«سرب طيور» لخليل الهاشمي نصبٌ فني يضفي روحاً لـ«تقاطع الغوص»

  • 12/15/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بعبارةٍ عاديةٍ جداً: «وأخيراً تحقق الحلم»، يبدأُ الفنان والنحات البحريني خليل الهاشمي، حديثاً غير عادي عن (حُلمٍ) يوحي على (لا عاديته) نطقهُ لكلمة (حلم)، بفيزيقيةٍ أشبهُ بتنهدٍ دام محبوساً في صدرهٍ لزمنٍ طويل جداً، ليخرج أخيراً بكل ما تستحضرهُ كلمة (حلم) من تجليات، تعبر عن واقعٍ تحقق «أخيراً»، على شكل «سرب طيور»، فذلك ما حلم بهِ الهاشمي، وليس هو الحلم بحد ذاته، وإنما الحلمُ بشكلهِ الأوسع، هو أن يرى النحات منحوتاته وقد جُسدت كنصبٍ في إحدى السوح أو الأمكنة، وهذا ما كان للهاشمي، الذي دشنت «هيئة البحرين للثقافة والآثار» نصبهُ الفني، «سرب طيور»، ضمن مشروع «تجميل المدن»، مساء الثلثاء (11 ديسمبر)، ليكون علماً من أعلام المكان، ونصباً يشكلُ ذاكرة المارة، جيلاً بعد جيل...ذاكرة لتخليد المكان لا يجب أن تترك الأمكنة، كمساحاتٍ خاوية، لأنها شكلٌ من أشكال التأسيس الذاكراتي، والوعي الإنساني، فهي دائماً بحاجة لما يضفي عليها روحاً، تستطيعُ بها أن تخاطب أرواح المارة، لترسم جانباً من الوعي لديهم، كما تفعلُ الأمكنةُ الأولى في ذاكرة الطفل، الذي يبقى محملاً بها، حتى مراحل متأخرة.. وباستطاعة النصب الفنية، من منحوتات واشتغالات، أن تعطي هذه المساحات والأمكنة، قدرتها الماورائية المتمثلة بأبعادٍ تتجاوز البعد الزماني، وترتحلُ في فضاءات التأويل والجمال. ولأن الفن لغة متجاوزةٌ لحدود الثقافات واللغات، فهو ضرورةٌ لخلق صيغ خطاب أكثر مفهوميةً واتساعاً للتآويل، ذلك أن الفن شكلٌ من أشكال الاتصال منذُ البدايات الأولى للوعي الإنساني، وما يزال يتابعُ هذا التخليق التواصلي الإنساني، فمن نصب الآلهة التي كانت، وما تزال لدى بعض الثقافات، تشكلٌ اتصالاً بين الإنساني بكل أشكاله المادية، والروحاني بكل أبعاده الماورائية، وصولاً إلى أحدث النصب في مختلف ساحات العالم، يتصدرُ الفنُ ويطمحُ الفنانون، لأن يتركوا بصماتهم على ذاكرةً ترتحلُ بعيداً في الزمان، جيلاً تلو آخر، وتأويلاً يتلو تأويل. هكذا نفهمُ معنى (الحلم) الذي لطالما تمنى الهاشمي أن يتحقق، فـ «سرب طيور»، الذي ينتصبُ في «تقاطع الغوص»، بالقرب من «مستشفى الملك حمد»، مستقبلاً القادمين من المنامة عبر «جسر الشيخ عيسى بن سلمان (الشراع)»، ينتصبُ كتوليفةً تزاوجُ بين ترقرق أجنحة الطير، وهي تحلق عالياً للسماء، وترقرق الماء، وهو يرسمُ بسرياليته حركة سطح البحر، على جانب الطريق، ليضفي على المكان روحاً فنيةً تتجاوزُ الساكن، إلى المتحرك، وتمنحُ المكان شكلاً جمالياً.. جاء نتاج تعاون ودعم من «هيئة الثقافة»، بالشراكة مع «شركة فهد بن عبدالرحمن القصيبي» و«شركة دي إتش إل (DHL)»، بالإضافة لـ«البنك الأهلي المتحد»، الذين توجهت لهم الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة، مديرة الثقافة والفنون في الهيئة، بالشكر لما قدموهُ، في كلمتها أثناء حفل التدشين.دلالات يفصحُ عنها الطير يتخذُ العملُ رمزية الطير موضوعاً لتجسيد العديد من الدلالات التي يضفيها الذهن الإنساني على هذا الكائن، «فلطيور رمزيتها الخاصة، سواء على الصعيد الشخصي، أو على صعيد الثقافة البحرينية والعالمية بشكلٍ عام» يقول الفنان الهاشمي، موضحاً أختيارهُ الطير موضوعاً، ويتابع «للطيور خاصية تفتقرُ إليها الكائنات الأخرى، فهي تملك حرية أن تتقيد بالأرض، أو تحلق في عنان السماء، وهي بذلك ترمزُ إلى معانٍ كثيرة، كالحرية، والسلام، والوئام، والحب... وهي كذلك أقربُ إلى الإنسان، لكونهِ ينشدُ كل تلك المعاني». ويبين الهاشمي، بأنه مفتونٌ بالرمزية التي تجسدها الطيور، «لهذا أحببتُ أن أحولها من الرمزي إلى الروحي، ومن الإجمالي إلى الدقيق» قاصداً تجريدها في عمله، وجعلها جزءاً من ذلك المحيط «لقد جردتها.. لأن التجريد ليس مجرد بساطة، بل هو تغلغل في معنى الأشياء»، إذ يؤمن الهاشمي «أن أي عمل فني دون أبعادٍ فلسفيةٍ عملٌ ناقص، فلابد للعمل أن يكون على اتصال بمواقع الفنان المعاش، وأن يحملُ أبعاداً تحملُ فسحةً للتأويل، وتتيحُ للمتلقي أن يسرح في فضاءات الخيال». وعن شعورهِ بعد تحقق الحلم الذي لطالما انتظره، قال الهاشمي «منذُ أكثر من خمس سنوات، وهذا العمل بين الدراسة والتخطيط، لنهتدي للشركة الألمانية المتخصصة في إيجاد الحلول للأعمال الفنية، وتحقق هذا الحلم الذي لطالما انتظرتُ تحولهُ لحقيقة». وبالرغم من أن النصب لم ينفذ بالشكل الذي خطط لهُ الهاشمي، نظراً للتكلفة الباهضة، إلا أنهُ سعيد بما أُنجز، «لقد تقرر تقليصُ عدد الطيور، وتقليص ارتفاع النصب الذي كان مخططاً لهُ أن يكون بارتفاع 15 متر. فأنا سعيد بأن العمل قد أنجز، إذ أن حلم كل نحات، أن يرى أعمالهُ تغادرُ الورق إلى السوح والأمكنة». ويؤكد الفنان الهاشمي بأن لديه العديد من المخططات حبيسة الورق، مبيناً «يحزُ في نفسي وفي نفس كل فنان، أن لا تنفذ أعمالهم أو بعضها، فهي مسؤولية مشتركة تقع على عاتق الجميع في أن تزين البحرين بهذه الأعمال الفنية، خاصة وأن المملكة تزخر بفنانيها ومبدعيها»، منوهاً «أن الحضارات والبلدان تقاسُ بعدد مبدعيها».أبعاد «سرب طيور» جاء نصب «سرب طيور» على شكلٍ جزئين، الأول يمثلُ حركة تحليق الطيور، والثاني يجسدُ هبوطها، وقد تقاربت أبعادُ العملين، بارتفاع تجاوز السبعة أمتار، وبعرضٍ متفاوت بين ستة وثمانية أمتار، وقد نفذت النصب الشركة الألمانية (Arnold AG)، المهتمة بتحويل الأعمال الفنية إلى نصب واقعية ضخمة، «نحنُ معنيون بتحويل أحلام وأفكار ومخططات الفنانين إلى أعمال فنية حقيقية»، كما تقول سلام بولمن، المستشارة الإدارية، مضيفة «تسلمنا من الفنان الهاشمي كافة المخططات، وبدأنا بتمرير الفكرة على كافة المراحل، من مرحلة الأرقام، وصولاً إلى الهندسة والتنفيذ، وقد تمت كل هذه المراحل بإشراف الفنان نفسه، الذي يمثلُ مايسترو العمل، وضابط إيقاع الاشتغال».

مشاركة :