة الشعر وتشبيهاته وبيانه وموسيقاه وتدفّق قوافيه التي تعبّر عن لهفته أمام معضلات كونيّة وبوادر فلسفيّة مرّت من بين يدي سموّه، فاستوقفها ليصنع منها هذه القلادة الناصعة بالشعر والفكر وحسن التوليف، وربّما تشتمل على لغزٍ يحيّرنا به سموه وهو يقودنا إلى متاهاتٍ نبحث فيها عن كوّةٍ للضوء، الذي هو العلم والمعرفة والدليل على هذا النظام الكونيّ الذي دائماً ما يلتفت إليه «محمد بن راشد» في قصائده التي نفرح معه بجوهرها وشكلها الفنيّ وبنائها المحكم الأنيق. يستعير صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد الحَمَام، هذا الطائر الذي دائماً ما يسجع في أبياته، ليجعل من قصائده طيوراً تحمل شريف المعنى والجديد الغريب، وهو بحدّ ذاته منتهى لا يستطيع أن يصله إلا من كان ينشد فكّ شيفرة جماليّة أو فكريّة أمام كمال يطول الوصول إليه. إنّه الشعر، المصفّى الباهر الذي يفوق الخيال، بل هو اللؤلؤ الذي تبذل له كلّ جهود الغواص للوصول إليه، ويبدو أنّ المعرفة هدف القصيدة، مثلما هي جوهر المعنى وحقيقة الأمور، وهو اكتشاف من منظور القصيدة لا يُثمّن أو يوزّن، إذ يرجح على كلّ ميزان، كدليلٍ على قيمته العالية وأهميّته البالغة.إنّ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهو يستحثّ قصائده على أن تفي بغرض القصيدة وموضوعها، فيطلب منها أن تتفوّق على «قسّ الأيادي» والخطباء المشهورين، ليدفعها لتُبين عن مستودع أسراره، وعن هذا الذي يلازم سموّه منذ صباه، تماماً مثل خياله، فهل يكون الشعر؟!.. هل يكون الحب؟!.. هل تكون الفروسيّة؟!.. هل هو علمٌ ما؟!.. إنّه نبضٌ يسري في عروق الشّاعر، واللافت أنّه ما إن يفكّر به سموه حتى يذهب مذاهب شتّى في التفكير، منتقلاً من حالٍ إلى حال، وهو ما يؤكّد القيمة العظيمة لهذا الذي كان بينه وبين صاحب السّمو الشيخ محمد بن راشد اتفاقٌ وثيق بأن يحفظه سموه ويدرك أهميّته، مثلما يظلّ هو وفيّاً لصاحبه، فلا يخيّب ظنّه فيه، والعجيب أنّه ما إن يقبضه الشاعر «محمد بن راشد» على هيئة شعاع حتى يفرّ من بين أصابعه ويختفي في ظلالٍ يعود الشاعر من جديد مستمرئاً عذوبة ومشقّة البحث عنه من جديد!.. حقّاً إنّها لمشقّة ولكنّها عذبة في أن نبحث عن هذا الذي يغرينا سموه بالبحث عنه، وأن تتقدّم الفراسة في فهمه، ولنا في قرائن معنويّة في أنّه يكون على ظهور الخيل في مسيرها من طلوع الشمس حتى غيابها، خصوصاً وهو موضوع تأمّلٍ كلّما حلّ بأرض أو جال بها! ثمّ، وبلطف معهود من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في قصائده، يريحنا شيئاً من وقت مع أبياته التي يمدح بها خيله، وبنات أفكاره من القصائد، بل إنّها خيل الفكر التي يطاردها الشاعر غير ملتفتٍ إلا إلى هدفه في الوصول إلى منتهاها، وهو أمرٌ نشعر معه بما تنطوي عليه نفس الشاعر، وهو يبحث وينوب عنّا في فهم هذا السّر، الذي يبدو أنّه انكشف لسموّه، وهو أصلاً لم ينكشف لأريب، وتلك خاصيّة مهمّة تجعلنا نرتاح ونحن نتابع سموّه في أبياته التالية، وهو يتحدث عن غرابة الكون ومبتداه ومنتهاه، ولكنْ، مهلاً ها هي الأبيات تُبين عن إيمانٍ عظيم لسموه بخالق الكون ومُودع أسراره فيه، ولنا أن نستأنس بالبيت «عنْ وجودٍ بذاتهْ محتفي ما يغيب، وعنْ وجودٍ لذاتهْ مختفي ما يطالْ».. إنّه السرّ الإلهي والمعرفة الغيبيّة والطاقات الربانيّة البعيدة المنال،.. إنّها قصّة الشاعر مع آفاقه التي تظلّ تمتدّ ويمنحه إيّاها مُلهمه لتظلّ بصيرته تتسع لمعرفة المزيد، وهي معرفة جعلت من الشاعر كما يصوّر ذلك «يشيب» كدليل على هذا التطواف الذهنيّ الذي لا ينتهي، وهذا الارتحال الذي بسببه تتزايد زفرات الشاعر وتزدحم نبضات قلبه، وهو في خضمّ البحث، فما بين الدليل والدلالة يكون الجواب. القصيدة رحلة ذهنيّة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله» في المعرفة والفكر ونهايات الحياة وآجالها ومواقيتها، وهي فراسة الشاعر التي دائماً تقوده إلى الصائب من الأمور، ولكنّها تحمّله الكثير من المشاق والمتاعب التي يصورها لنا سموّه في القصيدة. إنّ الفروسيّة لا تقلّ بحال عن الفروسيّة، وهما، وعلاوةً على كونهما ينحدران من الجذر نفسه، مرتبطان أشدّ الارتباط في ارتياد الآفاق والبحث عن الحلول، وتلك هي ميزة «محمد بن راشد» في أنّه يتأهّب في كلّ قصيدة لاكتشاف أرضٍ جديدة، مُطوّعاً كلّ شعره وخيله بالمعنيين المادي- الخيل- أو بنات أفكاره نحو طموح شاعر فارس لا ينتهي عن التفتيش المضني ومطاردة الفكرة التي يحلو له أن يقتنصها في هذه الرحلة الطويلة التي تنمّ عن نفسٍ شغوفة بالتعب واشتغال البال للبحث عن إجابة بحجم هذا السؤال. «فراسة وفروسيّة» قصيدة تحتشد بتشبيهات رائعة وموسيقى انفعاليّة سريعة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، برزت فيها الظلال والخيل والفروسيّة بين الحقيقة والمجاز، وما بين الحقيقة والمجاز يطيب للشاعر أن يعزف ولنا أن نهيم ونبتلّ بما يتساقط من شعره من رذاذ. إسجعي يا القصايدْ بالجديدْ الغريبْ منْ شريفْ المعاني واصلهْ للكمالْ منْ عجيبٍ مصفَّىَ ما لمثلهْ ضريبْ فوقْ حدِّ الظنونْ وفوقْ حَدْ الخيالْ لولوٍ في مغاصَهْ مظلماتْ الغبيبْ جوهَرَهْ مايثمَّنْ بالوزونْ الثِّقالْ وإكتبي منْ حروفٍ ماوعاها خطيبْ لوْ (لِ قِسْ الإيادي) لي بهْ ضَرْبْ المثالْ نَبضْ يَسري بدَمِّي ويحتويني مِريبْ منْ صبايِهْ معايهْ ما لظلِّهْ زوالْ وإنْ تفَكَّرتْ في حالهْ تَرَكني عطيبْ يبتدي بي بحالْ وينتهي بي بحالْ وإنْ قبضتهْ شعاعهْ وصرتْ أحسِّهْ قريبْ فَرْ بينْ الأصابعْ وإختفىَ في الظِّلالْ منْ عرفتهْ وعرفني قالْ لي لاتخيبْ وقلتْ لهْ ما بخَيِّبْ لكْ مدىَ العمرْ فالْ ومنْ علىَ الخيلْ سيرهْ بينْ صبحْ ومغيبْ يحتويهْ التَّأمِّلْ كلِّما بأرضْ جالْ تملكْ الخيلْ وجدي في هواها سليبْ والقَنَصْ والقصايدْ في وصوفْ الجمالْ ساريٍ وسطْ ظلما مثلْ طيفٍ غريبْ متعبٍ خيلْ تفكيري أطاردْ سؤالْ وشفتْ أنِّي بعلمٍ ما إنكشَفْ للأريبْ آتقَرَّبْ لحَلِّ المعضلاتْ الثِّقالْ كيفْ ها الكونْ يجري في نظامٍ عَجيبْ وكيفْ تسري اللِّيالي ماضياتٍ عجالْ ووينْ مبداهْ ها الكونْ الفسيحْ الرِّحيبْ؟ ووينْ منهْ النِّهايهْ في إتِّساعْ المجالْ؟ عنْ وجودٍ بذاتهْ محتفي ما يغيبْ وعنْ وجودٍ لذاتهْ مختفي ما يطالْ شَفْ حتَّى تظنِّهْ في يمينكْ نصيبْ وخَفْ حتَّى تظنِّهْ ذايبٍ في زلالْ أرجوْ العذرْ لأنِّي كادْ راسي يشيبْ منْ طويلْ إفتكاري في أمورْ المحالْ وصرتْ أسمَعْ لقلبي منْ عنايهْ وجيبْ وأتعبتني اللِّيالي منْ عنا الإرتحالْ ومنْ يفلسفْ وجودهْ بالجدَلْ ما يصيبْ والجدَلْ دونْ تعريفْ المعارفْ جدالْ وفي المعارفْ حياةٍ ربِّها ما يخيبْ تَكْسيْ العلمْ وأهلهْ منْ صفاتْ الجَلالْ بينْ شَرٍّ وخيرٍ في الصِّراعْ الرِّهيبْ نجعَلْ الخيرْ مَبدانا وفيهْ النِّضالْ وكلِّ شَيٍّ بقيمهْ وباكرٍ علمْ غيبْ غيرْ أنَّا نشوفَهْ بإفتهامْ وخَيالْ والدَّلالهْ علىَ المفهومْ ما هي صعيبْ بسْ كيفْ الدَّلالهْ دونْ كيفْ ومثالْ؟
مشاركة :